بقلم: المحلل الاقتصادي محمد نصار
أعلن مكتب منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط عن رؤيته لتحسين الوضع الاقتصادي والأمني في الأراضي الفلسطينية، والتي سيتم تقديمها إلى لجنة الاتصال الخاصة بتنسيق إيصال المساعدات الإنسانية إلى الأراضي الفلسطينية في اجتماعها المزمع عقده في أوسلو في 17 نوفمبر 2021، حيث يصف التقرير الوضع الاقتصادي في الأراضي الفلسطينية وخاصة قطاع غزة بأنه مريع، ويستعرض التقرير أبرز المؤشرات الاقتصادية والسياسية في الأراضي الفلسطيني خلال الفترة من فبراير إلى نوفمبر 2021، ويتطرق إلى أبرز المحطات في هذه الفترة خصوصاً ما يتعلق بقرار الرئيس محمود عباس بإلغاء الانتخابات التشريعية واستحالة إجراء الانتخابات دون القدس، مروراً بأحداث القدس والشيخ جراح وما تبعها من حرب على غزة، والتحديات المالية التي تواجه السلطة الفلسطينية، وعدم تمكن وزارة التنمية الاجتماعية في السلطة الفلسطينية من تقديم المساعدات النقدية للأسر الفقيرة (شيك الشؤون)، وأزمة كورونا واللقاحات.
التسهيلات الاقتصادية للفلسطينيين
يستعرض التقرير المبادرات التي يتم طرحها لحل المشكلات المعقدة في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها السياسة المعلنة لحكومة الاحتلال والتي تهدف إلى تعزيز الخطوات المدنية والاقتصادية لتحسين الوضع الاقتصادي والمالي والرفاه للفلسطينيين، وما رافق ذلك من عودة المنحة القطرية لحوالي 95,000 أسرة فقيرة في قطاع غزة من خلال آلية تديرها الأمم المتحدة، ومنح 4,000 من الفلسطينيين جمع شمل وحصولهم على الهوية الفلسطينية، وزيادة أعداد التجار من قطاع غزة المسموح لهم بدخول الأرض المحتلة إلى 10,000 تاجر، وموافقة حكومة الاحتلال على زيادة عدد تصاريح العمل للفلسطينيين في الضفة الغربية بمقدار 16,000تصريح، والتخفيف التدريجي على التجارة مع غزة لتعود كما كانت قبل العدوان الأخير، والسماح بدخول مواد البناء إلى قطاع غزة بدون آلية GRM، والتمهيد لإطلاق عملية إعمار قطاع غزة برعاية مصرية قطرية.
إحراز تقدم في القضايا السياسية هو الحل
يرى التقرير بأن الحلول قصيرة المدى التي تركز على استقرار وإدارة الأزمات الأخيرة ضرورية ولكنها ليست كافية، كما يحث الجانبين الفلسطيني ودولة الاحتلال العمل برعاية الشركاء الدوليين للمساهمة في تحقيق الاستقرار في الوضع الاقتصادي والأمني في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية ، وفي غزة وحولها ، وتعزيز الوضع المالي للسلطة الفلسطينية ومؤسساتها، وإيجاد إطار عمل أوسع للمشاركة بما في ذلك الخطوات المتوازية من قبل جميع الأطراف، لتجاوز المأزق الحالي وإعادة التركيز على بناء دولة فلسطينية مستقلة وديمقراطية ومتصلة وقابلة للبقاء وذات سيادة تعيش جنبًا إلى جنب مع "إسرائيل" في سلام وأمن.
اقتراح نهج ثلاثي المسارات لتحقيق استقرار اقتصادي وأمني
يرسم التقرير المقدم إلى لجنة الاتصال المخصصة إطار عمل لتحقيق استقرار الوضع الاقتصادي والأمني ، وإجراء الإصلاحات، وتعزيز التنمية حيث يقترح نهجًا ثلاثي المسارات يركز على المبادرات من أجل، أولاً: معالجة الوضع الاقتصادي والمالي المباشر الذي يواجه السلطة الفلسطينية وتعزيز مؤسسات السلطة الفلسطينية وتقديم الخدمات الأساسية، وثانياً: ترسيخ وقف إطلاق النار ودعم التنمية الاقتصادية في غزة، وثالثاً: توليد النمو الاقتصادي طويل الأجل وسبل العيش المستدامة في جميع أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة.
المسار الأول: معالجة الوضع المالي للسلطة الفلسطينية وتعزيز مؤسسات السلطة الفلسطينية.
الهدف من المسار الأول وفق التقرير هو تعزيز القدرة المالية لدى السلطة الفلسطيني، لضمان تقديم الخدمات الأساسية للسكان خاصة في قطاع غزة، مع التركيز بشكل خاص على قطاع الصحة. ولكن ذلك سيتطلب دعمًا من الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية. بالإضافة إلى تسهيلات من قبل دولة الاحتلال، كما يؤكد التقرير بأن هناك حاجة إلى إصلاحات عاجلة وعميقة داخل السلطة الفلسطينية، وعلى إدارة قطاع غزة أيضًا أن تقبل بالإصلاحات.
ويعتبر أبرز مقترحات هذا المسار هو تقديم المساعدة الفنية الدولية للسلطة الفلسطينية من أجل تحويل "مدفوعات الأسرى" التي تخصمها دولة الاحتلال من عائدات المقاصة التي تسلمها للسلطة والتي تقدر ب100 مليون دولار لصالح تعزيز برنامج التحويلات النقدية (شيك الشؤون)، والذي يستهدف الأسر الفلسطينية الفقيرة. وكذلك يرى معدو التقرير أن من شأن آلية إعادة إعمار غزة أن تؤمن دوراً للسلطة الفلسطينية من خلال تسهيل دخول البضائع إلى غزة، ويمكن للجهود الدولية أن تدعم وتصلح وتقوي الآلية لتسهيل وتسريع استيراد السلع والمواد اللازمة لإعادة بناء البنية التحتية الاقتصادية وقطاع الأعمال في غزة والمساهمة في الانتعاش الاقتصادي والنمو.
المسار الثاني: ترسيخ وقف إطلاق النار ودعم الاقتصاد في غزة
الهدف من المسار الثاني هو منع المزيد من التدهور في الوضع الإنساني وتخفيف التوتر المتكرر وفق التقرير بين دولة الاحتلال والفصائل في غزة، حيث يركز المسار الثاني على تدابير السياسة الفورية والاستثمارات السريعة والإصلاحات المؤسسية لتلبية الاحتياجات الملحة للفلسطينيين في غزة، وتحقيق الاستقرار في الوضع الأمني، وتعزيز دور السلطة الفلسطينية في تقديم الخدمات والدعم للفلسطينيين في غزة. وضرورة أن تلعب تدخلات الأمم المتحدة المستمرة، مثل الوقود لمحطة توليد الكهرباء ودعم الأسر الضعيفة، من خلال دعم دولة قطر، أدوارًا حاسمة للغاية في الحد من التوتر وتثبيت التهدئة في غزة. في حين أن هذه التدخلات المؤقتة ينبغي أن تستمر على المدى القريب. والعمل على تسريع جميع المبادرات التالية من خلال حل بعض المعوقات السياسية والأمنية على الأقل في غزة.
ويجب أن تكون الأولوية القصوى في غزة هي توفير الإغاثة والاضطلاع بإعادة الإعمار والإصلاح للأضرار التي سببها عدوان مايو 2021 حتى يمكن إعادة بناء المنازل وإصلاح البنية التحتية للأعمال، واستعادة الخدمات التي تعطلت بسبب العدوان.
ويركز هذا المسار على دعم القطاع الخاص وعودة دخول بعض المواد مزدوجة الاستخدام مثل الألياف الضوئية وغيرها.....، واستمرار دعم القطاع الاجتماعي من خلال توفير التمويل اللازم للأونروا إلى جانب استمرار تدفق المنحة القطرية وتوفير التمويل اللازم لبرنامج التحويلات النقدية بوزارة التنمية الاجتماعية، وكذلك التوسع في برنامج النقد مقابل العمل من خلال توفير وظائف لحوالي 20,000 إلى 30,000 عامل لمدة 12 شهرًا، مع التوزيع العادل بين الذكور والإناث والشباب. والعاملين ذوي المهارات العالية والمنخفضة المهارة.
المسار الثالث: تطوير اقتصاد مستدام وشامل عبر الأرض الفلسطينية المحتلة
الهدف من المسار الثالث هو تعزيز النمو الاقتصادي المستدام والشامل، والوصول إلى جميع الفئات السكانية الضعيفة، وتشمل المبادرات في هذا المسار استثمارات في البنية التحتية الحيوية، دعم المؤسسات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة الحجم، تسهيل زيادة التجارة الداخلية والتجارة الدولية، وتحديث بروتوكول باريس الاقتصادي، كما يجب أن يكون برنامج المساعدة الذي تقدمه الأمم المتحدة مكملاً ومستدامًا لجهود السلطة الفلسطينية نفسها.
ويختم التقرير بأن الأمم المتحدة على استعداد لمساعدة السلطة الفلسطينية بأجندة الإصلاح والتنمية الطموحة الخاصة بها، على النحو المبين في اجتماعات المانحين المتتالية وفي خطة التنمية الوطنية المتجددة. ودعماً لهذه الجهود، ستواصل الأمم المتحدة التشاور مع الشركاء الدوليين ومع السلطة الفلسطينية لتنفيذ استراتيجية استجابة متكاملة للأزمات المستمرة.
فهل ما تم طرحه في هذا التقرير كافي لتحسين الأوضاع الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية؟ هذا ما ستجيب عليه الأيام والأشهر المقبلة.