من المعروف أن حاسة الشم القوية لدى الكلاب تميزها عن غيرها من الحيوانات، فهي قادرة على التعرف على مرض السكري والسرطانات وحالات كوفيد (COVID-19) الإيجابية، بالإضافة إلى مهارات البحث التي جعلتها أهم مساعد للجهات الأمنية.
ورغم علمنا بأن الكلاب تتمتع بحاسة شم قوية، فوجئ باحثو جامعة كورنيل برؤية المدى الهائل للمسارات العصبية المغذية لحاسة الشم في الكلاب، وقد قدموا أول توثيق مفاده أن حاسة الشم تتكامل مع الأجزاء البصرية والأجزاء الفريدة الأخرى من أدمغتها، في بحثهم الذي نشر في دورية "ذا جورنال أوف نيوروساينس" (The Journal of Neuroscience)، مما يلقي ضوءًا جديدًا على الكيفية التي تختبر بها الكلاب محيطها وكيف تتنقل خلاله.
يذكر التقرير المنشور على "ساينس ألرت" (Science Alert) أن الباحثة البيطرية في مجال التصوير العصبي إيريكا أندروز من جامعة كورنيل وزملاءها قاموا برسم خرائط للمسارات الشمية للكلاب، عن طريق تصوير الانتشار بالرنين المغناطيسي، حيث تستخدم هذه التقنية الاختلافات في تدفق الجزيئات -مثل الماء- لإنشاء خريطة معقدة لهياكل الأنسجة.
الكلاب العمياء قادرة على التنقل واللعب والتصرف بنفس نمط ودقة الكلاب التي تتمتع بالبصر (شترستوك)
باستخدام البيانات، صمم الفريق خرائط ثلاثية الأبعاد للمسارات العصبية لدماغ الكلب، وتتبعوا المادة البيضاء وهي تربط مناطق الدماغ الشمية بشكل عجيب، وكشفوا عن مسارات معقدة لم تكن معروفة من قبل بين المناطق المسؤولة عن الشم والبصر في الكلاب.
وتوضح بيب جونسون الباحثة في التصوير العصبي بجامعة كورنيل -في البيان الصحفي الذي نشرته الجامعة في 18 يوليو/تموز 2022- "لم نرَ أبدا هذا الارتباط بين الأنف والفص القذالي -والتي تمثل وظيفيًا القشرة البصرية في الكلاب- في أي نوع. لقد كان متسقًا حقًا. ومن حيث الحجم، كانت هذه المسارات مثيرة حقًا مقارنة بما في حاسة الشمّ البشري، ويشبه ما قد نراه في أجهزتنا البصرية"، وربما كان هذا هو السر وراء قدرة الكلاب العمياء على التنقل واللعب والتصرف بنفس نمط ودقة الكلاب التي تتمتع بالبصر.
وتقول جونسون في البيان الصحفي إن البحث يؤيد تجربتها السريرية مع الكلاب العمياء، والتي تعمل جيدا بشكل ملحوظ، إذ "لا يزال بإمكانها ممارسة لعبة جلب العصاة والتنقل في محيطها بشكل أفضل بكثير من البشر الذين يعانون من نفس الحالة. إن معرفة أن هناك ربطا سريعا للمعلومات بين الشم والبصر يمكن أن يكون مريحًا للغاية لمالكي الكلاب المصابة بأمراض العيون المستعصية".
أنف فائق الحساسية
أنف الكلب في حد ذاته مثير للإعجاب، فهو يحتوي على أكثر من 220 مليون خلية لتحديد الرائحة، مقارنة بـ50 مليونا أو نحو ذلك من المستقبلات الشمية لدى البشر (بحسب آخر إحصاء).
أنف الكلب مثير للإعجاب، فهو يحتوي على أكثر من 220 مليون خلية لتحديد الرائحة (غيتي إيميجز)
فبالأنف وحده، يمكن للكلاب تكوين وعي مكاني، وقراءة الاتصالات الكيميائية، واستشعار مزاجنا، وتتبع كل أنواع الأشياء، بما في ذلك مصادر الحرارة الضعيفة، وهذا ما تقدمه هذه المسارات الإضافية.
وتشرح جونسون في البيان قائلة "إنه أمر منطقي جدا في الكلاب، فعندما ندخل إلى غرفة فإننا نستخدم رؤيتنا بشكل أساسي لتحديد مكان الباب، ومَن الموجود في الغرفة، وأين توجد الطاولة، بينما في الكلاب، تُظهر هذه الدراسة أن الشم يتكامل حقًا مع الرؤية من حيث كيفية تعلمها عن بيئتها ومعرفة طريقها فيها".
ومن 23 كلبًا تم فحصها بالأشعة، حدد الباحثون أيضًا مسارات المعلومات الخاصة بالمادة البيضاء التي تربط بقوة البصلة الشمية (أسفل اليسار في الصورة أدناه) بأربع مناطق دماغية أخرى أيضًا.
وكما هي الحال في البشر، من المرجّح أن تربط المسارات الشمية للقشرة الكمثرية (باللون الأخضر) والجهاز النطاقي (الأزرق) الرائحة بالذاكرة والعواطف، ويُعتقد أن القشرة المخية الأنفية الداخلية (المسار الوردي) تعالج الروائح وتتصل أيضًا بالذاكرة.
وبالإضافة إلى الروابط مع الرؤية، كانت الروابط بين الفص الشمي وجذع الدماغ عبر السبيل القشري (تركواز) اكتشافا غير متوقع أيضا، وتعتقد أندروز وزملاؤها أن هذه الروابط قد تسمح بحدوث المزيد من الاستجابات الغريزية للروائح، دون الحاجة إلى مناطق أعلى الدماغ.
في الكلاب يتكامل الشم مع الرؤية من حيث كيفية تعلمها عن بيئتها (بيب جونسون-جامعة كورنيل)
ورغم قيام الباحثين بتشريح دماغين لكلاب لتأكيد ما رأوه في نماذج التصوير، فإنهم يوصون بأن البحث الفسيولوجي الكهربي مطلوب قبل أن نتمكن من أن نقول على وجه اليقين ما تعنيه جميع هذه الروابط الفيزيائية بما يتجاوز التخمين، بناءً على ما نعرفه عن مناطق الدماغ هذه من الأنواع الأخرى.
وبالطبع، ليس لدينا أي فكرة في هذه المرحلة عما إذا كان هذا يعني أن الكلاب يمكنها "رؤية" الروائح، على الرغم من أن أدمغتها قادرة على القيام بأمور غريبة جدًا.
ويخلص الفريق في بحثه إلى أن "هذه النتائج تشير إلى أن الجهاز الحسي المستخدم في الشم يلعب دورًا بارزًا -إن لم يكن مهيمنًا- في إدراك الكلاب، وله اتصال بمعظم المسارات الحيوية الرئيسية، مما يجعل له أهمية عند دراسة الإدراك في الكلاب".
وتهدف إيريكا أندروز المحللة السابقة في مختبر جونسون -وهي المؤلفة الأولى بالورقة وتعمل حاليًا في أبحاث شيخوخة الكلاب- وزملاؤها، إلى رسم خريطة لأنظمة حاسة الشم للقطط والخيول بعد ذلك، حيث يتمتع كلاهما بقدرة مذهلة على الشم أيضا، لكن الخيول من الحيوانات العاشبة، لذا فمن المحتمل أنها تستخدم حاسة الشم بشكل مختلف تماما، وتشير البيانات الأولية إلى أن مسارات الدماغ الشمية في القطط قد تكون أكثر منها في الكلاب.