خلال الأيام الأخيرة، خرجت العلاقة بين الرئيس الأميركي المنتهية ولايته، دونالد ترامب، ونائبه مايك بنس، عن شكل الولاء التام المعروف عن بنس منذ سنوات إلى مرحلة أشبه بالصدام في أيام ترامب الأخيرة بالبيت الأبيض.
ونأى بنس، المعروف بالتزامه بسياسة ترامب طيلة 4 سنوات، عن الرئيس أثناء الأيام الأخيرة التي عصفت بالولايات المتحدة، بل وتحداه في ثلاث مناسبات على الأقل، على رأسها رفضه تنفيذ ما طلبه منه الرئيس من إعادة أصوات المجمع الانتخابي للولايات خلال اجتماع الكونغرس العاصف الذي انتهى بإقرار النتيجة لصالح بايدن بعد أحداث فوضى لم يشهدها التاريخ الأميركي القريب.
وتختلف التقديرات في سلوك نائب الرئيس الأميركي الأخير، بين مجرد شعوره بالمسؤولية التاريخية أو نيته الخروج من ظل ترامب، خاصة في ظل الحديث عن احتمال ترشحه في انتخابات عام 2024، لكنه في كل الأحوال أظهر قدرة على اتخاذ قرارات قيادية.
بداية التوتر
وبدأ التوتر بين الرجلين يظهر مطلع يناير الجاري، عندما صرح ترامب أمام حشد من أنصاره في ولاية جورجيا، قائلا إنه ينتظر شيئا من نائبه في جلس الكونغرس المشتركة للمصادقة على أصوات المجمع الانتخابي، وتحديدا الاعتراض على النتائج.
لكن بنس رفض الانصياع لرئيسه، وقال إنه لا يملك سلطة تحديد الأصوات التي سيتم المصادقة عليها في الكونغرس، وهو ما يؤكده قانونيون، إذ إن نائب الرئيس لا يملك صلاحية مثل هذه.
وقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مصدر قوله إن بنس كان يعلم كيف سيستقبل ترامب وأنصاره قراره، لكنه أكد على أنه أمر "مؤسسي ودستوري"، معتبرا مطالبات ترامب بأنها "انحراف عن المسار".
وفي يوم المصادقة، نفذ نائب الرئيس الأميركي كلامه، بصفته رئيسا لجلسة مجلس الشيوخ وصادق على انتخاب جو بايدن رئيسا للولايات المتحدة، رغم أحداث العنف التي شهدتها.
ونقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مصادر مطلعة قولها إنها نائب الرئيس أعرب عن غضب شديد عندما لم يتخذ ترامب إجراءات لوقف العنف في الكابيتول.
وأضافت: "بنس شعر بالذعر لأن الرئيس لم يحرك قيد أنملة في الوقت الذي كان الكونغرس يتعرض للعنف".
انتقاد علني
أما ترامب فقد استشاط غضبا بعدما "خذله" نائبه وصادق على فوز منافسه بايدن، وهاجمه علنا على "تويتر": "لم يكن لدى مايك بنس الشجاعة لفعل ما يلزم لحماية بلدنا، ودستورنا، لإعطاء الولايات الفرصة للتصديق على الحقائق المصححة، وليس الحقائق المزورة أو غير الدقيقة، التي طُلب منهم التصديق عليها مسبق".
تقول صحيفة "فايننشال تايمز": إن بنس لم يناقض رئيسه طوال ولايته، لكنه تمكن مع ذلك من إبعاد نفسه عن بعض مواقف ترامب الأكثر إثارة للانقسام، وهذه الاستراتيجية خدمت بنس جيدا".
وشكل انحياز نائب الرئيس الأميركي إلى القانون والدستور في الجلسة المشتركة للكونغرس لحظة فارقة له، فرغم أنها أغضبت ترامب وعددا من أنصاره، إلا أنها اكسبته احترام عدد آخر من الجمهوريين وعدد أكبر من الديمقراطيين.
ورأت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن السؤال بشأن مستقبل بنس السياسي أصبح مفتوحا.
التنصيب والمادة 25
وذكرت وكالة "رويترز" أن بنس سيحضر حفل تنصيب بايدن في 20 يناير الجاري، خلافا لموقف ترامب الذي قال إنه لن يحضر الحفل التقليدي في مبنى الكابيتول.
وذهب نائب الرئيس الأميركي بعيدا عن ترامب، السبت، عندما قال إنه لا يستبعد استخدام التعديل الـ 25 من الدستور لعزل الرئيس دونالد ترامب إذا تصرف بتهور أكثر.
ولتفعيل التعديل الـ25 بالدستور، يتعين على بنس وعلى أغلبية حكومة ترامب إعلانه غير قادر على أداء مهام الرئاسة، وقال أحد المستشارين إن بنس يعارض فكرة استخدام التعديل.
وتظهر هذه الخطوات المتتالية والمتسارعة من جانب بنس أنه لم يعد الشخص الأكثر ولاء لترامب، كما وصفته صحيفة "واشنطن بوست" ذات يوم.
العين على انتخابات 2024
وربما تفتح هذه الخطوات الطريق أمام مايك بنس نحو انتخابات الرئاسة عام 2024.
وقالت صحيفة "إنديانا بولس"، المحلية في ولاية إنديانا، التي ينتمي إليها نائب الرئيس الأميركي، إن الشاحنات ستنقل على الأرجح متعلقات عائلة بنس من مقر إقامته في واشنطن نحو إنديانا في 20 يناير الجاري أو قبل ذلك، بعد أربعة أعوام من الإقامة في واشنطن.
وأضافت نقلا عن حلفاء بنس السياسيين أنه سيعمل على إعادة تجميع صفوفه والتخطيط لأربعة أعوام مقبلة في منطقة تبدو بعيدة عن موطن السياسي التقليدي في واشنطن.
ويقول عضو الكونغرس السابق عن ولاية إنديانا، ديفيد ماكنتوش وأحد أصدقاء بنس المقربين، إن الولاية ستكون قاعدة سياسية رائعة بالنسبة إلى بنس، بما يمكنه من التنقل شرقا وغربا، فيما تبدو واشنطن الآن "ميتة نوعا ما" سياسيا.
ونقلت الصحيفة عن حلفاء مقربين من بنس قولهم إنه يفكر في الترشح للرئاسة في 2024، على الرغم من أنه قد لا يفلت من ظل ترامب، الذي يتردد أنه ينوي الترشح أيضا.
ويقول الباحث في شؤون منصب الرئيس الأميركي، جويل غولدشتاين، إن بنس وزوجته سيقضيان بعض الوقت في الابتعاد عما كانا فيه، أثناء الإقامة في واشنطن، قبل التفكير في خوضع العمل السياسي مجددا.
مؤهلات بنس
وكان بنس رفض الترشح للرئاسة في عامي 2012 و2016، لأنه غير مستعد نفسيا لقيادة البلاد، كما نقل عنه.
ويملك بنس مؤهلات ترشح للرئاسة تبدو أكثر من ترامب، فهو يمارس السياسة منذ أكثر من 30 عاما.
ورغم أنه فشل في محاولة عضوية الكونغرس عام 1988 و1990، فإنه نجح في انتخابات الكونغرس عام 2000، وأعيد انتخابه 6 مرات متتالية حتى 2012، وفي العام ذاته فاز بمنصب حاكم ولاية إنديانا.
ولدى بنس قاعدة شعبية تتمثل في المسيحيين المحافظين، وهي إحدى مسببات فوز ترامب في انتخابات 2016، ويتمتع بنس بقدرة على الخطاب والحديث، فقد عمل لسنوات مذيعا.
ولدى بنس بالفعل البنية التحتية السياسية لتكون قوة في السياسة الجمهورية، إذ أطلق عام 2017، وبعد شهور فقط من دخول البيت الأبيض، لجنة العمل السياسي الخاصة به تحت اسم "لجنة أميركا العظمى"، يمكن أن تكون وسيلة لتحقيق طموحاته في عام 2024.
ويقول مستشار ترامب الذي تم العفو عنه مؤخرا، روجر ستون، إنه لم يكن لدي أي نائب رئيس لجنة سياسية بعد شهور قليلة من دخوله البيت الأبيض.
ومن المتوقع أن يحتفظ بنس برئيس أركانه، مارك شورت، وكبير المستشارين السياسيين المقيم في إنديانابوليس مارتي أوبست، كمستشارين سياسيين في لجنة "أميركا العظمى".