لا يحكمهم صغر سنهم، لأنهم رجال رجال، لا يهابون العدو، ولا يرضون لدينهم ولا لوطنهم الدنية، عملوا ليل نهار من أجل أوجاع العدو الصهيوني ويجعلونه يتجرع كأس العلقم رغم أنفه وهو صاغر، هذه حكاية الأسير القسامي المحرر "مصطفى علي رمضان" بن خانيونس الإباء والذي يروي القصة الحقيقة لعملية أسر الجندي الصهيوني "آلون كرفاني" عند بوابة معسكر البريج عام 1992.
فهذه القصة يكشفها منفذها "مصطفى رمضان"، حيث انطلق العمل العسكري في قطاع غزة عقب حرب الخليج الأولى على العراق، تشكلت المجموعات العسكرية في القطاع، وكانت البداية متواضعة، اقتصر العمل على ملاحقة العملاء والمندسين، وحال مدينة خانيونس كحال باقي مدن القطاع فقد تشكلت وحدة عسكرية وبدأ المشوار.
وفي ذكرى العملية نشر موقع "القسام" الإلكتروني، القصة الكاملة كيف أسر الجندي الصهيوني "آلون كرفاني"..
اللبنة الأولى
بدأ القسامي المحرر رمضان حديثه بالقول: "عندما تشكّلت المجموعات كان يقودها الشهيد "جميل وادي" التلميذ النجيب للأسير القائد المحرر "يحيى السنوار"، والذي كان الأخير مسؤول جماعة الإخوان المسلمين بالإضافة إلى مجموعة من الأخوة الذين كان منهم القائد العام لكتائب القسام "محمد الضيف".
وأشار إلى أنه ككل خلية عسكرية تحافظ على الطابع الأمني فقد توزّع سكن الأخوة على جميع المناطق، وكحال جميع المجموعات بدأ العمل ضدّ العملاء وكانت المجموعة تتلقّى المعلومات من القائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام في حينه الشهيد القائد "ياسر النمروطي"، لافتاً إلى أنه استمر هذا العمل لعدّة شهور والحقيقة تقال فإن العمل ضدّ العملاء منهك في ظل انعدام الوسائل القتالية لذلك طرحت فكرة شراء الأسلحة من التجار ولكن اصطدمت هذه الفكرة بعدة مشكلات.
الحصول على السلاح
وذكر أن المشكلات التي واجهت شراء السلاح أولاها: عدم وجود المال الكافي لشراء السلاح، وحتى مع توفر المال فقد رفض تجار السلاح بيعه لكتائب القسام، حيث أن القسام يقوم بدوره بتنفيذ عمليات ضدّ الاحتلال فيتم اعتقال التجار والحكم عليهم سنوات طويلة حتى لمعت في أذهانهم فكرة الحصول على السلاح من الصهاينة أنفسهم على صعيدين الأول من تجار في فلسطين المحتلة عام 1948، وهذه الفكرة لم ترق للقيادة، وثانيها: عن طريق أسر جنود وأخذ سلاحهم وهي الأكثر عملية في ذلك الوقت.
وبيّن رمضان، أن فكرة أسر الجنود لم تستهوِ القيادة لسببين، أن عمر الجهاز صغير وإمكانياته محدودة، إضافة إلى الخوف من تنظيم حملة اعتقال كبيرة في صفوف الإخوان كما حصل عام 1989 عندما أسر الجنديين "سعدون" و"اسبورتس"، وككل شباب غيور على وطنه ودينه فقد كان خيار تنفيذ عمليات الأسر بشكل مبسط هو الأمثل لتخفيف رد فعل الاحتلال.
التجهيز للعملية
وقال رمضان: "كلّفت بالتجهيز للعملية حيث اشتريت سيارة "بيجو 305" بنية اللون، ورسمت المخطط، وأبلغت الأخ "جميل وادي"، وقبل العملية بيومين وصلت لبيته لأضعه في صورة الأمر وأبلغته بجهوزيتي لتنفيذ العلمية في اليوم المحدد 18-9-1992 عندها أخبرني أن أحد الأخوة "الذي كان له ارتباط بالكتائب" خرج لتوه من الاعتقال الإداري والذي دام لأربعة شهور.
مضيفاً "في الحقيقة تفاجأت وقلت للأخ "جميل" هيا بنا نسلم عليه، وعندما وصلت بيته وهنأته بمناسبة الإفراج عنه وقلت له: "إني ذاهب في عملية أسر جنود" فوافق وبالفعل عدت إليه ليلاً ووضعت السيارة عنده، وعند بزوغ الفجر ذهبنا إلى مكان الانطلاق وهو عبارة عن غرفتين في وسط حقل في السطر الغربي وصلنا الفجر، وقمنا بغسيل السيارة من الخارج وتنظيفها من الداخل وفحصنا المحرك، وقمنا بتمثيل العملية ومحاكاتها.
بداية التنفيذ
وذكر أن المشكلة التي واجهتهم أن الأخ الذي خرج لتوه من الاعتقال الإداري لم يتدرب على السلاح لذلك لجئنا إلى الخطة البديلة بأن يقود السيارة وأن يجلس في الكرسي الأمامي أخ آخر ومعه مسدس، وأنا أجلس في الكرسي الخلفي ومعي سلاح "كارلوغستاف" وقد غطّيته ووضعته تحت قدمي وسكين واسبريه لرشه على جندي في محاولة مقاومتنا.
وتابع رمضان: "تنكّرنا بزي مغتصبين حتى لا يشك في أمرنا، ودّعنا الشباب وتعاهدنا على بذل كل ما نستطيع حتى تحقيق النصر، حيث سافرنا في طريق صلاح الدين إلى الجنوب متوجّهين لمعبر "مفتاحيم"، وكان يوجد في المكان نفسه معبر "كرم أبو سالم" حالياً".
مشيراًً إلى أن اختبار النجاح المبدئي لهم هو المرور من أول حاجز عسكري، وبالفعل اجتزناه ودخلنا منطقة مغتصبات "غوش قطيف" -المحررة- في الطريق كنّا نشغل أنفسنا بقراءة المأثورات، وبعض الأدعية والقرآن الكريم.
الاندماج في قافلة صهيونية
في هذه الأثناء لمحنا قافلة سيارات صهيونية مسافرة فاندمجنا حتى وصلنا لمغتصبة "جاني طال"، وبعدها مغتصبة "بن حزان"، حيث انفصلنا عن القافلة ودخلنا لشارع مؤدي لمغتصبة بالخطأ، وعندما وصلنا للبوابة أصابنا بعض الارتباك، وقلت للأخ سائق السيارة بأن يستدير بالشكل الطبيعي وألا يرتبك.
وأشار إلى أنه بالفعل عندما وصلنا للشارع الرئيس أشارت لنا إحدى المغتصبات بالصعود ورفضنا، وبعد عدّة أمتار أشار إلينا جنديان للصعود وطلبت من الإخوة أن يرفضوا ذلك لأنهم كانوا يحملون صندوقاً كبيراً وإذا فتحنا الصندوق الخلفي للسيارة، الموجود به لوحات السيارة المحلية لكشف أمرنا، وتكلّم الأخ الموجود في المقعد الأمامي مع الجنديين وقالا: "إن وجهتهم هي عسقلان"، فاعتذر الأخ معللاً ذلك أن وجهته مغايرة.
الرحلة مستمرة
وتابع قائلاً: "انطلقنا وعندما وصلنا لحاجز المطاحن طلبت من سائق السيارة بأن يتصرف كالمغتصبين حيث تجاوز كل السيارات، وعندها كدنا أن نتعرض لحادث سير مع سيارة مرسيدس محلية فانطلقت الأبواق محذّرة من حادث وشيك فأتى جنود الحاجز لمساعدتنا وكذالك الجنديين الواقفين عند محطة الباصات حينها تحرك الأخ بسرعة البرق مخرجاً نفسه من الشباك شاتماً السائق العربي، ونجح هذا التمويه بإعادة الجنود حيث كانوا".
وذكر رمضان، واصلنا المسير حتى وصلنا للحاجز الثاني وتجاوزناه ثم لأول مغتصبة في قطاع غزة وتدعى "كفار داروم"-المحررة-، ولكن للأسف لم نجد ولا جندي وتجاوزنا دير البلح والمغازي والزوايدة حتى وصلنا للقاعدة العسكرية عند مدخل النصيرات والبريج، حيث لاح من بعيد طيف جنديين واقفين عند البوابة فاستبشرنا خيراً وقرّرنا أن نتوكل على الله ونأخذ الاثنين معاً توقفنا لهما عندما أشاروا لنا وكان أحدهما في إجازة ذاهباً ليزور أصدقاءه في القاعدة فأوقف له صديقة سيارة كنوع من الاحترام، وودعا بعضهما البعض.
اللحظة الحاسمة
وأوضح أنه وفي هذه اللحظة ركب معنا المدعو "آلون كرفاني" لابساً زيه العسكري وحاملاً قطعة "M16" وركب بجانبي ووضع حقيبته بيني وبينه، أنا أخذت الحقيبة ووضعتها في الخلف، وركبنا وسرنا على بركة الله وصولاً إلى منطقة وادي غزة وبعدها إلى "نيتساريم"-المحررة-.
وبيّن أنه أشار للأخ الجالس في الأمام بأن يشهر سلاحه عليه ففعل، وأنا حملت "الكارلو غيستاف"، ووجّهته عليه وطلبت منه أن يعطيني السلاح ففعل وبدأ الجندي بالبكاء والتوسل بأبيه وأمة وصديقته بأنه لم يقتل أيّ فلسطيني فلففت يدي حول عنقه خوفاً من أن يفتح الباب ويرمي نفسه من السيارة.
ولفت رمضان إلى أنهم انطلقوا في الطريق المؤدية "لناحل عوز" حتى وصلنا لمحطة الوقود فدخلنا من خلفها لبيارة الزيتون وكان موسم قطفة وكانت المنطقة مليئة بالأطفال والنساء الذين عندما رأونا هربوا ظناً منهم أننا مغتصبون، وقفنا تحت أشجار الزيتون وطلبنا من "كرفاني" أن يخلع زيّه العسكري ففعل، ثمّ قيدته من قدميه ويديه ورميته ممدداً تحت الأشجار.
وأشار إلى أنه عندما همّ بإطلاق الرصاص مرّت بجانبهم دوريه عسكرية فغيّرت الفكرة وقرّرت أن أقتله بالسكين حتى لا أثير الانتباه وتركناه حتى يلاقي حتفه، رتبّت الأغراض في السيارة وذهبت راكضاً للشارع العام لأتفقد المكان وأعطي الإشارة للسيارة في اللحظة التي يكون فيها الشارع فارغاً من الدوريات.
صيد ثمين آخر ولكن
وبين رمضان: "ركبنا السيارة وتوجّهنا جنوباً وعلى بعد عدّة أمتار واجهنا حاجزاً طياراً لا أخفي أننا خفنا قليلاً ولكن ثقتي بالله أكبر فقلت للأخ السائق بأن يتجاوز السيارات كما فعلنا سابقاً ومررنا من أمام الجنود حفتنا عناية الله حتى أن الجنود لم يشكوا في أمرنا ألبته، وعندما وصلنا للنقطة نفسها التي أخبرنا فيها "آلون" أنه أسير لاحظنا وجود جندي أخر يشير لنا فقلت لأخي أن يتوقف حتى نأخذه ولكني عندما نظرت لبنطالي الأزرق وجدته ملطخاً بالدماء.
مضيفاً: "أمرته بأن يسير ولا يأخذه حتى لا يشك في أمرنا فسرنا حتى وصلنا حاجز المطاحن طلبت منه ألا يدخل الحاجز وأن يسير تجاه بوابة "كيسوفيم" حيث أنني توقّعت أننا لن نتجاوز الحاجز، ودخلنا في طريق التفافية بين بيارات البرتقال توقفنا وقمت بإعادة اللوحات العربية ثمّ توجّهنا لمخبئنا السري، وكان عبارة عن غرفة مبنية تحت الأرض فوضعنا فيها عتاد الجندي وملابسه وسرنا عائدين لنخبر أخانا "جميل وادي" بنجاح العملية وأخذنا جميعاً بالرقص فرحاً بأننا غير مصدقين بنجاحنا وعودتنا سالمين.
"آلون" حي
وذكر رمضان، أنه ذهب لمنزله بعد ذلك وجهّز نفسه لصلاة الجمعة وذهب ليصلي في مسجد "الرحمة"، وعند عودته لتناول طعام الغداء تفاجئ بالأخبار بأن الجندي ما زال حيّاً حيث تمّ العثور عليه وإسعافه وقلت في نفسي لعله خير ..".
وهكذا تكشف الحقيقة عن قصة أسر الجندي "آلون كرفاني" بتاريخ 18/9/1992، والتي هي جزء من عشرات القصص التي ما زال التاريخ يكتتبها بمداد من ذهب، وما زالت عمليات أسر الجنود الصهاينة والتي لم ولن يكن آخرها في معركة العصف المأكول 2014، المخرج والنور الوحيد لآلاف الأسرى في السجون الصيونية، وهي بإذن الله خلاصهم القريب من قبضة السجّان.