11.68°القدس
11.44°رام الله
10.53°الخليل
17.4°غزة
11.68° القدس
رام الله11.44°
الخليل10.53°
غزة17.4°
الأربعاء 04 ديسمبر 2024
4.59جنيه إسترليني
5.11دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.81يورو
3.62دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.59
دينار أردني5.11
جنيه مصري0.07
يورو3.81
دولار أمريكي3.62

خبر: جدران بلا سقوف

ما من فترة أسقطت فيها جدران سياسية ونهضت أخرى كهذه الفترة، فمنذ سقوط جدار برلين شُيّدت عدة جدران عازلة منها على الأقل الجدار العنصري الذي قضم الأراضي الزراعية الفلسطينية حتى الأسوار، منها ما فتحت فيه كوّة سياسية واقتصادية، كما حدث لسور الصين العظيم، عندما دخلت بكين إلى منظمة التجارة العالمية وشهدت انفتاحاً نسبياً كي تتأقلم مع مستجدات العولمة، وما آلت إليه الحرب الباردة من ضمور الأيديولوجيا لمصلحة السياسة في أشد أبعادها برغماتية . إن مفهوم الجدران مهما بلغت حصانتها، يتراجع وينحسر بقوة أمام تمدّد حالة الانفتاح التي يعيشها العالم الآن، ليس فقط بفضل وسائل الاتصال، بل لأن الشقاء الإنساني كما الرخاء أيضاً، تحولا إلى ما يشبه الأواني المستطرقة، وحكاية من يصاب بالإنفلونزا في أمريكا، ثم يعطس على الفور آخر في إفريقيا أو آسيا، ليست مجرد صورة شعرية متخيّلة، فكل الرياح والأعاصير الآن عابرة للقارات والحدود والثقافات، لهذا تبقى الجدران هشّة من حيث المبدأ والمفهوم لأنها أساساً بلا سقوف، لهذا فأبوابها من طراز غريب لأنها تأتي من الأعلى، وفي غياب تلك السقوف . ما من جدار شُيّد حتى الآن للعزل سواء كان عنصرياً أو احترازياً لأسباب أمنية، إلا وتصدع قبل الانتهاء من مدماكه الأخير، لكأن هذه الجدران من جليد، ما إن توشك على الاكتمال حتى تبدأ بالذوبان لمجرد شروق الشمس في اليوم التالي . كان جدار برلين قد شطر اللغة الألمانية أيضاً وليس الأرض والناس فقط، إلى عالمين متباعدين، وهذا ما يقوله باحث ألماني، عندما يتحدث عن دلالات المفردات والمصطلحات بالألمانية بين الشطرين، فكلمة شرطي أو سجن أو حرية أو مال أو أية كلمات أخرى لا تعني الدلالة ذاتها لدى الشطرين الألمانيين قبل إسقاط الجدار، والحقيقة أن الجدران عندما تكون سياسية أو أيديولوجية يتم إسقاطها ولا تسقط هي من تلقاء ذاتها . آخر نموذج للجدران ما شُيّد في القاهرة لحماية السفارة الصهيونية من المتظاهرين، لكنه لم يصمد أكثر من يومين، أو ثلاثة وفقاً للمنطق ذاته . فالجدار ليس دائماً من أسمنت وفولاذ، إنه أحياناً داخل الدماغ، وهذا ما قيل مراراً عن سور الصين، لهذا لم يكن في الإمبراطورية الصفراء على امتداد تاريخها دوائر تُعنى بالشؤون السياسية ذات الصلة بما هو خارج السّور، وحين طلب هنري كيسنجر من الكاتب الفرنسي مالرو أن يقدم النصيحة للرئيس نيكسون عن أفضل الأساليب لتعبيد الطريق الوعر بين واشنطن وبكين، سخر مالرو من هذا المطلب، وقال لكيسنجر إن أمام أمريكا تسعة قرون فقط لفهم ما يدور داخل السور، ليس على الأرض أو في الجغرافيا، بل في داخل الدماغ والذاكرة وكل ما يدور من تداعيات داخل التنين . وقد بات مؤكداً أن الجدران ليست حلاً، فهي قابلة للتقويض حتى لو كانت من فولاذ، لأن عصرنا تخطّى فلسفة الجدران والأسوار، فالأيديولوجيا لها أسوارها العظمى أيضاً، كما كان يقال عن الجدار الفولاذي العازل للاتحاد السوفييتي في المرحلة الستالينية، ومن لا يسارع إلى فتح باب على مصراعيه في الجدار سوف يجد أن الجدار كله سيتحوّل إلى باب لأنه بلا سقف منطقي، والحراك البشري منذ أول جدار في التاريخ ابتدع المعاول القادرة على إزالته .