31.04°القدس
30.71°رام الله
29.42°الخليل
36.19°غزة
31.04° القدس
رام الله30.71°
الخليل29.42°
غزة36.19°
الخميس 25 ابريل 2024
4.71جنيه إسترليني
5.33دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.04يورو
3.78دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.71
دينار أردني5.33
جنيه مصري0.08
يورو4.04
دولار أمريكي3.78
وليد الهودلي

وليد الهودلي

أبو طير الصقر الأشمّ في سماء القدس

الشيخ محمد أبو طير يتجاوز خط الثلاثين سنة في السجون، يُعتقل من جديد ولا أدري كم عدد اعتقالاته من كثرتها، الذي أدركه تماما والذي رأيته بأم عيني أنه كالطود الشامخ لا تلين له قناة، يحلّق دائما في أعالي السماء، يصنع الموقف ويُخرج الكلمة كالرصاصة ، يخرق بها أرواحهم السوداء، يصعد منبر عسقلان بدل نخلة ساحته التي أعدموها بدم بارد، يصعد منبر الروح العالية بلا منبر، تتصدّع له أسوار السجن ويصغي له تاريخ عسقلان بأذنه الواعية، ينشقّ صدر الألم ويزرع به الحياة والأمل، يضرب المحتلّ في مناطق ألمه وينتشل المعتقل من جلبابه الذي يحاول أن يفرضه عليه سجّانه ، من معاقل الأحرار يصنع الحريّة وروح الانتصار، من عنده يتخرّج الرجال والأبطال، يمنحهم من خلاصة روحه ويلبسهم تيجان الحريّة والعزّة وأنفة الكبرياء.

عندما يبلغ صراع الإرادات ذروة كسر العظم في السجون تجد الشيخ في الموقع الأشرس في خندق المواجهة، يحاور من منطلقات العزّة، يهابه عدوّه ويحسب لقسمات وجهه واهتزازات لحيته البيضاء ألف حساب، وإذا أرادوا الهروب من غضب الشيخ بسطوا أيديهم رغم أنوفهم الحاقدة، يدرؤون عن أنفسهم غضبة الشيخ وما سيأتيهم بعدها، بالفعل يضعهم الشيخ في زاوية أخفّ الضررين لهم، وهكذا أصبح للشيخ سلطان على السجان بعد أن لم يكن للشيطان عليه سلطان.

الشيخ في السجون يسير بقلب أم وعقل أب، يأوي الأسرى إلى قلبه الكبير التماسا للدفء كما يأوي المسافرون من هجير الصحراء وقيظها إلى واحة وافرة ظلالها، يجدون من يبلسم جراحهم، ويؤنس أرواحهم، ومن معين علمه الواسع يعطي بلا حدود، يغرس غرسه وينمّي زرعه ليستوي على سوقه ويغيظ بهم السجّان، الشيخ في السجون منارة علم وروح ثائرة، يجمع بين العلم والثورة، وهذه ميزة يجد فيها المعتقل ضالته، إذ إنه خارج السجن لا يجد إلا أكاديميات نظرية لا علاقة لها بالجهاد والثورة لا من قريب ولا من بعيد، هنا يجد نفسه أمام مجاهد مخضرم ملك العلم والخبرة وصقلته التجربة، هنا لك أيها الشاب أن تنهل من هذا الشيخ الرباني، تستمع بشغاف قلبك ممن يخطف الفؤاد والبصر ويبسط بحلاوة منطقه وخفة روحه نفوذه على كل مساحات القلب، لك أن تعرف الدين بروحه العملية والحركية والجهادية العميقة القوية، ولك أن تعرف الوطن بعد أن تلامس روحك نبضات الشيخ العالية لتجد الوطن بأبهى صوره وقد تربع عل كل مساحات قلبك.

حوّل الشيخ سجنه إلى جنة في قلبه باعتباره خلوة مع ربه قد اصطفاه مولاه وحبيبه لها، أصبح السجن له عزلة يدخل بها ميدان فكرة، على صعيده الشخصي فورا يتحوّل زمن السجن إلى زمن مميّز يلج من خلاله إلى فتح علاقة جديدة مع ربّه، يرتقي في سلّم محبة الرحمن ودرجاته الرفيعة، يرضى عن ربّه وينظر إلى رضا الله عنه وقد أصبح أقرب إليه من حبل الوريد. أما مع غيره فيشكل روحا تسري لتشعّ بالعلم والمعرفة وتنير دروب السائرين بكل الطرق الممكنة، يمثل لهم الشيخ السهل الممتنع فيُفصّل في المختزل ويقتصد في الطويل ليصبح بعد ذلك ميسّرا مغدق الثمر وممتعا في إعمال الفكر والنظر، ويضيف على ذلك من شذى روحه العذبة ما يسحر العقول والأرواح.

إذا ذكرت السجون يوما فلا بدّ أن تذكر قاماتها العالية، ومكانتها وسيرتها وأعمالها وإنجازاتها رغم الظروف الحالكة، وإذا مررت بذروة سنام الحق فستجدهم هناك، وإذا أردت العلا فحتما ستجدهم في أعلى عليين بإذن الله.

الشيخ محمد أبو طير من هذه القامات العالية إن لم يكن أسبقهم، ولا يمكن أن نمرّ على سيرته أو بطرف يليق بها في عجالة كهذه، جمع هو ذلك في كتاب سماه سيدي عمر، من المفيد جدا أن نقرأه وأن ننير قلوبنا من نوره، إنه صقر القدس الأشمّ.