كان الأمين العام لحزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله في كلمته المتلفزة منذ أسبوعين واضحًا تمامًا كما لم يكن في أي مرة من قبل، حين جدد مهلة شهرين حتى أيلول القادم لاستمرار وقف إطلاق النار حتى يحين الحين، وأكد أن حربًا ستبدأ لا محالة مع كيان دولة العدو في حال حال هذا العدو بين لبنان والاستفادة من ثروته النفطية، وأن (تل أبيب) لن تتمكن من استخراج أو بيع الغاز والنفط، ليس فقط من حقل كاريش في البحر الأبيض المتوسط، وهو حقل لبناني يقع في مياه لبنان الإقليمية الموازية للمياه الإقليمية الفلسطينية المحتلة، وكان السيد نصر الله يقصد بجلاء أن منصات استخراج النفط على أرض وسواحل فلسطين المحتلة جُعِلَت أهدافًا، وأنها ستضرب، فتحرق وتدمر، إن لم تعترف دولة العدو بملكية لبنان الخالصة لها.
ولم يكتفِ السيد نصر الله بذلك، فقال إن الاعتراف وحده ليس كافيًا، بل لا بد أن يكون لبنان قد بدأ ترتيب وتشييد البنى التحتية لاستخراج نفطه وغازه لإسناد اقتصاده الوطني بكل حرية، وأن مؤامرة حصار وتجويع لبنان التي تستمر فصولًا منذ سنوات حتى الآن لن تمر، أيًّا كانت الأثمان.
وقد هدد الأمين العام لحزب الله بأنه إذا وصلت الأمور إلى الخواتيم السلبية في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية الجنوبية للبنان، فإن حزبه لن يقف عند حدود حقل كاريش، بل سيرسي مرة أخرى ما وصفه بمعادلة "ما بعد كاريش"، وهو يُذكر كيان العدو بالتهديد الذي أطلقه قبل أسابيع قليلة من حرب تموز عام 2006، وهي الحرب التي استمرت 33 يومًا، حين قال في حينه إنه سيضرب حيفا وما بعد حيفا، وكان عند وعده ونفذ تهديده، وقد خرجت دولة الكيان مدماة تجر أذيال الخيبة، وقد دُمرت دبابات الميركافاة 4 في وادي الحجير، ونخب ألوية المشاة والوحدات الخاصة من الناحال وغفعاتي وغولاني واليمام والمظلات والأركان وبحريته وطيرانه الذي هرب إلى الأمام حين دمر الأبراج السكنية والجسور والطرق وقتل المئات من المدنيين العُزل.
لقد جاء خطاب نصر الله ردًّا على تهديدات العدو بالاستعداد لاستخراج النفط من حقل كاريش اللبناني، وتوقف المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية التي انطلقت بين بيروت و(تل أبيب) عام 2020 بوساطة أمريكية في أيار (مايو) الماضي، وهي التي وصلت إلى الجولة الخامسة نتيجة الخلافات الحادة بشأن مساحة المنطقة المتنازع عليها.
وقد بدأت المفاوضات على مساحة بحرية تقدر نحو 860 كم2 تعرف حدودها بالخط 23 بناء على خريطة أرسلها لبنان إلى الأمم المتحدة في عام 2011، ولكن حين لاحظ الخبراء اللبنانيون أن المساحة هي 1430 كم2 طالب بأن تستند المفاوضات إلى ذلك وتعترف بالخط 29، وهو ما ترفضه (تل أبيب)، وما يوصل الأمور إلى خطوطها الحمراء هو أن العدو بدأ فعليًّا العمل في حقل نفط كاريش عبر سفينة تديرها شركة "إترجيان" (مقرها لندن)، وكأن الحقل هو في المياه الإقليمية لدولة العدو.
تصريحات قائد حزب الله وتهديداته الواضحة كررها عدة مرات، حتى إنه قال إنه يعيد ذلك لمن لا يفهم أن لبنان لن يسمح للعدو الصهيوني وداعميه في واشنطن بأن يجعلوا شعبه يجوع، أو أن يقتتل أبناؤه على بوابات المخابز أو أمام محطات الوقود.
ونبه إلى أن لبنان لديه فرصة ذهبية خلال ما يقارب شهرين للظفر بحقوقه النفطية، قبل أن ينهب العدو هذا الحق الخالص.
ونصح نصر الله المفاوض اللبناني أن يستثمر القوة الوحيدة -وهي حزب الله- ورقة ضغط تفاوضية فعالة، في مواجهة صَلف وغطرسة العدو.
وكان الوسيط الأمريكي هوكشتابين قد انسحب من المفاوضات للي ذراع لبنان كي يقدم التنازلات المطلوبة لـ(تل أبيب)، وزادت البحرية الأمريكية قطع أسطولها البحري في المتوسط وتتقدم بالقرب من منصة حقل كاريش، في إشارة إلى أن واشنطن تدعم (تل أبيب) في أي تطور عسكري قادم.
من جهته أكد نصر الله أن إرسال الطائرات (الدرونز) كي تحلق فوق حقل كاريش كان رسالة للعاملين على متن السفينة بأنها "ليست منطقة آمنة".
وأضاف: "إن الحزب يعد العدة لشن المزيد من الهجمات"، قائلًا: "إن الحزب لديه قدرات عسكرية برية وجوية وبحرية، وإنه مُقتدر على إرسال عدد كبير من الطائرات المسيرة في آن واحد وزمان واحد وعلى هدف واحد".
لقد دعا نصر الله إدارة السفينة اليونانية إلى الانسحاب فورًا من المياه الإقليمية اللبنانية، وأن للبنان الحق الكامل في حقل كاريش مستقيمًا مع حقل قانا.
وكشف الأمين العام لحزب الله أخيرًا أن الأمريكيين شغلوا لبنان في دوامة مفاوضات عبثية، على حين بدأت (تل أبيب) في التنقيب عن النفط وحفر الآبار والاستعداد لإخراج الغاز من المياه الإقليمية اللبنانية.
وتحدث صراحة بأن الدولة اللبنانية عاجزة عن اتخاذ القرار المناسب الذي يحمي لبنان وثرواته، ولذلك إن الحزب مضطر إلى اتخاذ قرار الحرب، وأنه لا يوجد هدف للعدو في البحر والبر لا تطاله الصواريخ الدقيقة للمقاومة.
الساعات تمضي مُسرعة الخُطى، وأيلول يقترب ونذر الحرب تدق أوزارها وقرار المقاومة يستند إلى إدارة صلبة أمينة وصادقة وعند عهدها، وقد كشف نصر الله للمرة الأولى أن المُسيَّرات دخلت الجليل وشمال فلسطين المحتلة وعادت بسلام عدة مرات على امتداد السنوات الماضية.
كل ما تقدم يفرض سؤالًا موضوعيًّا: أين نحن من كل ما تقدم؟ أعتقد جازمًا أن انفجار جبهة الشمال سينعكس على كل محور المقاومة، وقد بلغ التنسيق بين أركانه أوجه، وما حصل من تعاون بين جبهة الشمال في حزب الله وجبهة غزة في معارك سيف القدس المجيدة ماثل للعيان.