بعد الهدوء النسبي الذي عم الأراضي الفلسطينية المحتلة في الأيام الأخيرة بعد سلسلة مواجهات شهدتها القدس المحتلة والمسجد الأقصى، يطرح الإسرائيليون فرضية التوصل إلى حل يعيد الهدوء، في الوقت الذي لا يتفق فيه الطرفان حتى على الحقائق الأساسية، وفيما يحاول الاحتلال التزام التهدئة للتفرغ لتهديدات خارجية، لكنه يتعلم من دروس المواجهات السابقة أن لها ثمنا باهظا على المدى الطويل.
مع العلم أن الأحداث المتكررة التي تتصاعد فيها المواجهات بين الاحتلال والفلسطينيين، خاصة حول المسجد الأقصى، انطلقت بالأساس من رفض الفلسطينيين لأي إجراء إسرائيلي لتغيير الوضع الراهن فيه، واتهامها بتقويض الاستقرار، بما في ذلك استخدام القوة، واعتبار وجودها في شرقي القدس غير قانوني.
الجنرال يوسي كوبرفاسر، الرئيس السابق لقسم الأبحاث الاستخبارات العسكرية- أمان، والباحث في مركز القدس للشؤون العامة وشؤون الدولة، ذكر، أن "الجهود التي تتحدى إسرائيل في القدس والأقصى تقودها الحركات الإسلامية بقيادة حماس والإخوان المسلمين، أما السلطة الفلسطينية والأردن ووزراء الخارجية العرب، فيظهر أن كل الأطراف مقتنعة بأن إسرائيل تسعى لتقسيم أوقات الصلاة في المسجد الأقصى كما في الحرم الإبراهيمي، ويستخدم القوة بما يتجاوز بكثير ما هو ضروري ضد المصلين الفلسطينيين الشباب".
وأضاف أن "القلق الإسرائيلي يعود لتسبب احتجاجات الأقصى بإشعال ألسنة اللهب، وهو ما تراه الحركات الإسلامية أداة لكبح إسرائيل، وفي نفس الوقت وسيلة لتعزيز مكانتها السياسية، وصولا لكونها أداة لتقويض مكانة إسرائيل الدولية والإقليمية، ووسيلة لمنع تدهور نزاع عنيف شديد الكثافة، لكن المشكلة أخطر بكثير، لأن هذا الموضوع الديني يمنح أعداء إسرائيل فرصة كبيرة لبث مزيد من التلقين والتحريض على أساس المعتقدات الدينية والقيم المقدسة للقومية العربية والفلسطينية".
ويخشى الإسرائيليون من انتشار شعار "الأقصى في خطر" بين عموم الفلسطينيين والعرب والمسلمين، ما أوصل إلى اعتقاد عميق يصعب اقتلاعه، وتمثل في صدور نداءات المقدسيين في "ليلة القدر" بهتافات "بالروح بالدم نفديك يا أقصى، خيبر خيبر يا يهود، جيش محمد سوف يعود".
في الوقت ذاته، لا تنكر المحافل الإسرائيلية أنها تواجه تحديا جادا يتمثل في نظرة الفلسطينيين للمشروع الصهيوني على أنه عمل استعماري، وإسرائيل كدولة فصل عنصري، والاعتقاد بأن الصهاينة أشرار تمامًا، وأن كل المجموعات الضعيفة يجب أن تتحد في النضال ضدهم، لاسيما حماس التي تقف وراء هذا المجهود، التي تحرص على تكرار عبارة "بيت المقدس"، الذي يعني إنكارا لحق أي يهودي في المسجد الأقصى.
كل ذلك يؤكد أنه في ظل غياب إمكانية الوصول إلى حل دائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ومن منطلق مصلحتها في ضمان الاستقرار على المدى القصير، فإنها تعتبر نفسها ملتزمة بتعزيز السلطة الفلسطينية، وتهدئة قطاع غزة، وتفضل تجنب المواجهة مع السلطة الفلسطينية وحماس في موضوع ممارسة سيادتها على المسجد الأقصى، وتخشى على تبدد صورتها الدولية.
الخلاصة الإسرائيلية أنه رغم أن هذا النهج الإسرائيلي له مزايا معينة على المدى القصير، إلا أنه قد يكون له أثمان كبيرة على المديين المتوسط والبعيد، لأنه يخلق إحساسًا بالإنجاز بين أعداء الاحتلال، ويبعث الأمل بينهم لتحقيق المزيد من الإنجازات في الصراع على الطريق، ويقوض الردع الإسرائيلي.