تقوم الفلسفة الاقتصادية لإقرار الحد الأدنى للأجور على الحفاظ على الثبات النسبي للقوة الشرائية لذوي الدخل المتدني، حيث لاحظت الدول المختلفة أن الأجر الحقيقي يتآكل مع الزمن بسبب التضخم، لذلك يجب أن يراعي الحد الأدنى للأجور شرطين أساسين أولهما أن يكون أعلى من خط الفقر، والثاني أن يكون هناك توازناً بين معدلات التضخم والرفع في الحد الأدنى للأجور.
مع بداية العام الجديد 2022 سيبدأ تطبيق قرار مجلس الوزراء الفلسطيني رقم 4 لسنة 2021 المتعلق برفع الحد الأدنى للأجور من 1450 شيقل أي 480 دولار إلى 1880 شيقل أي 596 دولار بزيادة بلغت 15.68%، ولعل المشكلة الأكبر التي ستواجه هذا القرار هي تطبيقه في الأراضي الفلسطينية وخاصة في قطاع غزة.
في العام 2012م أصدر مجلس الوزراء قرار رقم (11) والذي ينص على أن "الحد الأدنى للأجور الشهري في جميع مناطق السلطة الفلسطينية، وفي جميع القطاعات 1450 شيقلًا، وأن يكون الحد الأدنى للأجور لعمال المياومة، وبخاصة العاملين بشكل يومي غير منتظم إضافة إلى العمال الموسميين، 65 شيقلًا يوميًا، وأن يكون الحد الأدنى للأجور لساعة العمل الواحدة للعامل 8.5 شيقل".
بعد مرور حوالي تسع سنوات على هذا القرار، ومن خلال بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني للربع الثالث من العام 2021 نجد ضعفاً في تطبيق الحد الأدنى للأجور، حيث تفيد البيانات بأن 28% من المستخدمين بأجر في القطاع الخاص يتقاضون أجراً شهرياً أقل من الحد الأدنى للأجر (1,450 شيقلاً) في الأراضي الفلسطينية، حيث يمثل العاملون في القطاع الخاص حوالي 67% من القوى العاملة في الأراضي الفلسطينية، يشكلون 63.5% من القوى العاملة في قطاع غزة، و69.3% من القوى العاملة في الضفة الغربية، حيث بلغ الحد الأدنى للأجر في قطاع غزة 654 شيقلاً أي 207 دولار، مقابل 1,110 شيقل أي 352 دولار في الضفة الغربية،
يمكن القول بأن نسبة الالتزام بالحد الأدنى للأجور تتفاوت حسب القطاعات الاقتصادية، وحسب المناطق الجغرافية، ويعود الضعف بالالتزام بالحد الأدنى للأجور إلى أسباب اقتصادية أهمها نسبة البطالة المرتفعة وخصوصاً في قطاع غزة والتي تدفع العاملين إلى القبول بأجور أقل من الحد الأدنى للأجور لعدم توفر بدائل أخرى. كما أن الحد الأدنى للأجور لا يراعي التفاوت الكبير في مستويات الأجور والدخول والأسعار بين المناطق المختلفة، وأسباب سياسية أبرزها الانقسام السياسي، ووجود حكومتين لا تعترف كل منهما بقرارات نظيرتها، إضافة إلى غياب الإرادة السياسية لـدى السـلطة الفلسـطينية لتطبيـق هـذا القـرار والذي يظهر في غيـاب محـاكم عمّاليـة متخصصـة تمكـن العمال مـن ممارسـة حـق التقاضـي مع أصحاب العمل، وأخيراً أسباب تتعلق بضعف العمل النقابي، وتعدد الجهات التمثيلية للعمال، مما أضعف قدرة العمال الفلسطينيين على الضغط على أصحاب العمل لتطبيق قرار الحد الأدنى للأجور
ومن جهة أخرى نجد أن الحد الأدنى للأجور الجديد (1880 شيقل) هو أقل من خط الفقر المدقع في الأراضي الفلسطينية والمعلن من خلال الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني والذي يبلغ 1974 شيقل أي 626 دولار لأسرة مكونة من خمسة أفراد اثنين بالغين وثلاثة أطفال، وهو مستوى الاستهلاك الذي يعكس الحاجات الأساسية من مأكل ومشرب وملبس ومسكن، وكذلك أقل من خط الفقر الوطني في فلسطين الذي يبلغ 2470 شيكل أي 785 دولار، والذي يضيف إلى خط الفقر المدقع مصروفات التعليم والصحة.
يمكننا القول بأن قرار رفع الحد الأدنى للأجور هو قرار إيجابي، ولكنه لم يستند إلى معايير اقتصادية واضحة، ولم يُبنَ على دراسات تقييمية للأثر المتوقع من رفع الحد الأدنى للأجور، أو حتى دراسة الآثار التي ترتبت على إقرار الحد الأدنى للأجور السابق (1450 شيقل)، كما أن القرار لا يراعي التباينات بين القطاعات الاقتصادية وكذلك المناطق الجغرافية في الأراضي الفلسطينية.
وهنا نرى أن على الحكومة أن تعيد النظر في توحيد الحد الأدنى للأجور في جميع القطاعات وجميع المناطق الجغرافية وأن يكون هناك آلية تضمن العدالة في تحديد الحد الأدنى للأجور بما يراعي متطلبات الطبقة العاملة في الأراضي الفلسطينية، ويراعي الفروق الاقتصادية بين المناطق الفلسطينية المختلفة حتى يصبح قرار الحد الأدنى للأجور قابل للتطبيق.