حذر دبلوماسي إسرائيلي، من أن "التصعيد المتعمد" والحرب متعددة الأبعاد التي يقودها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ستؤدي حتما إلى مواجهة مع الإدارة الأمريكية برئاسة الديمقراطي جو بايدن.
وأوضح الدبلوماسي الإسرائيلي القنصل السابق في نيويورك، ألون بنكاس، في مقال بصحيفة "هآرتس" العبرية، أنه "في الأيام الأخيرة ترسخت الحكمة الشائعة حول التصعيد المتعمد ضد إيران.. حيث يتصرف نتنياهو بدافعين؛ الدافع السياسي، بخلق أجواء طوارئ أمنية لتحسين المناخ السياسي الإشكالي الذي هو غارق فيه، ومحاولة تشكيل حكومة".
وأضاف: "الدافع السياسي؛ هو إحباط المفاوضات غير المباشرة التي تجرى في فيينا بين واشنطن وطهران، لعودة الطرفين للاتفاق النووي، وخلال ذلك خلق مواجهة مع الإدارة الأمريكية التي هي أيضا، حسب هذه النظرية، ستساعده في الساحة السياسية".
ونبه بنكاس، إلى أن "الاحتكاك الزائد مع الولايات المتحدة هو أمر مؤكد"، منوها إلى أن "إيران هي الموضوع المحدد والمؤسس لنتنياهو منذ الأزل وبعد أن تلاشى سحر "فقط أنا من جلبت اللقاح"، ومن الطبيعي أنه في فترة ضائقته سيتوجه مرة أخرى نحو إيران، لأنه توجد له مصلحة أساسية في الحفاظ على مستوى العداء والتوتر مع طهران؛ سواء لأنه يؤمن بذلك أو لأن هذا يخدمه"، حيث يخوض نتنياهو المتهم بالفساد مفاوضات صعبة مع الأحزاب الإسرائيلية لتشكيل الحكومة.
وذكر أن "إيران بالنسبة لنتنياهو هي ألمانيا النازية، وهو نسخة محدثة عن ونستون تشيرتشل، وضد هذا الخط، تقريبا لم تقم معارضة في إسرائيل باستثناء القليل في عالم الاستخبارات والجيش، فنتنياهو يعتبر إيران تهديدا وجوديا، وخطواته هي خطوات منع وإحباط تاريخية، وأي انتقاد له هو كفر بهذا المبدأ"، موضحا أن "هذه الحكمة الشائعة مبنية على إضاءة بسيطة؛ حجم الثرثرة والتبجح الشخصي والغطرسة مع الغمز، لا سيما تحمل المسؤولية عن العمليات، ضد سفينة "ساويز" الإيرانية، والانفجار في منشأة تخصيب اليورانيوم في نطنز، وحتى التسريب المرفوض قبل الأوان لعملية ثالثة، يستهدف جر طهران للرد".
ولفت الدبلوماسي، إلى أنه "طالما أن إسرائيل عملت بسرية وبدون أي مصادقة، فإن إيران يمكنها استيعاب الضرر، والولايات المتحدة يمكنها تجاهل ذلك. ومنذ اللحظة التي تتفاخر فيها تل أبيب وتتباهى بإنجازات عملياتية، ناجحة لكنها محدودة من حيث الحجم والوقت، وتقوم بتضخيم حجم الضرر، فإن إيران ستكون ملزمة بالرد، والتصعيد الآخر سيخلق واقعا سياسيا أكثر راحة بالنسبة لنتنياهو، ومريحا أكثر لواشنطن في المفاوضات حول استئناف الاتفاق النووي".
ونوه إلى أن "هذا التصعيد بني منذ الانسحاب أحادي الجانب للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الاتفاق في أيار 2018 وحتى الآن، وديناميكية التصعيد لا تستبعد الدوافع السياسية والسياساتية لنتنياهو، وبالتأكيد لا تحميه من الانتقاد"، منوها إلى أن "إسرائيل في هذه الفترة قامت بتوسيع المعركة بين حربين، من جوية وبرية وسايبر إلى الساحة البحرية، ورفعت حجم نشاطها ضد السفن والخطوط التجارية البحرية الإيرانية".
وأشار إلى أن وزير الأمن في حينه نفتالي بينيت أطلق على ذلك "عقيدة الأخطبوط"، وفي إطار هذا الوقت كانت هناك انفجارات في نطنز، وواشنطن اغتالت في كانون الثاني/ يناير 2020 الجنرال قاسم سليماني، وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 أطلقت النار على فخري زاده وقتلته، وهو عالم لقب بـ"أبي المشروع النووي الإيراني".
وذكر أن الرئيس الإيراني حسن روحاني، "اتهم إسرائيل باغتيال زاده ووعد بالانتقام، ومن هذه الناحية، فإنه بين إسرائيل وإيران لا توجد حرب ظلال أو معركة بين حربين، بل حرب متعددة الأبعاد، حتى لو كانت بقوة ضئيلة نسبيا"، مضيفا أنه "عندما نقوم بتوحيد السياق الواسع والأحداث الأخيرة، يظهر للوهلة الأولى أنه توجد لإسرائيل مصلحة في التصعيد".
وتابع: "استخدام التعابير التحليلية الجميلة "تصعيد بالتدريج" و"سيطرة على التصعيد"، مكانه في دروس نظرية عن العلاقات الدولية أو عن التاريخ العسكري، وفي الواقع لا يوجد أي شيء اسمه سيطرة على التصعيد، ومن هنا يطرح سؤال: هل تم في إسرائيل فحص التكلفة والفائدة الذي سيشكل أساس استراتيجية التصعيد؟ من الصعب معرفة ذلك لأنه لم يتم إجراء نقاشات في الكابينت، ولا توجد جلسات للحكومة ولجنة خارجية وأمن أو معارضة، فقط يوجد نتنياهو".
وأكد بنكاس، أنه "توجد لنتنياهو مصلحة في فشل المفاوضات بين أمريكا وإيران"، مبينا أن "الخلافات في محادثات فيينا ليست فقط حول مسألة التوقيت والمعاملة بالمثل في سلسلة خطوات الولايات المتحدة وإيران، الأمر الذي يمكن حله بصيغة متفق عليها، بل أيضا في مواضيع جوهرية منها مطالبة إيران بتسوية فورية للعقوبات التي بلغت أكثر من 1200 عقوبة غير مرتبطة بشكل مباشر بالمشروع النووي".
وأما "الموضوع الآخر المختلف عليه بين الطرفين، مطالبة أمريكا بتحسين الاتفاق الأصلي وإضافة أبعاد غير نووية إليه من مثل تطوير صواريخ بالستية وتأييدها لمنظمات "إرهابية" ونشر وتشغيل شبكة "منظمات وكيلة" من قبلها، مثل حزب الله والمليشيات في اليمن والعراق وسوريا"، لافتا إلى أن "هذا موضوع يقف في مركز انتقاد إسرائيل للاتفاق الأصلي".
وذكر الدبلوماسي، أن "ترامب ونتنياهو لم يطرحا في أي يوم اتفاقا "أفضل" كما وعدا بذلك، واستراتيجية "الضغط الأقصى" لواشنطن تجاه إيران فشلت، العقوبات الشديدة أضرت كثيرا، لكنها لم تتسبب في انهيار اقتصاد إيران، وبالتأكيد لم تتسبب في انهيار النظام".
وأشار إلى أن "إيران بدأت مؤخرا في ضخ غاز اليورانيوم إلى 164 جهاز طرد مركزي متطور في منشأة نطنز، ووقعت على اتفاق شراكة استراتيجية مع الصين، كما أن محاولة عزل إيران عن العالم فشلت، ويوم الأحد الماضي زار طهران رئيس حكومة كوريا الجنوبية".
مع ذلك، فإن "التصعيد الحالي يحدث في الوقت الذي تجري فيه واشنطن مفاوضات للعودة إلى الاتفاق النووي، وسواء نجحت أم لا، فإن إسرائيل تعمل في دائرة قريبة جدا من المصالح الأمريكية، وإذا بقي نتنياهو رئيسا للحكومة فإن الأحداث الأخيرة هي جزء من مسار التصادم والمواجهة المحتمة والمتعمدة مع إدارة بايدن".
وبحسب "جميع العلامات، فإن نتنياهو ينوي العودة للعمليات التي نفذها في المحاولة غير الناجحة لإحباط وإعاقة الاتفاق النووي في 2015؛ مواجهة مع الرئيس، اتهام الولايات المتحدة بالتسامح، والضعف وعدم فهم الخطر الإيراني، والذهاب إلى الكونغرس".
وأفاد بنكاس، بأن "الظروف في 2021 لا تشبه 2015، وعمليا، لا يوجد حلف بين إسرائيل والسعودية والإمارات، والرياض تم إبعادها من قبل واشنطن، في الوقت الذي تقوم فيه الإمارات بلعب لعبة مزدوجة، من ناحية التشدد ضد إيران في الظاهر والتحدث معها بهدوء".
وبين أنه "في البيت الأبيض يجلس رئيس ديمقراطي بعيد عن التأثر بنتنياهو، وحتى تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، على الأقل سيتحكم الحزب الديمقراطي بمجلسي النواب والشيوخ، ومن غير الواضح ما هو هدف إسرائيل الاستراتيجي من جولة التصعيد الحالية، إلا إذا وافق المرء على الحكمة الشائعة، وهي أن هذا الأمر ببساطة يخدم نتنياهو وليس بالضرورة إسرائيل".