19.32°القدس
18.89°رام الله
17.19°الخليل
21.35°غزة
19.32° القدس
رام الله18.89°
الخليل17.19°
غزة21.35°
الأحد 05 مايو 2024
4.66جنيه إسترليني
5.24دينار أردني
0.08جنيه مصري
4يورو
3.72دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.66
دينار أردني5.24
جنيه مصري0.08
يورو4
دولار أمريكي3.72

الواقع الفلسطيني بعد وقف التنسيق الأمني

عندما نتحدث عن وقف التنسيق الأمني، فنحن نتحدث عن تغيير واقع سياسي واقتصادي وجغرافي وعسكري وأمني واجتماعي أيضاً، فليس من السهل أن تتخذ السلطة الفلسطينية قرارا بوقف التنسيق الأمني دون أن تدفع الثمن غالياً، وهذا بالإضافة إلى الثمن الذي سيدفعه الشعب الفلسطيني بأكمله وتحديداً في الضفة الغربية، والتي لا تخلوا شوارعها وقراها مدنها ومحافظاتها من المستوطنات والحواجز وجدار العزل أيضاً، ومن هذا الواقع المعقد يجب أن يكون لدى السلطة خطط وبدائل واستعدادات جاهزة، والأهم من ذلك كله أن تكون السلطة مستعدة للأثمان التي ستدفعها نتيجة وقف التنسيق.

 

لا ينكر أحد أن قرار السلطة  بوقف التنسيق الأمني مع "إسرائيل" هو قرار وطني بامتياز، بالإضافة الى أنه مطلب شعبي وفصائلي، ولكن "إسرائيل "وبصفتها كيان احتلال ستجعل عودة التنسيق الأمني وبكل فروعه هو المطلب  الشعبي الأول على قائمة المطالب الحياتي، لأنه وبكل صراحة التنسيق الأمني هو عبارة عن بروتوكولات وارتباطات ميدانية مباشرة انبثقت  عن اتفاق سلام من المفترض أن يكون شاملا بين الفلسطينيين و"إسرائيل" "أوسلو"، بمعنى أصح هو تنسيق ميداني مباشر بين دولتين تعيشان على بقعة جغرافية واحدة وضيقة، وهذا يتطلب أن تكون كل حياة الشعب الفلسطيني مرتبطة جغرافيا وسياسياً واقتصاديا وأمنياً وعسكرياً بـ"إسرائيل"، والأهم من ذلك أنه وفي حال فشل عملية السلام "أوسلو" وقد فشلت بالفعل، وفك الارتباط وإلغاء التنسيق الأمني وجميع البروتوكولات، سنكون نحن كفلسطينيين تحت سكين الاحتلال بصفته احتلال، وهذا بسبب  أن كل تفاصيل حياتنا اليومية بحاجة إلى تنسيق، وهذا ما يزيد من صعوبة مهمة السلطة كونها لا زالت تعمل على أرض الواقع كسلطة، فهي مضطرة أن تلبي احتياجات المواطنين اليومية، وبالطبع فاحتياجات المواطنين اليومية بحاجة إلى الشق الأهم في التنسيق الأمني، وهو التنسيق المدني، وبالطبع "إسرائيل" لن تسمح  بسريان مفعول التنسيق المدني والذي هو شق من التنسيق الأمني، دون سريان مفعول التنسيق الأمني كرزمة واحدة.

 

وللتفصيل أكثر حتى نعلم أن الموضوع ليس سهلاً، إن هناك تنسيقا أمنيا ضروريا للسلطة من الناحية الإدارية والعمل المؤسساتي، مثل تحركات الرئيس ورئيس الوزراء والوزراء والقادة بشكل عام في حدود مناطق نفوذهم وتحديداً مناطق "أ"، بالإضافة الى تحركاتهم خارج حدود الوطن، وهناك تنسيق ضروري لتحركات رجال الأمن الفلسطيني بشكل عام في مناطق نفوذهم أيضاً، وأيضاً استلام أموال المقاصة مثلاً يحتاج الى تنسيق، وغالب الأمور الإدارية للسلطة تحتاج  الى تنسيق،  وهناك تنسيق مدني ضروري يخص عامة الناس في حياتهم اليومية، سواء في السفر أو التجارة أو العلاج أو العمل أو حتى التنقل من مدينة إلى مدينة، وهناك تنسيق أمني بامتياز مرتبط باتفاق "أوسلو" وكأنها سارية المفعول حتى يومنا هذا، وهو بهدف الحفاظ المتبادل على الأمن بين السلطة و"إسرائيل"، وبالطبع هذا النوع من التنسيق يجب أن يكون قد انتهى بموجب انتهاء اتفاق "أوسلو" وتنصل "إسرائيل" من حقوق هذا الاتفاق، ولكن "إسرائيل" وبقوة الاحتلال تتجه إلى إجبار السلطة ومساومتها من أجل البقاء في ربع هذا التنسيق، رغم أن السلطة غير مستفيدة فعلياً من هذا التنسيق المجاني، وغير ذلك فـ"إسرائيل" ربطت استمرار التنسيق المدني الحياتي بالتنسيق الأمني المجاني.

 

"إسرائيل" اليوم وللأسف وضعت السلطة في حرب وأزمة واختبارات كفيلة أن تقلب الدنيا رأس على عقب، فهي انسحبت من عملية السلام بشكل علني وصريح، وأعلنت عن ضمها للضفة والقدس، وإبقاء وجود السلطة كحكم ذاتي محدود الجغرافيا والهوية، وربطت ما بين إبقاء التنسيق الأمني المجاني والتنسيق المدني الحياتي والضروري للشعب الفلسطيني، وطلبت من السلطة أن تختار إما نكمل التنسيق بكل فروعه سوياً أو ننفصل عن التنسيق بكل فروعه.

 

والسؤول هنا، والذي لا يملك الإجابة عليه غير السلطة بصفتها سلطة، وعبر ترجمة على أرض الواقع، هل السلطة تمتلك أدوات تغيير الواقع والتصدي لتداعيات انسحاب "إسرائيل" من عملية السلام ووقف التنسيق الأمني بكل فروعه؟ وهل السلطة أدركت أن هذا الوقت بالذات هو وقت إنهاء الانقسام والذي هو من أهم أدوات تغيير الواقع والتصدي للاحتلال..؟ أما الإجابة من وجهة نظري نعم تستطيع السلطة تغيير الواقع إذا غيرت من بعض أدبياتها ومفاهيمها في إدارة البلاد، واتبعت فلسفة جديدة تتناغم مع واقع جديد، حينها ستتجه السلطة إلى تسخير كل ما يحيطها كمصدر قوة لها، وعلى رأس هذا بالطبع قطاع غزة، وذلك عبر بوابة مصالحة حقيقية وشاملة.

المصدر: فلسطين الآن