16.66°القدس
16.51°رام الله
15.53°الخليل
21.96°غزة
16.66° القدس
رام الله16.51°
الخليل15.53°
غزة21.96°
السبت 25 مايو 2024
4.66جنيه إسترليني
5.18دينار أردني
0.08جنيه مصري
3.97يورو
3.67دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.66
دينار أردني5.18
جنيه مصري0.08
يورو3.97
دولار أمريكي3.67

فلنحتفل بالحياة

533 (2)
533 (2)

مهما كانت الأسباب التي تدفعنا لنرفض الحياة، ومهما تعقدت ظروفنا، ومهما بلغت نسبة التشاؤم لدينا، ومهما كانت نظرتنا سوداوية، فإن كل ذلك لا يعني شيئا أمام حقيقة الحياة، ولا يعني شيئا عندما ندرك بوعي أنه ينبغي أن نحتفل بالحياة في جميع الأحوال ورغم كل الظروف، هذا الاحتفال هو استغلال واستثمار لتجربتنا الوجودية بالشكل الذي وُجدت من أجله، وهو إبداع نصنع من خلاله تلك الحياة التي نشتهي، ونعيشها كما نشتهي، ثم إنه لا يعقل أن نتنازل عن المشاعر والأحاسيس التي نتذوق من خلالها لذة الحياة، ونسمح فيها دون سبب مقنع، بل ينبغي أن نأخذ نصيبنا من الحياة بكل ما ملكنا من إرادة وقوة، وأن نطلب المزيد منها، وأن نصنع فيها ما يكفي من الاحتفال، لأن هذا الأخير كفيل بجعلنا نستشعر وجودنا بالشكل الذي كان مفترضا أن يكون عليه.

لعل هذا الاحتفال بالحياة هو تبرير لما يحاصرنا خلال تجربتنا الوجودية من خيبات، هو احتفال بالحياة من أجل الحياة، حتى لا نُضيّع نصيبنا منها، وهو احتفال من نوع آخر، احتفال بكل شيء وفي نفس الوقت بلا شيء، وهو وعي بالحياة وإدراك لها ومحاولة البحث عن الشكل الذي ينبغي أن تكون عليه، ولعله اختيار طريقة مناسبة للعيش، أو ممارسة فن العيش بشكل يتلاءم مع متغيرات الحياة، والاستعداد الدائم لمواجهة ما قد يعكر صفو هذا الاحتفال، إنه طريقة لممارسة الحياة بشكل عقلاني مقبول، تأخذ فيه الذات نصيبا أكبر في مقابل تأسيس علاقات إنسانية خالية من الأذى، وهو الأمر الذي يجعل أمر الحياة مثيرا للتجربة رغم كل ما تعج به من خيبات.

أن نحتفل بالحياة هو أن نبحث عن ذواتنا أكثر فأكثر، وأن نتحرر بقدر كبير مما يُقيّدنا، وأن نكتسب ثقة مضاعفة في ذواتنا، نشعر معه بشكل مثير للأنانية أننا أفضل وأجمل وأكبر من كل ما يحيط بنا

الاحتفال بالحياة بمثابة عودة إلى الذات من أجل تعويضها عن كل ما حرمنا منه أنفسنا وعن كل ما ابتعدنا منه كرها، عودة إلى حقيقتنا التي نحاول أن نُخفيها ونجعلها خاضعة لما يريده الآخرون، وأن نكتفي بأنفسنا ونكفيها شر الآخرين، واسترجاع للفصل الذي نلوم فيه ذواتنا بدون مبرر، بعد أن تورطنا في عُقدة الضمير، حتى صار انصياعنا إليه يعذبنا في صمت، هذا الاحتفال هو استدراك لكل اللحظات التي اعتقدنا فيها أن العودة إلى الذات مجرد أنانية مفرطة، هذا الاحتفال هو ما يدفعنا لنكون كما نريد، ونعيش بالشكل الذي نريد، وأن نتحرر ما أمكن من كل ما يعيق حقنا في الحياة، وكل ما يُحرّم علينا الحياة، لأن الحياة في الأصل وُجدت للاحتفال، ونحن لا ندرك ذلك إلا بعد أن تضيع منا الحياة، وبعد أن يكون الأوان قد فات.

الاحتفال بالحياة هو شعور ندرك معه مدى روعة الحياة، ونستشعر معه أننا متخلفون إذا لم نحتفل بالحياة، وهذا الاحتفال لا نصل إليه إلا عندما نعرف كيف نعيش، أن نعيش في سلام ذاتي، ومهما واجهتنا الظروف، نتشبث بنصيبنا من هذا الاحتفال ونشعر في كل مرة أن وجودنا يستحق أن ننسجم معه ونتقبل تجاربنا بكل ما تنطوي عليه، وأن نتدرب على صياغة حكايتنا وفق نظرة مليئة بالحياة، وهذا لا يعني الاستسلام لما تفرضه ظروفنا المتنوعة، بل تقبّل كل ما يحصل في الوقت الذي لا نحقق فيه ما نريد، ومع كل اخفاق ندرك بعمق أن الحياة لا تنتهي مع تلك الإخفاقات، نحن من يجعل الحياة تستمر، وذلك انطلاقا من كل ما نقوم به لكي نجعل الحياة ممكنة، ولكي نتمكن من تحملها في النهاية رغم ما تنطوي عليه من قهر.

هذا الاحتفال هو انتشال الذات من ركام الضياع، وشحنها بما يكفي من الطاقة لطلب المزيد من الحياة، وبواسطة هذا الاحتفال نتدرب على ممارسة الحياة، ليس على الشكل الذي يليق بالحياة، وإنما على الشكل الذي ينبغي أن نكونه في خضم الحياة، لأننا نحن من يحتفل، ولهذا ينبغي أن نختار طريقة ملائمة للاحتفال، ولا يتأتى ذلك إلا عندما نُحرر ذواتنا من الأحزان ونحاول على نحو ممكن أن نتجنب المزيد منها، والمزيد من الخيبات، مع محاولة  تعلم فن العيش وفن الحياة، أن نعيش بأسلوب أناني إيجابي، نستشعر معه كينونتنا الحقيقية، وبنفس القدر الذي نبتعد فيه عن الآخرين نعود فيه إلى ذواتنا، لنتصالح معها، ولكي نحتفل بنا وبالحياة.

أن نحتفل بالحياة هو أن نبحث عن ذواتنا أكثر فأكثر، وأن نتحرر بقدر كبير مما يُقيّدنا، وأن نكتسب ثقة مضاعفة في ذواتنا، نشعر معه بشكل مثير للأنانية أننا أفضل وأجمل وأكبر من كل ما يحيط بنا، الاحتفال هو طريقة مناسبة لممارسة الحياة بشكل عقلاني يرتكز على الذات، وبشكل جميل نتورط في الذات، ونعيرها أكثر مما تستحق، وننسلخ من الآخرين بلامبالاة زائدة، وبتجاهل أكبر، ولا نشعر بالحياة إلا مع ذواتنا فقط، أما تلك الحياة التي نضطر لمشاركتها مع الآخرين فينبغي أن نعطيها أكثر مما تستحق، لأننا نحن الحقيقة والحقيقة نحن، وبعيدا عن الآخرين نكتشف ذواتنا بعمق ونحبها بعمق، ولعل الوقت قد حان للعودة إلى الذات من أجل الاحتفال بالحياة.