14.75°القدس
14.56°رام الله
13.86°الخليل
19.37°غزة
14.75° القدس
رام الله14.56°
الخليل13.86°
غزة19.37°
السبت 23 نوفمبر 2024
4.64جنيه إسترليني
5.22دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.86يورو
3.7دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.64
دينار أردني5.22
جنيه مصري0.07
يورو3.86
دولار أمريكي3.7
خالد النجار

خالد النجار

غيث غزة يفيض بالعطاء

الكثير من العمل قد لا يراه البعض والقليل منه يصبح بين مطارق الجلد، وسل السيوف لإنهاك جذوة العمل والتحفيز، ولتحقيق غاية في نفس يعقوب. فالغيث لا ينقطع مداده أو تتوقف عجلته أمام فروق الزمن وكوابح مفاعيل الهجمة العدائية ضد الإنسانية في كل مكان على هذه الأرض، وللتأمل في هذه السُّنة الكونية نرى أن رواد العمل الإنساني هم الأوفر حظاً في الملاحقة أمام ألسن الناظرين، وصخب المغرضين، وحماقة الجاهلين.

غيث فُتن الناس به وبما يُقدم لإنقاذ عدد ممن أثقلتهم الكوارث المعيشية في زمن فشل فيه العالم في الوصول إلى تحقيق عدالة التوزيع، ونجح في نشر الفقر والجهل والاستثمار بمقدرات الشعوب وسلب خيرات البلاد، وامتلاك القرار وسلطة المسؤول التي ضرب بها كافة القوانين، وألقى بها في غياهب الجب، بل أصبح نشر الفقر بين طبقات المجتمع من أنجع الأدوات الفاعلة والممارسات اللاأخلاقية التي تمارسها بعض الأنظمة العالمية والعربية لإلهاء الشعوب في البحث عن لقمة العيش وتأمين ما تيسر لهم من قوتٍ يكفيهم ليوم أو يومين كحدٍ أعلى، أمام أرقام البورصة العالمية التي تقفز مؤشراتها على ظهر المكلومين والمسحوقين والجياع، ورفات الأطفال في الصومال وسوريا ومخيمات اللجوء المنتشرة حول العالم، وفي غزة المحاصرة التي تهددها أعاصير الفقر المدمرة، ويهددها حصار متواصل أفقدها مقومات الحياة وأبسطها.

غيث عمل إنساني حقيقي، وجذوره تمتد إلى غزة، فكما يرى المشاهدون بعضاً من هذه النماذج والتي تُجسّر روابط مجتمعية حقيقية، وتعطي صورة ناصعة الشرف والأمانة والمسؤولية والحرص على حياة الشرائح المهمشة والأكثر فقراً، هي أيضاً صورة لها دلالاتها السياسية والثقافية والاجتماعية والإنسانية، وإن كان لا يشعر به المشاهد، ويحمل في ثناياه هدفين، الأول: إظهار حالة التعاطف دون تشكيك في توجهات حامل الأمانة الذي يقدمها بطريقة تمتاز بالرقي والتحضر. الثاني: تسليط الضوء على قضية سياسية بلون مختلف ونمط غير تقليدي لتقليل مساحة الفجوة التي اتسعت رقعتها أمام الإعلام.

في غزة غيث لا يتوقف، بل يتكرر يومياً، وإن كان بعيداً عن الكاميرات والتي تصنع للمشاهد ملحمة وإثارة عاطفية، وتصحبه نحو تغليف المشهد بما يحب أن يراه. فالمشهد غائب أمام التحديات والتي تساهم في تقويض العمل الإنساني، وتحديد مستوياته. فالبعض ينظر إلى واقع غزة بمنظوره الضيق الذي نراه عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل، والآخر يراه الأكثر عزماً على التعاضد والتآلف والتلاحم المجتمعي والأخوي، في مواجهة آفة الفقر والحصار.

فمن منا لا يقدم صدقة لفقير؟ ومن منا ينهر سائل؟ ومن منا ينهش لحوم الفقراء؟ أليست الكلمة الطيبة صدقة؟ أليس ما يقدمه الفقير لأخيه الفقير صدقة؟ وإن كان معدل الفقر في غزة قد تجاوز الــ70%، أليس الصبر على بلاء الفقر صدقة يقدمها الإنسان لنفسه ولمجتمعه ووطنه طلباً وبحثاً عن حريته وإنسانيته وكرامته التي سلبت تحت وطأة الاحتلال وجذوة الانقسام؟

غزة غيث يفيض على ساكنيها أمناً وعزماً وجهاداً ورباطاً ودماءً تسيل بين أزقتها وشوارعها وبيوتها وطرقاتها وبحرها وحدودها، وبرّها وجوها، وطهرها وعفتها وأصالتها وشرفها، وأقدس ما يحمله الإنسان لأخيه الإنسان قرباً، وحباً للخير والعطاء والوفاء.