"وقعت الحرب بيننا وبين..." ويختار اللاعبون دولة من الدول، وغالبا ما كانت الدولة العدو دولة الكيان الصهيوني، وكانت الخاسرة دائما؛ لأنها حتى في وعينا الطفولي كان يجب أن تكون الخاسرة على كل الأحوال، ويا لتعاسة حظ من يكون في فريق العدو في لعبة المسلمين واليهود! (وكلمة يهود لم نستعملها حرفيا في الدلالة على أتباع الديانة، وإنما استخدمناها تجاوزا في الدلالة على المحتل الصهيوني) فقد كان فريق اليهود يلقى من الضرب والفعص والملاحقة حتى يستغيث أعضاؤه ويرفعون أيديهم بالتسليم. كان وعينا السياسي يتشكل في ألعابنا؛ لأن الألعاب كانت تقليدا للحقيقة، وكنا نحن اللاعبين لا مجرد شخصيات خيالية وأشباحا افتراضية ومصاصي دماء، وشخصيات تركض وتقفز لتجمع النقود أو تقطع الفواكه بسيف النينجا والساموراي، ليخرج الأطفال والشباب من الألعاب وقد ازدادوا عنفاً وغباء وتنبلة بلزوم الكراسي التي لا يتحركون عنها لساعات! في عمر المراهقة واجه الجيل من مواليد السبعينيات والثمانينيات أحداثا جساما، فكانت بداية التفتح على الانتفاضة الأولى والثانية، فلم نعِ من المراهقة سوى معاني الثورة والشهداء والاستشهاد، وكنا نفكر بالتسلل الى الحدود، وكان النجوم عندنا شبابا من أمثال: مروان عرندس، وعلاء الدين حجازي، ومبعدي مرج الزهور، وشهداء الثأر لمذبحة الخليل، وما زلت أذكر صديقة استغلت درس مادة الكيمياء والجدول الدوري للعناصر، لتسأل عن العناصر المستخدمة في صنع المتفجرات والقنابل! لا أذكر أننا لبسنا الضيق أو خرجنا نتسكع في المولات، ومع أن أهلنا كانوا مقتدرين الا انه كان لنا مصروف لا نتجاوزه، وكنا «نحوش" في الحصالة كبقية الناس، لم نعرف ما معنى أن تدور فتاة على حل شعرها! فقد ظل شعرنا مشدودا بجديلة أو ذنب فرس تحت الحجاب، كان من المستحيل أن نفكر في الحديث مع شاب غريب، كنا نستحي ونخاف ولا نتجرأ وأفعال كثيرة من الاستبعاد، وكان الشباب الذين نعرفهم في دائرة العائلة، وبعضهم لم نعرفه بأكثر من التحية والسؤال التقليدي عن الحال. كانت أفلام الكرتون تبدأ في الثالثة وتنتهي في الخامسة، وكان مسلسل الساعة الثامنة والنصف أقصى ما يمكن مشاهدته مع التساهل. ولكن إذا نظر أبناء جيلنا في المرآة ماذا يرون؟ هل نحن أقصر قامة من أبناء الجيل الجديد؟! هل نحن أبشع شكلا؟! هل تملأ وجوهنا البثور والدمامل؟! هل ظهورنا محدودبة؟! هل بنا مس من جنون لأننا لم نمر أو نعش ما يعرف بسن المراهقة الذي يعطي للإنسان فترة سماح ليعيش أهم سني تكوينه العقلي والنفسي والجسماني كالمجنون غير المسؤول أو المحاسب عن تصرفاته؟! ماذا خسرنا لأننا لم نتعرف على الشباب ولم نقم معهم علاقات؟! ألم نتعلم الحب في إطاره الصحيح والجميل؟ هل كان يجب أن تنكسر قلوبنا مرات ومرات، ونصبح مضغة على ألسنة شباب غير واعٍ يتسلى ويتنافس مع بعضه البعض على إغواء الفتيات، وهو لا يملك قراره ولا قلبه ولا جيبه ولا حياته المستقبلية! هل نحن أقل شاعرية وأنوثة وأكثر غلظة؛ لأننا لم ننم على الأغاني، ولم نحلم أو نعلق صور المطرب الفلاني والراقص العلاني؟! هل جيل اليوم من المراهقين أكثر وعيا ورقيا وحنكة منا وهم أسرى للتكنولوجيا والعوالم الافتراضية التي تستعبدهم كل لحظة؟! هل يتوقع لهذا الجيل أن يتفوق على سابقيه على مستوى الإنجاز والحضارة البشرية لا فقط البهرج الرقمي الذي يتغير كل دقيقة، ليزيد من عبودية الانسان للمنتجات التي أصبحت تشكل وجوده؟! لقد عبرنا هذه الفترة المسماة «المراهقة» دون ان نعرف منها الا اسمها، ولكننا لم نعش مراحلها فهي وليدة حضارة ومجتمعات مختلفة عنا، أما حضارتنا وتاريخنا فقد عرف شبابا وفتية كانوا أنبياء وملوكا وقادة جيوش وحكماء في هذا السن، ومن سن التكليف وقبله كانت تبدأ عملية صناعة الرجل والقائد والعالم، وكذلك المرأة التي شاركت أيامها في كل مناشط الحياة حربا وسلما. الفرق بين جيلنا وجيل أبنائنا أن أهالينا كانوا أكثر منا حزما ومتابعة وتربية، بينما نحن نأخذ من التربية الحديثة ذيولها بعدم المراقبة وعدم المساءلة وإعطاء الثقة والعطاء بلا حدود حتى لا نحرم أولادنا ولا نعقدهم! حتى غدا أولادنا والتعامل معهم مشكلة لنا أكثر منه قرة عين، ولا تكاد عائلة تخلو من مشاكل الأبناء التي أصبحت هماً ملازما، وسَع الهوة بين أجيال الآباء والأمهات وأبنائهم، بحيث لم تعد بينهم لغة خطاب مشتركة! جدتي كان عندها ثمانية والأخرى تسعة، وعندما وصفن تربية هذا الفريق كن يقلن "لم نحس بهم"؛ كناية عن سهولة تربيتهم وقلة مشاكلهم! فماذا اختلف مع أن العائلات صغرت ولم يعد لديها هذه الأعداد من الأولاد؟! كل جيل له تحدياته ومغرياته في فترته، ولكن التعامل الجدي معها هو الذي يختلف بين آباء يقفون للتحديات بالمرصاد حتى يعبر أبناؤهم المراحل الحساسة بسلام، وبين آباء يستسلمون بحجج عدم القدرة أو المواكبة!! يسهل علينا أن نستشهد بقول سيدنا علي: "ربوا أبناءكم لزمان غير زمانكم" في موطن قَبُول التغيير والتأقلم معه، ولكننا ننسى جزءاً ربوا ومحلقاته، ونركز على زمان غير زمانكم لنرضي ضمائرنا المقصرة والمفرطة. هناك آباء مربون يعتنون بصحة الجسم والروح والعقل، وهناك آباء علافون يطعمون ويسقون ويُشربون، وأرجو أن لا نكون من العلافين، فالله هو الرزاق ذو القوة، وهو الذي يتكفلنا في هذا الباب، ولكنه جعل الآباء أوصياء وخلفاء عنه سبحانه في موضوع التربية. قيل: "الابن سبعة أسير، وسبعة أمير، وسبعة تحاوره ويحاورك"، فلا تغفلوا عن أولادكم في السبعة الأخيرة فهي الحاسمة في شخصياتهم.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.