قبل خمسة عقود ارتكبت "إسرائيل" جريمة اغتيال بحق الكاتب والأديب الفلسطيني غسان كنفاني حين اغتالته عند أطراف بيروت، فكانت الإشارة حينها بالبدء في مسلسل الاغتيالات للصحفيين والكتاب والأدباء، ولم يتوقف حتى هذه اللحظة، ليستمر بفاجعة اغتيال الزميلة شيرين أبو عاقلة أيقونة فلسطين وصوتها النابض على مدار ربع قرن حتى باتت مُلهمة لكل الأجيال الذين عاصروها وهي تختم تقريرها بصوتها النابض من كل البلدات والمدن الفلسطينية :"كانت معكم شيرين أبو عاقلة".
بالنظر إلى مسلسل عمليات القتل الممنهجة التي استهدفت الصحفيين الفلسطينيين نجد أن أبرزها كان عام 2009 حين قتلت "إسرائيل" أربعة صحفيين هم علاء حماد محمود مرتجى، وإيهاب جمال حسن الوحيدي، وباسل إبراهيم فرج وعمر عبد الحافظ السيلاوي، وفي العام 2012 قتلت "إسرائيل" خلال عدوانها على غزة ثلاثة صحفيين محمد موسى أبو عيشة، ومحمود علي أحمد الكومي، وحسام محمد سلامة.
وتمادت "إسرائيل" في جرائمها واستهدافها للمقرات الصحفية وقتلها للصحفيين وارتكبت جرائم ترتقي لجرائم حرب إبان حرب 2014 على قطاع غزة حيث تضاعف قتل الصحفيين وقتلت 17 صحفياً بينهم الصحفي الإيطالي سيمونه كاميللى، ودمرت 23 مؤسسة صحفية ما بين تدمير كلي وجزئي، ولم تجد "إسرائيل" من يردعها ويحاسبها على جرائمها، واستطاعت أن تفلت من العقاب رغم الحماية المكفولة للصحفيين والمؤسسات الإعلامية في كافة القوانين واللوائح الدولية، بل اكتفت المؤسسات الدولية ببيانات الإدانة والاستنكار، الأمر الذي فتح شهية "إسرائيل" لتواصل عدوانها تجاه الصحفيين الفلسطينيين فمارست الملاحقة والاعتقال وإغلاق المؤسسات ومنع الحركة للصحفيين ومحاربة المحتوى والرواية الفلسطينية .
وخلال مسيرات العودة التي انطلقت 2018 في ذكرى يوم الأرض الخالد، لعب الصحفيون دوراً مُهماً في إظهار الحق الفلسطيني، وتمسك الفلسطينيين بأرضهم واستطاعوا أن ينقلوا للعالم على الهواء مباشرة جرائم الاحتلال فعادت "إسرائيل" وقتلت بدم بارد الصحفي ياسر مرتجى وأحمد أبو حسين بفارق أيام معدودة، الأمر الذي شَكَلَ فاجعةً في حينه للصحفيين، وكان السؤال دوماً في مواكب وداع الشهداء "من هو الشهيد القادم من الصحفيين"؟.
أذكر أن خبر استشهاد الزميل ياسر مرتجى بنيران قناص رغم ارتداءه السترة الصحفية شَكَلَ صدمةً للصحفيين الفلسطينيين، وكل الهيئات النقابية والمؤسسات الدولية، ولكن رغم هول هذه الجريمة إلا أن أياً من المؤسسات الدولية لم تذهب باتخاذ خطوة جدية لمحاسبة "إسرائيل" على جرائمها بحق الصحفيين الفلسطينيين.
وإبان الحرب الأخيرة على غزة عام 2021م التي استمرت على مدار أحد عشر يوماً ارتكبت "إسرائيل" مرة أخرى جرائم بحق المدنيين الفلسطينيين ودمرت الأبراج السكنية التي تحتوي على مكاتب صحفية، فدمرت وفق الاحصائيات أكثر من 50 مؤسسة صحفية ما بين تدمير جزئي وكلي، واستشهاد الصحفي يوسف أبو حسين الذي ارتقى بقصف منزله، وربما كان الحدث الأبرز في حينه هو تدمير مكتب قناة الجزيرة والذي شَكَلَ صدمةً وعكس في حينه جبروت الاحتلال وإرهابه بحق الصحفيين والمؤسسات الاعلامية الفلسطينية.
إجراءات الاحتلال العقابية لم تتوقف تجاه الصحفيين الفلسطينيين وارتفعت وتيرة الاعتداءات وبدأت تأخذ أشكالاً وصنوفاً متعددةً، حيث ملاحقة الكُتاب وقادة الرأي والصحفيين والزج بهم في السجون والاعتقال الإداري في محاولة للنيل من الصورة وحجب الرواية الفلسطينية التي كانت في كل مرة تخرج أكثر قوة وعنفواناً وتألقاً رغم الدمار والحصار وقلة الامكانيات.
مع تسارع الهجمة "الإسرائيلية" على مدينة القدس المحتلة والعمليات الفلسطينية الفردية التي واكبت العدوان على المسجد الأقصى والاعتداء على المصلين والمرابطين من النساء والأطفال والشيوخ، انزعجت "إسرائيل" أكثر من نقل صورتها الهمجية وهي تعتدي على المصلين والشيوخ فقمعت الصحفيين ومنعتهم من التغطية واعتقلت بعضهم وأطلقت النار عليهم فكان شهر فبراير من العام 2022 هو الأكثر اعتداءً على الصحفيين في المدينة القدس المحتلة...
كانت "إسرائيل" تعتدي على المصلين وعينها على مدينة جنين "عش الدبابير" الذي بات يزعج "إسرائيل" صباح مساء، فأطلقت عملية كاسر الأمواج في محاولة لمنع العمليات الفلسطينية التي استطاعت قتل 19 "إسرائيليا" في أقل من شهرين وهزت المنظومة الأمنية "الإسرائيلية".
كان واضحاً أن عمليات الاقتحام والتوغل "الإسرائيلية" اليومية لمخيم جنين تهدف لقتل أكبر عدد ممكن من المقاومين تمهيداً لاقتحامه بالكامل ضمن عملية واسعة كما أعلن عن ذلك الكابينت "الإسرائيلي".. واضح تماماً من أن جريمة اغتيال…