مع توالي وقوع الأخطاء العملياتية داخل جيش الاحتلال، وعجزه عن مواجهة التحديات الأمنية الخارجية، تزداد المخاوف العسكرية، لاسيما في داخل هيئة الأركان العامة للجيش من تراجع ثقة الإسرائيليين بالمؤسسة العسكرية، وفق ما تظهره استطلاعات الرأي الأخيرة، التي تشير إلى تزعزع ثقة الجمهور بقدرات الجيش، وقد يكون ذلك بسبب مزيج متناقض بين الهدوء الأمني وخطاب ضحل على الإعلام.
رون بن يشاي الخبير العسكري ذكر في مقاله بصحيفة "يديعوت أحرونوت"، أن "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، وهو هيئة بحثية اجتماعية وخاصة ومستقلة، كشف في استطلاعاته السنوية الأخيرة عن عام 2021 معدلات مقلقة عن تراجع ثقة الإسرائيليين بجيشهم، مع أنه في نهاية عام 2019، تم إجراء دراسة استقصائية مشابهة بالنسبة للجيش، ووجدت أن 91٪ من الجمهور صنفوا الثقة في الجيش بأنها "عالية" أو "عالية جدًا"، وفي منتصف عام 2020 ، حصل انخفاض إلى 82٪، كجزء من انخفاض عام في ثقة الجمهور في المؤسسات الحكومية بسبب عدم الرضا عن أدائها".
وأضاف أنه "بعد أن أعطى الإسرائيليون في استطلاع أيار/ مايو 2021 ثقتهم بالجيش بنسبة 90٪، لكنهم بعد 6 أشهر فقط، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021 أظهر استطلاع جديد أن ثقتهم تراجعت إلى نسبة 78٪، وهي نسبة مقلقة جدا، خاصة بين اليهود الأرثوذكس والشباب حتى سن الأربعين، صحيح أن النسبة تبدو متفهمة في أوساط المتدينين، لأن غالبيتهم لا يخدمون في الجيش، لكن تراجع الثقة فيه بين الشباب مدعاة للقلق فعلياً، لأنه أسفر عن انخفاض في الاستعداد للتجنيد والخدمة في الوحدات القتالية".
من الأهمية بمكان ألا ننسى حجم الانتقادات التي وجهتها وسائل الإعلام الإسرائيلية لأداء الجيش في العدوان الأخير على غزة، خاصة عقب تجنبه العملية البرية التي كان يمكن أن تقتل عشرات المسلحين في الأنفاق، فضلا عن قنص الفلسطينيين للجندي من حرس الحدود على جدار غزة، مستغلين خطأ تكتيكيا من القادة الميدانيين في نشر القوات على حدود غزة، وقد أثارت هذه الحادثة غضبًا عامًا، وأثرت على نتائج الاستطلاع.
في الوقت ذاته، يرى الإسرائيليون أنه من الضروري البحث في مكان آخر عن سبب تراجع الثقة في الجيش، وانخفاض الدافع للخدمة القتالية، لأن الأمر لا يقتصر على تراجع عدد الحوادث الأمنية بشكل كبير، بل إن القيود المفروضة على كورونا أدت أيضًا للحد بشكل كبير من النشاط العسكري، بجانب الشكاوى المتعلقة بالجرائم الجنسية داخل الجيش، وظروف المعيشة، والحالات التي تظهر سوء معاملة القادة، أو تعسفهم مع الجنود، وهم من يتصدرون الخطاب على الشبكات الاجتماعية.
مع العلم أن هناك قناعة إسرائيلية متزايدة بأنه منذ دخول الشبكات الاجتماعية إلى حياتهم، حدث انخفاض عام وكبير في ثقة الجمهور في جميع مؤسسات الحكم، بما فيها الجيش وأجهزة الأمن، لأنها تعتبر محفزا لتوجيه النقد لأي أحد، أحيانًا يكون مبررًا، وأحيانًا لا أساس له، لكن من شأن أي انتقاد للجيش الإسرائيلي وأجهزته الأمنية أن يحصل على ردود فعل سريعة ومتحمسة على شبكات التواصل، مما يقوي ويسرع عملية تآكل الثقة في المؤسسة العسكرية، وهذه ليست ظاهرة جديدة في إسرائيل.
بالعودة الى التاريخ العسكري الإسرائيلي، خاصة في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، بعد حرب 1948 مباشرة، حصل هدوء أمني نسبي مع الفلسطينيين والعرب، أدى لإطلاق سراح جزء كبير من الضباط المتوسطين والصغار من الجيش الإسرائيلي، وفي نفس الوقت ازدهر التهرب من الخدمة العسكرية، لكن عندما ازدادت العمليات الفدائية الفلسطينية، عاد الجيش إلى التوازن من حيث المستوى العسكري، خاصة دوافع من خدموا فيه، وتمثل ذلك بإنشاء الوحدة 101 من قبل أريئيل شارون.
هذا يعني أن العديد من الدراسات الاستقصائية لقسم العلوم السلوكية في الجيش الإسرائيلي تؤكد أنه خلال فترات الهدوء الأمني، بعد حرب أو حملة قتالية كبرى، ينخفض الدافع للخدمة العسكرية، وسيزداد هذا فقط عندما يشعر الشبان الإسرائيليون أن هناك غرضًا، ومعنى خاصًا لخدمتهم العسكرية، مما قد يطرح علامات استفهام جدية حول أسباب تزايد التهديدات العسكرية الإسرائيلية الأخيرة بشأن تنفيذ عمليات عسكرية خارج الحدود، فربما تكون لأسباب داخلية بحتة.