اختارت جماعة الإخوان المسلمين الخط الوسطي من أجل تحكيم شرع الله، فالحكم بحد ذاته ليس هدفا، وإنما الهدف هو إقامة حكم الله بغض النظر إن كان الحاكم من الجماعة أو من غيرها، وهذا مؤكد من خلال الفرص التي أتيحت للجماعة فاختارت التوافق الشعبي على فرض نفسها حسب ما أفرزته صناديق الاقتراع في الكثير من الدول العربية.
العقبة الكأداء التي تحرم المجتمعات العربية من الحكم الرشيد والازدهار والنهضة هي العداء الذي تكنه الأحزاب العلمانية العربية للتيارات الإسلامية عامة ولجماعة الإخوان خاصة، فتلك الأحزاب على ضعفها الشعبي وقلة حيلتها فإنها تستميت لإلغاء "الإخوان" وإقصائهم، بل وإبادتهم إن تم لهم ذلك، ولكنني أقولها بكل بساطة إن جماعة الإخوان أكبر من كل الأحزاب والأنظمة العربية، فلم يعد بالإمكان القضاء عليها، وإن نجحوا في إخماد صوت الإخوان فهذا لا يعني أنهم تغلبوا عليهم، ولكن يعني أن الجماعة ما زال صدرها واسعا، وما زالت لديها القدرة على احتمال الأذى من أجل سلامة المجتمعات العربية وتفاديا لصدامات قد تهدر دماء الأبرياء، وهذه هي القاعدة التي ما زالت الجماعة متمسكة بها وتطبقها إلى يومنا هذا.
في بلد عربي شقيق هناك حزب علماني لا يزيد عدد نوابه على 8% في البرلمان، مقابل أضعافهم من النواب المنتمين لجماعة الإخوان، ولكن ذلك الحزب المجهري مدعوم من دول عربية وغربية ويسعى إلى تعطيل التجربة الديمقراطية في ذلك البلد. أنا أعتذر من القارئ لكثرة التلميح، ولكن التصريح قد يمنع نشر مقالاتي، وليس ضعفا مني، المهم أن تصرفات الأحزاب المجهرية العلمانية لن تزيح جماعة الإخوان المسلمين عن المشهد، ومن يعتقد ذلك فهو ساذج، بل قد تؤدي في النهاية إلى اجتثاث العلمانية والعلمانيين من الوطن العربي لأن الجماعة قد تتغير أو يتغير أفرادها إن استمر التعنت والغباء العلماني، وقد يخرج جيل من الإخوان لا يؤمن بالسلمية المطلقة، بل يؤمن بالسلمية حين تعطى الجماعة الفرصة مثلها مثل غيرها من الأحزاب من خلال صناديق الاقتراع، ولكنه لا بد وأن يتعامل مع من يريد إلغاءه بالطريقة الخشنة، لأن قلة التنفيس تؤدي إلى الانفجار وليس إلى الاستسلام كما يعتقد البعض. لا يوجد استسلام في قاموس أهل الحق بل الصبر والصمود ثم الاستمرار والنصر، تماما كما هو واقع المقاومة في غزة، التنفيس لا يقتلها، بل يجبرها على زيادة قوة ضرباتها.