13.33°القدس
12.86°رام الله
12.19°الخليل
18.71°غزة
13.33° القدس
رام الله12.86°
الخليل12.19°
غزة18.71°
الجمعة 22 نوفمبر 2024
4.75جنيه إسترليني
5.28دينار أردني
0.08جنيه مصري
3.97يورو
3.74دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.75
دينار أردني5.28
جنيه مصري0.08
يورو3.97
دولار أمريكي3.74
نعيم مشتهى

نعيم مشتهى

كتائب القسام بوصلة الانتصار

تعمل كتائب القسام الذراع العسكري لحركة حماس على تطوير ذاتها منذ نشأتها عام ١٩٩١، ولقد سارت نحو مراحل عديدة من الحجر حتى ذلك الصاروخ الذي ضرب أهدافاً دقيقة في عمق أرضنا المحتلة، لكن الذي لم يكن يتوقعه المحللون السياسيون والعسكريون حول العالم هو تحول ذلك التنظيم الذي ينتهج أسلوب حرب "العصابات" إلى منظومة عسكريةٍ أمنية تعمل على كل الأصعدة.

وبقيت كتائب القسام في حالة تطور مستمر لتثبت نجاعة مشروعها العسكري المقاوم للاحتلال الاسرائيلي، وإيجاد طرق للتحايل على الإجراءات التي يتخذها الأخير لتحجيم القوة الضاربة "كتائب القسام"، من خلال الدخول في 3 مواجهات عسكرية وفرض حصار خانق على القطاع منذ 14 عاماً، والعديد من الجولات الاستنزافية التي هدفت من خلالها تدمير القوة العسكرية الفلسطينية، واستخدام الأساليب الناعمة التي تلخصت بالعديد من العروض الدولية التي كان آخرها القبول بمبلغ 15 مليار دولار لإقامة ميناء ومطار في غزة ما يؤدي لتصدر حماس الحلبة السياسية مقابل تسليم سلاحها، وعرض جاريد كوشنر كبير مستشاري الرئيس الأمريكي "دونالد ترمب" أن يعقد لقاءً مع مكتبه في العاصمة التي تختارها حماس.

وإن ما أظهره برنامج ما خفي أعظم "الصفقة والسلاح" لهو أكبر دليل على عِظَم المنظومة القسامية، فلم تعد كتائب القسام مجموعةً عسكرية دون تسليح كامل وليست قوتها الصاروخية مرهونةً بفتح المعابر وإدخال المواد الخام لتصنيع القذائف والصواريخ، كما لم تعد القوة البحرية كما كانت بداية تأسيسها؛ فالمجموعة القسامية التي تسللت عبر البحر محاولة أسر مستوطنين من مستوطنة غوش قطيف البحرية في الخامس والعشرين من مارس لعام 2004، وغيرهم من الجنود لم تعد خطتها الاستراتيجية كما هي، بل أدخل عليها تحسينات مستفيدة من تغيرات الميدان.

وإن ما نستنتجه من حلقة "الصفقة والسلاح" هو زيادة كفاءة القوة البحرية لكتائب القسام، فحين اكتشفت المدمرة البحرية البريطانية الغارقة منذ قرن تقريباً والمليئة بالقذائف والمعدات العسكرية التي شكلت رؤوسا حربية لصواريخ "سجيل"، لم تكن تعلم بوجود مدمرة حربية أضخم على بعدٍ بسيط منها لولا أن فتح الله على قيادتها بالعودة لصفحات التاريخ الغزي المشرِّف الذي دلهم على وجود سفينةٍ حربية أخرى، كما أن القدرة التي أظهرتها القوة البحرية القسامية في استخراج تلك المعدات والقذائف، كشفت تفوق الإرادة على الصعوبات الميدانية والأمنية، التي تجعل الحصول عليها مستحيلا، وذلك وفق الخبير العسكري البريطاني، الذي اعتبر أن استخراج المعدات لا يمكن بطريقة سرية، لكن ذلك تم بالفعل.

ذاك أمر يعني، انتهاج الكتائب لسياسة المنظمات الدولية التي تعمل على اهتمامها بالبحث العلمي من خلال إنشاء مراكز دراسات تاريخية سياسية عسكرية، لتعلم من خلالها عقلية خصمها واستراتيجيته، لتسير بقوتين متوازيتين، هما: القوة العسكرية، وقوة البحث العلمي، وذاك تماما ما فعلته الوكالة اليهودية في فلسطين عام ١٩٣٠، حين أسست مركز دراسات يدرس الشخصيات العربية المؤثرة، وتاريخ المدن التي كان يستهدفها الصهاينة في فلسطين، وإعداد نظرة مستقبلية لها.

إعادة تدوير القذائف والصواريخ التي يعتبرها العالم مخلفات حربٍ لاستخدامها في تصنيع صواريخ محلية بعيدة المدى لم يكن يسيرا مطلقاً، فذلك يحتاج إلى أدمغة علمية قادرة على استخراج المواد المتفجرة، كما أن تفكيك أجهزة التسليح في ذلك الصاروخ تحتاج إلى جهود هندسية عسكرية حذرة، وإلى تغطية أمنية.

تضافر تلك الجهود معا، أنتج مئات الصواريخ، أطلق منها ٧٨ صاروخا، دفعة واحدة في زمن قياسي "دقيقة واحدة"، في التصعيد الذي وقع في مايو 2019، وهذا يشير إلى القوة التكنولوجية للمقاومة، كما يؤكد على وجود خفايا ستكشفها المعارك القادمة، كما قال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس، مؤكدا أن حركته لا تسعى لحرب لكنها لا تخشاها وستكون المعركة القادمة مدهشة للجميع.

كما أن العمل على التنقيب عن أنابيب كان قد زرعها الاحتلال في المستوطنات المندحرة من قطاع غزة لسرقة المياه الجوفية، وحصول القسام عليها في ظل الحصار الخانق يدل على وجود منظومة أمنية عسكرية قادرة على الوصول لمعلومات كان الاحتلال قد دفنها في أرض غزة، لكنه لم يستطع أن يدفن الأدمغة العاملة على إدارة الصراع الأمني العسكري ضده.

إن قطع السبل واتساع دائرة التطبيع العربي مع الاحتلال الاسرائيلي للوصول إلى تجفيف ينابيع الإمدادات لا شك أنه يؤثر على عمل المقاومة لكنه لن ينجح بالنسبة التي يريدها الاحتلال الاسرائيلي وأعوانه، حيث أن الصراع لم يعد صراع بارودٍ ونار إنما تطور ليصبح صراع أدمغة، لن ينتصر العدو فيها فكلما قطع سبيلاً فُتِحت سبلٌ كثيرة.

ما بينه "عامي أيالون" رئيس جهاز الشاباك الإسرائيلي سابقاً أن خوض عمليتين عسكريتين بريتين للوصول إلى هدف نزع سلاح القسام بائتا بالفشل، يدلل على ضعف المنظومتين العسكرية والأمنية الإسرائيلية في اختراق المنظومتين العسكرية والأمنية لحماس، منوهاً على أن حماس ليست منظمة (إرهابية) فحسب بل إنها عقيدة.

اعتراف أيالون بأن حماس صاحبة عقيدة يدلل على وجود معادلة صعبة بين موازين القوى الفلسطينية الإسرائيلية في ظل تراجع العقيدة الإسرائيلية وضعفها لدى الجنود الإسرائيليين وتقدم العقيدة الإسلامية لدى الجنود المقاتلين الحمساويين، وهذا ما يعكس المعادلة التي حاول الاحتلال الإسرائيلي ترسيخها في عقول العرب بشكل عام والفلسطينيين بشكل خاص بعد حرب عام 1948، والتي أعطت نتائج إيجابية لصالح الاحتلال خلال حرب عام 1967، لكنها سرعان ما تغيرت أثناء حرب العاشر من رمضان/أكتوبر لعام 1973 وعادت تترسخ من جديد بعد تلك الحرب، لكنها بائت بالفشل أمام جنود القسام خلال الموجهات العسكرية.

ما كشفه برنامج ما خفي أعظم، هو تطور العلاقات الحمساوية الإيرانية وهذا ما كان يعمل الاحتلال على تحجيمه لكنه فشل، وإن اعتراف ا. اسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس بالدور السوري في دعم حماس عسكرياً يدل على تسجيل حقائق للتاريخ حول الدور السوري والسوداني في دعم المقاومة،كما أن لدى حماس منظومةً سياسية عسكرية أمنية تعمل على إدارة المرحلة بشتى الطرق والوسائل وهذا ما يتخوف منه الاحتلال، حيث أن خصمه لم يعد بحاجة للتعلم الخارجي لتصنيع الصواريخ خصوصاً وتطوير المنظومتين العسكرية والأمنية عموماً، بل إنه عمل على تشرُّب التطوير ليتم التصنيع داخل القطاع.

            أخيراً، أعتقد أن قدرة القسام على تنفيذ كل ذلك لم يكن بالأمر اليسير لكنه أصبح في متناول اليد ولن يثني الأخير عن بوصلته شيء بل ستبقى دائرة الصراع مشتعلة حتى تحرير فلسطين ولن يبلغ الاحتلال طموحه، بل إن تطور القسام بتلك السرعة والتقنية العالية يؤكد على اقتراب المشروع الصهيوني من نهايته.

المصدر / المصدر: فلسطين الآن