وسط مفاوضات شاقة يسعى خلاله لبنان للحصول على قرض صندوق النقد الدولي لتجاوز أزمته المالية، توصلت الحكومة اللبنانية إلى اتفاق مبدئي مع الصندوق بشأن برنامج قرض بقيمة 3 مليارات دولار يُنفذ على مدى 4 سنوات.
ورحبت جمعية مصارف لبنان، بتوقيع الاتفاق المبدئي بين الحكومة وصندوق النقد على مستوى الخبراء وقالت إنه يمهد الطريق لحزمة إنقاذ مالي مقابل مجموعة من الإصلاحات.
وقالت الجمعية في بيان إنها تتوقع أن تشمل الخطة "توزيعا عادلا" للخسائر التي يتكبدها القطاع المصرفي على الحكومة ومصرف لبنان المركزي بهدف تعزيز عملية استعادة المودعين لودائعهم.
وكان حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة، أكد أن الاتفاق مع صندوق النقد الدولي سيسهم في توحيد سعر صرف الدولار أمام العملة المحلية (الليرة).
ووصف سلامة إبرام الاتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد، بأنه "حدث إيجابي للبنان"، لافتا إلى أنه سيؤدي إلى توحيد سعر الصرف، آملا تلبية الشروط المسبقة التي يحددها صندوق النقد للحصول على موافقة مجلس الصندوق على البرنامج.
فرص وخيارات لبنانية
اعتبر زياد ناصرالدين، الباحث اللبناني في الشؤون الاقتصادية، أن الاتفاق مع صندوق النقد على ضخ 3 مليارات دولار اتفاق مبدئي، ويحتاج إلى مشوار طويل من التفاوض، لا سيما وأن لبنان بلد استهلاكي وليس إنتاجيًا، ويحتاج لحد أدنى من الأموال تقدر بـ 6.5 مليار دولار سنويًا.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، هناك علامات استفهام حول توقيت الإعلان عن هذا الاتفاق الأولي والذي يتزامن مع قرب الانتخابات النيابية، ما يطرح تساؤلات بشأن إمكانية أن يكون الاتفاق مرتبطًا بشق سياسي، لا سيما في موضوع الغاز ومحاولة فرض شروط سياسية على لبنان.
وتابع: "صندوق النقد والحكومة يريدان فرض خطة لتوزيع الخسائر على المودعين، وتحميل المواطنين الفشل الكبير في السياسات المالية والنقدية، على الرغم من معرفة الجميع بأن هذا الفشل كان تحت إشراف فريق ليس ببعيد عن صندوق النقد الدولي"، مضيفًا: "ننتظر معرفة شروط صندوق النقد الدولي، الإصلاحات مطلوبة، ولكن هل سيتم تمريرها بشروط من الصندوق ذات أبعاد سياسية".
ويرى ناصرالدين، أن صندوق النقد سيكون العامل الرئيس لقطع الطريق على لبنان في أي خيارات الإنقاذ السياسية النقدية والمالية، عبر تنويع الخيارات وتواصل لبنان مع محيطه العربي والتوجه شرقًا، وأي حلول أخرى قد تكون مفيدة للاقتصاد اللبناني أكثر من واقع صندوق النقد الدولي، في ظل الواقع السياسي بلبنان ووجود سياسيين مرتهنين بشكل أساسي للسياسات الغربية، وليس لديهم مشكلة في تسليم لبنان للغرب دون الأخذ بالاعتبار الخيارات التي يمكن أن تنقذ لبنان.
وأوضح أن "لبنان يخسر الكثير من الخيارات والفرص المهمة في إنقاذ اقتصاده بطرق أفضل وأهم من صندوق النقد، الذي سيعطي لبنان 3 مليارات دولار على 4 سنوات، وسننتظر لنرى هل ستقوم الدولة والسياسيين بالإصلاحات المطلوبة أم لا؟".
فجوة كبيرة
بدوره، اعتبر الناشط المدني اللبناني أسامة وهبي، أن الوصول إلى مبلغ الـ 3 مليارات دولار ضمن الاتفاق المبدئي بين لبنان وصندوق النقد ليس بالأمر السهل على الإطلاق، حيث يرتبط بإصلاحات السلطة السياسية الحالية عاجزة عن تنفيذها، كما أن هذه الأموال ستأتي على دفعات وهي لن تستطيع أن تغطي الفجوة الكبيرة الموجودة في النظام المالي والتي تحتاج إلى ما يزيد عن 60 مليار دولار لسد العجز.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، هذا المبلغ لتقطيع الوقت، لكنه مرتبط بإصلاحات وفي حال عجزت السلطة عن تنفيذها فلن تأتي هذه الأموال، معتبرًا أن السلطة عاجزة عن القيام بالإصلاحات لأنها تشكل نقيضًا لمصالحها، وتسكيرًا لدكاكين الهدر التي تتمول منها أحزاب هذه المنظومة الفاسدة، والتي تحاول الحصول على الأموال دون القيام بالإصلاحات، وهذا لن يكون لأن صندوق النقد الدولي يراقب كل خطوات الحكومة ويتأكد من كل ما يخص الإصلاحات.
ويرى وهبي أن هناك حاجة ماسة إلى خطة متكاملة تعيد الثقة أولا للمستثمريين اللبنانيين والعرب والأجانب، الثقة التي تعيد أموال اللبنانيين المنهوبة والمحتجزة في المصارف، فلا قيمة للاقتصاد إذا بقي المودعون عاجزين عن الوصول لأموالهم.
وأكد أن كل هذه الاتفاقات المبدئية والترقيعية لن تكون هي الحل النهائي للأزمة الكبرى، لكن يمكن اعتبارها خطوة أولى في طريق الألف ميل، وينتظر لبنان الكثير من الأمور، أهمها الانتخابات النيابية، فإذا تمكن السياسيون الحاليون العودة للسلطة فإننا ذاهبون لمزيد من التأزم والانهيار والإفقار والتجويع للشعب اللبناني.
صندوق النقد الدولي
وكانت مصادر الوفد اللبناني المفاوض مع صندوق النقد الدولي، قد كشفت لوسائل إعلام محلية أن "الاتفاق الأساسي مع صندوق النقد لم يبدأ بعد، والجهة التي تبرمه هي إدارة الصندوق مع الحكومة اللبنانية، وليس الوفد التقني على مستوى الموظفين، إنما يمكن القول إننا خطونا الخطوة الأولى، ويبقى علينا تنفيذ الشروط التي يطلبها الصندوق كممر إلزامي لتوقيع الاتفاق النهائي".
ويشترط صندوق النقد لإبرام الاتفاق النهائي عدة قوانين يجب أن تصدر عن مجلس النواب، ومنها إعادة الهيكلة، والكابيتال كونترول، وتعديل السرية المصرفية، وقانون الموازنة، بالإضافة إلى التدقيق المالي في حسابات مصرف لبنان، وتوحيد سعر الصرف "الذي يجب أن يكون المصرف المركزي قد أخذ قراراً في شأنه"، حسب تعبير مصادر الوفد المفاوض.
ووصفت المصادر ما تم توقيعه مع الصندوق بأنه "أكبر من اتفاق إطار، لأننا دخلنا في التفاصيل وقدمنا ما أصبح معروفا بورقة التعافي، وتتضمّن أرقاما دقيقة وليس فقط خطوطا عريضة، إنما مؤشرات وأرقام وخطة مفصّلة على أربع سنوات، لكنها لن تكون سارية المفعول إلا بموافقة إدارة الصندوق. وحتى يقبل النظر فيها، يجب أن يكون لبنان قد نفذ الشروط المسبقة، بمعنى أنه لن يحرّر صندوق النقد أي فلس إلا بعد تنفيذ الشروط، وعندها يتم التوقيع النهائي".
وأعلن نائب رئيس الحكومة اللبنانية سعادة الشامي، الأحد الماضي، "إفلاس الدولة ومصرف لبنان المركزي"، وقال إنه سيجري توزيع الخسائر على الدولة ومصرف لبنان والمصارف والمودعين.