22.78°القدس
22.37°رام الله
21.64°الخليل
24.99°غزة
22.78° القدس
رام الله22.37°
الخليل21.64°
غزة24.99°
الثلاثاء 15 أكتوبر 2024
4.92جنيه إسترليني
5.32دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.11يورو
3.77دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.92
دينار أردني5.32
جنيه مصري0.08
يورو4.11
دولار أمريكي3.77

خبر: خطبة طارق بن زياد المشهورة حقيقة أم أسطورة؟

في السابع والعشرين من رمضان، لعام 92هـ، أنهى الجيش الإسلامي المكون من اثني عشر ألف مجاهد، معظمهم من البربر، استعداداته للمعركة الفاصلة مع الأسبان القوط الذين بلغ عدد جيشهم نحو مائة ألف مقاتل، وكان قائد المسلمين هو طارق بن زياد، وقائد القوط هو ملك أسبانيا لذريق، الذي كان متأكداً من أنه سيهزم المسلمين، فجاء ومعه دواب لا تحمل غير الحبال لكتاف الأسرى. بدأ القتال، في الثامن والعشرين من رمضان، واستمر ثمانية أيام، وأسفر عن هزيمة ساحقة، بالقوط، كسرت فيها شوكتهم، وقتل قائدهم، وتفرقت فلولهم، فتقدم الجيش الإسلامي، نحو المدن الأندلسية، يفتتحها مدينة تلو الأخرى إلى أن وصل بعد نحو سنة من القتال والفتح إلى عاصمة أسبانيا طليطلة. وما نود التركيز عليه في هذا المقام، هو الخطبة الشهيرة المنسوبة إلى طارق بن زياد، وهل صدرت بالفعل عن طارق، أم أنها أسطورة صاغها القصاص والرواة حتى يمتعوا السامعين؟! وقبل الإجابة على هذا السؤال، نورد بعضاً من هذه الخطبة نقلاً عن كتاب نفح الطيب للمقري: " أيها الناس، أين المفر؟ البحر من ورائكم، والعدو أمامكم، وليس لكم والله إلا الصدق والصبر، واعلموا أنكم في هذه الجزيرة أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام، وقد استقبلكم عدوكم بجيشه وأسلحته، وأقواته موفورة، وأنتم لا وزر لكم إلا سيوفكم، ولا قوت لكم إلا ما تستخلصونه من أيدي عدوكم... واعلموا أنكم إن صبرتم على الأشق قليلاً استمتعتم بالأرْفَه الألذ طويلاً...وقد بلغكم ما أنشأت هذه الجزيرة من الحور الحسان، من بنات اليونان، الرافلات بالدر والمرجان، والحلل المنسوجة بالعقيان، المقصورات في قصور الملوك ذوي التيجان، وقد انتخبكم الوليد بن عبد الملك أمير المؤمنين من الأبطال عرباناً، ورضيكم لملوك هذه الجزيرة أصهاراً وأختاناً... واعلموا أني أول مجيب إلى ما دعوتكم إليه، وأني عند ملتقى الجمعين حامل بنفسي على طاغية القوم لذريق فقاتله إن شاء الله تعالى، فاحملوا معي، فإن هلكت بعده، فقد كفيتكم أمره، ولم يعذركم بطل عاقل، تسندوا أموركم إليه". إن الباحث المتأمل في هذه الخطبة، ومصادرها، يجزم بأنها مختلقة موضوعة لم يقلها طارق بن زياد، وذلك لأسباب عدة، أهمها: 1- أن الخطبة لم ترد في المصادر الأندلسية المتقدمة، بل ذكرتها القليل من المصادر الأندلسية المتأخرة، نقلاً عن مصادر مشرقية، فقد نقلها المقري في نفح الطيب عن ابن خلكان من كتابه وفيات الأعيان، وهو عراقي. 2- أسلوب الخطبة، وما فيه من سجع، ليس من أسلوب القرن الأول الهجري، وإنما من أسلوب القرن الخامس والسادس المتوقع أن ينتمي إليه مؤلف الخطبة. 3- لا يعقل أن يعتني قائد جيش يحرض على القتال في وقت الخطر، بالصياغة والسجع إلى الحد الوارد في الخطبة، ومن الواضح أن من ألفها كان يجلس في بيته، وينتقي الألفاظ المنمقة والمسجوعة بهدوء وروية. 4- أن طارق بن زياد مسلم من البربر، ولم يمض على إسلامه بضع سنوات، ولا يعقل أن يكون قد أتقن اللغة العربية إلى هذه الدرجة. 5- أن معظم جيش طارق كان من البربر، فلم يكن بينهم إلا نحو ثلاثمائة عربي، واللغة المتوقع أن يخاطب فيها طارق الجنود البربر هي لغتهم التي يعرفونها، وليس اللغة العربية. 6- لا يُتصور أن يُمنِّي طارق جيشه في ساعة الخطر، والإقبال على ملاقاة العدو، ببنات اليونان الجميلات، وإنما بما أعده الله للمجاهدين والشهداء من جنات وحور عين. 7- لم تكن كلمة" اليونان" معروفة أو مستخدمة عند المسلمين في القرن الأول الهجري، إذ كانوا يطلقون على أعدائهم الأوروبيين، " بني الأصفر"، أو " الروم"، أو " العلوج"، أو "القوط" أو "المشركين والكفار"، لكن هذه الكلمة كان المشارقة يستخدمونها في القرن الخامس، بعد أن تعرفوا إلى اليونان، وهذه الحقبة هي المتوقع أن تكون الخطبة قد وضعت فيها. 8- لم ترد في الخطبة آيات قرآنية، أو أحاديث نبوية، وهو ما يمكن أن يذكره الخطباء في هذا الموضع، ويذكِّرون به، لأنه أكبر تأثيراً في النفوس. 9- ورد في الخطبة " وقد انتخبكم الوليد بن عبد الملك"، والحقيقة أن الذي انتخبهم هو والي المغرب والقائد العام للجيش موسى بن نصير، أما الوليد فلم يره معظم الجنود أو يعرفوه. 10- لم يرد في الخطبة تذكير للفاتحين، بأهداف الفتح، وأنه لإعلاء كلمة الله، ونشر دينه، وهي الأهداف التي كانت تحرك المجاهدين في ذلك الوقت، وكل ما ذكر هو السيطرة على الأندلس للفوز بخيراتها وبناتها، وهذا ما يستبعد أن يخرج عن قائد مؤمن رباني كطارق بن زياد، في وقت القتال الحاسم الخطير. إن كتب التاريخ تحتوي على الكثير من الأساطير والأكاذيب والمبالغات، وينبغي عدم التسليم لكثير مما ورد فيها، إلا بعد الدراسة والتحقيق والتمحيص.