دعت دراسة علمية أنجزها مركز الزيتونة للدراسات، الفلسطينيين بمختلف انتماءاتهم الفصائلية والسياسية والمدنية إلى التوحد من أجل مواجهة التداعيات السلبية للحصار الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة منذ العام 2007 وعلى الفلسطينيين عامة والشباب منهم على وجه الخصوص.
وخلصت الدراسة، التي أعدها الباحث الدكتور رائد محمد حلس، إلى أنه لا بدّ من مشاركة جميع الأطراف، الحكومة ومؤسسات القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني، للعمل على تمكين الشباب في وطنهم وتحسين ظروفهم المعيشية والحدّ من ظاهرة الهجرة التي أصبحت مشكلة كبيرة مثيرة للقلق، بالإضافة إلى العمل على إتمام ملف المصالحة وإنهاء حالة الانقسام الفلسطيني، ومعالجة الآثار والتداعيات التي كانت بفعل الانقسام، وحثّ المجتمع الدولي للضغط على الاحتلال ورفع الحصار والسماح بحرية الحركة للأفراد والبضائع، إلى جانب وقف الاعتداءات العسكرية المتكررة على القطاع.
وتهدف الدراسة وفق مركز الزيتونة، إلى رصد تداعيات الحصار الإسرائيلي على الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة، مع عرض المنهجيات الأساسية لمنظومة الحصار الإسرائيلي الشامل وإجراءاته التي أسست لهذه المنظومة، وبيان أثر اعتداءاته العسكرية المتكررة على القطاع على مختلف القطاعات الاقتصادية، وانعكاس ذلك على كافة شرائح المجتمع، وبصورة أكثر حدّة على الشباب الذين هم صُنّاع التنمية.
وتكمن أهمية الدراسة في أنها عرضت أهم الصدمات التي تعرّض لها الاقتصاد الفلسطيني التي حدّت وبدَّدت من إمكانيات تطوره، وأدّت إلى تقلبات دورية وتذبذبات مستمرة في العديد من المؤشرات الاقتصادية، وقد تأثرت من ذلك شريحة واسعة من المجتمع.
وأوضح الباحث أن الحصار الإسرائيلي المشدد على قطاع غزة على مدار 15 عاماً متواصلة، يعدّ من أبرز هذه الصدمات.
ورأت الدراسة أن الانقسام الفلسطيني الداخلي الذي حدث في حزيران/ يونيو 2007 وفّر بيئة مناسبة لـ"إسرائيل" لاعتبار قطاع غزة كياناً معادياً؛ ففرضت عليه الحصار، وأحكم الاحتلال سيطرته على الموارد والحدود، وشلّ قدرة الجانب الفلسطيني على اتخاذ القرار، مما أدى إلى تقويض الاقتصاد الفلسطيني من السعي للنمو والتطور، فأغلقت المعابر ومنعت حرية الحركة للأفراد والبضائع، وفرضت قيوداً شديدة على الوصول للأراضي الزراعية وعلى مساحة الصيد البحري، وتحكَّمت في تحديد كمية إدخال وإخراج النقد للقطاع..
بالإضافة إلى ذلك شن الاحتلال أربعة اعتداءات عسكرية كبرى خلال السنوات 2008، و2012، و2014، و2021، أدت إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في كافة القطاعات وخصوصاً القطاعات الإنتاجية، حيث قتلت قوات الاحتلال خلال هذه الاعتداءات 5,418 شخصاً، ودمّرت 12,631 وحدة سكنية بشكل كلي، ونحو 3,118 منشأة تجارية، و557 مصنعاً، و2,237 مركبة، و2,755 منشأة عامة، وبلغت كلفة الأضرار والخسائر الاقتصادية التي لحقت بالقطاعات الاقتصادية خلال الاعتداءات العسكرية الكبرى نحو 7,636 مليون دولار.
وأشار الباحث إلى أن الحصار الإسرائيلي أدخل قطاع غزة في دوامة من البطالة، والفقر، وانعدام الأمن الغذائي، وتآكل القاعدة الإنتاجية نتيجة الخسائر الاقتصادية الفادحة؛ فانخفض معدل النمو الاقتصادي في قطاع غزة خلال الفترة 1994- 2005 من 5.7% إلى 1.1%، وضعف دور القطاع الصناعي في الإسهام في الناتج المحلي الإجمالي في غزة، حيث لم يتجاوز إسهامه في الناتج المحلي الإجمالي 10.7% كمتوسط طيلة سنوات الحصار، وكذلك لم تتجاوز قدرة القطاع الصناعي على تشغيل الأيدي العاملة في قطاع غزة خلال سنوات الحصار الـ 7.3% سنة 2020، أما القطاع الزراعي فلم يتجاوز إسهامه في الناتج المحلي الإجمالي 11.4% كمتوسط طيلة سنوات الحصار.
أما القطاع التجاري، فقد تأثر كثيراً بمنظومة الحصار الشامل جراء تراجع الصادرات والواردات؛ فانخفض متوسط حجم الصادرات من قطاع غزة خلال الفترة التي سبقت الحصار 1996- 2006 من 42.5 مليون دولار لتصل إلى 7 مليون دولار بعد الحصار خلال الفترة 2007- 2020، وفي المقابل انخفض متوسط حجم الواردات إلى قطاع غزة خلال الفترة التي سبقت الحصار 1996-2006 من 621.3 مليون دولار لتصل إلى 559.3 مليون دولار بعد الحصار 2007- 2020، وقدرت قيمة الخسائر جراء انخفاض الصادرات والواردات بفعل تأثيرات الحصار بنحو 10 ملايين دولار شهرياً.
وفي محاولة لتفكيك الحصار الشامل على قطاع غزة، برزت ظاهرة تجارة الأنفاق، إلا أنها أصابت الاقتصاد الفلسطيني بالضرر نتيجة المخاطر والسلبيات التي ترتبت على تناميها، ولم تتمكن من تزويد القطاع بالمستوى المطلوب من الواردات بأنواعها لإعادة بناء اقتصاده الإنتاجي، ولم تتمكن أيضاً من إحداث أي أثر على قطاع التصدير.
وقال الباحث إن هذه التداعيات مجتمعة ألقت بظلالها الثقيلة على كافة القطاعات الاقتصادية وكافة شرائح المجتمع وخصوصاً الشباب؛ فارتفعت نسبة البطالة في القطاع من 30.3% سنة 2005 إلى 46.9% سنة 2021، واتسعت دائرة الفقر فيه؛ فأصبح يعاني 53% من سكان القطاع من الفقر، في حين يعاني 68.5% من انعدام الأمن الغذائي، وبلغت نسبة الفقر في قطاع غزة في أوساط الشباب من الفئة العمرية 20-29 عاماً، نحو 57% خلال سنة 2021، ونتيجة لذلك تزايدت رغبة الشباب من الفئة العمرية (29- 15) في الهجرة، فبلغت نسبة الراغبين في الهجرة من حملة الدبلوم فأعلى 41.8%، ومن حملة الثانوية العامة 35.8%، و37% ممن يحملون مؤهل أقل من الثانوية العامة.
ويعاني قطاع غزة الذي يعيش فيه أكثر من مليوني فلسطيني ظروفا اقتصادية ومعيشية صعبة، جراء الحصار الإسرائيلي الممتد لأكثر من 15 عاما، وتداعيات الانقسام الفلسطيني الداخلي.
وبحسب تقرير أصدره الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (حكومي)، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، فإن نسبة البطالة في قطاع غزة بلغت 50 بالمئة.