"يا سيدي يا رسول الله يا سندي
هذى العراق وهذى الشام قد فُقِدا"
هبّ المسلمون ولكن على غير عادتهم هذه المرة بأعداد أقلّ ودعمٍ محدود للقدس، ظهرت احتجاجات أقل بكثير عن مثيلاتها من الهبّات الشعبية المعبّرة عن التضامن الشعبي العربي والإسلامي مع القضية الأولى والأهم في تاريخ الصراعات الحديثة والقديمة ألا وهي قضية فلسطين.
بدأ الحديث منذ سنوات عدة عن اتفاقات وصفقات وحوارات تتم بين الدول الكبرى المتحكمة في مجريات الأمور في الشرق الأوسط عامةً وفي الشأن الفلسطيني خاصة، لكن مع كل حديث تستطيع أن تلحظ بعينيك حجم الغضب الشعبي والزخم المناضل على مر السنين في كل موقف يخص فلسطين والقدس إلا أننا هذه المرة _كشعب عربي_ لم يكن زخمنا كالمعتاد، فاليوم كل شعبٍ شُغِل بنفسه، أو بتعبير أدق كل شعبٍ أشغلته أمريكا بنفسه.
إنك إن نظرت في أوضاع الدول العربية لوجدتها جميعا _إلا ما رحم ربي_ غارقةً في بحار من المشاكل والقضايا الداخلية الموهنة للعزم والمشغلة للبال والمنسية للقضية، عن يمين القدس العربية ترى الأردن وأزماته الداخلية ومشكلاته الاقتصادية وحربه الخاسرة على مستوى الأوقاف مع الاحتلال في المحافظة على المسجد الأقصى المبارك! ولو نظرت لسوريا فيكفيك بعض صور اللاجئين والهاربين من نيران الأسد في إدلب، أو مشاهد الدمار في حلب، أو مئات القتلى بالغاز السام الذي ملأ بلاد الشآم، فأصبحت تلك العروسة تنازع الموت تحت أنقاض ركام بيوت أصحابها بصواريخ وبراميل الحبيب قبل العدو، ومن كل جنسٍ يد، ومن كل لهجةٍ متكلم!
آن للعرب أن يصححوا اتجاه بوصلتهم وأن يفيقوا من غفلتهم، قبل أن يأتي يومٌ نخسر في مسرى رسول الله، القدس تعرف مَن باعها ومَن باع نفسه لها
إلا أن الحق يُقال.. رغم كل هذه الظروف التي تمر بها سوريا إلا أن شعبها الحر صدح داعما للقدس في غير مرة وظهرت مسيرات شعبية من بين أنقاض البيوت تنادي "بالروح بالدم نفديك يا أقصى" لبوا نداء الأقصى عرايا من تحت الركام! ولم يلبيه أغلب العرب من تحت الغطاء وهم نيام، ثم انظر لمصر وقد قهرها جلادها، وحطمها ظالمها ومعاونيه، فهذا شاب رفع العلم الفلسطيني غيبته سجون العسكر! كأنه رفع العلم بين صهاينة.
ثم انظر إلى ءال البترول هذا الخليج المتهالك، الذي يجتمع ليحاصر القريبة "قطر" ويظهر في عداوتها العين الحمراء والقطيعة والهجر والمنع من الحج وزيارة بيت الله الحرام ونبيه المصطفى عليه الصلاة والسلام، نظام يفعل مالم تفعله قريش يوم أن كانت على جاهليتها وشركها، ولا يمتنع أن ينفق بكل بجاحه ملايين الأموال في معركة خاسرة يشنها على جارته العربية اليمنية! وهو اليوم يفتح بابه لزيارات الصهاينة بعد إعلان وزير الكيان الصهيوني السماح بالسفر المباشر من كيانهم المزعوم نحو الجزيرة العربية، وتلك تونس خرجت فيها المظاهرات ولكن ليست كالتي نعهدها، مشغولةٌ هي بحكومتها التي لم تأت بعد؟!، ورئيسها ذو اللسان الفصيح، والشعارات والخطب الرنانة والتي نلتمس أن تكون أفعاله كأقواله ونتأمل فيه الخير.
وليبيا منهكة في حروبها الداخلية كما اليمن وسوريا والعراق، وسودان الثورة أو قل عسكريها وبالأخص ذاك الذي طبّع في العنتيبي سرا وكانت فضيحته على رؤوس الأشهاد! والمغرب بالحكومة صاحبة التوجه الإسلامي، والملك رئيس لجنة القدس والذي كشفت تقارير سرية صهيونية عن شراءه طائرات بدون طيار من الكيان وموقفه المخجل من صفقة القرن! عندنا نحن العرب فقط ترى العجب العجاب!
القضية الفلسطينية لن تخسر أبدا بسبب عتاد أو عدد، لكنها حتما ستهزم إذا هُزمت في نفوسنا ومُحيت من قلوب العرب وعقولهم _ولن يفلحوا في ذلك إن شاء الله_، إلا أن الهجمة الشديدة والتخطيط الواضح من إشغال العرب بأنفسهم وتفريغ طاقاتهم في صراعات بين الإخوة والأشقاء ذوي اللهجة الواحدة والديانة الواحدة والكتاب الواحد هو خير وسيلة للقضاء عليهم، في حين يجمع عدوهم اللاشىء تجدهم كلٌ بلغته، وديانته إلا أنهم اجتمعوا على وأد العرب واستئصال شأفتهم.
آن للعرب أن يصححوا اتجاه بوصلتهم وأن يفيقوا من غفلتهم، قبل أن يأتي يومٌ نخسر في مسرى رسول الله، القدس تعرف مَن باعها ومَن باع نفسه لها، فلسطين ليست محض أراضٍ يرسمونها على الخريطة، ينقصون منها شيئا فشيئا! فلسطين محفورة في قلوب العرب إن استطعت استئصال قلوبهم فلن تستأصل فلسطين. ولا يغرن ترمب ونتن ياهو تخاذل الحكومات العربية وخفوت صوت الشعوب فما هي إلا استراحة محارب أنهكته نوبات الخيانة المتتالية، وصولات التآمر القاتلة، أزعم أن بعد هذا الخفوت صحوة، وبعد هذا الصمت زئير وإن غدا لناظره لقريب.