يعتبر الدجاج اللاحم من المكونات الأساسية للمائدة الغزاوية، خاصة في أيام الجمعة والإجازات، وهو الحاضر في معظم المناسبات، كما يتربع على قائمة المأكولات في المطاعم، حيث يبلغ متوسط استهلاك قطاع غزة من الدجاج اللاحم وفق البيانات المنشورة من وزارة الزراعة حوالي 2 مليون دجاجة شهرياً، يرتفع هذا الاستهلاك في شهر رمضان ليتجاوز 3 مليون دجاجة، ويتقلص إلى 1.5 مليون دجاجة في قبيل عيد الأضحى والأيام التي تليه، وتعتبر سلعة الدجاج اللاحم سلعة حساسة للطلب ولمدخلات الإنتاج.
وقد شهد قطاع الدجاج اللاحم في قطاع غزة منذ بداية هذا العام أزمتين، أما الأزمة الأولى فكانت في شهر رمضان (إبريل 2022)، وقد ظهرت بسبب نقص الكميات المعروضة من الدجاج اللاحم، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الدجاج اللاحم، وأما الثانية فجاءت في أعقاب عيد الأضحى المبارك (يونيو 2022)، وتستمر إلى يومنا هذا بسبب زيادة الكميات المعروضة من الدجاج اللاحم والتي أدت لانخفاض الأسعار. وسنقوم في هذا المقال بالحديث عن أسباب ارتفاع وانخفاض أسعار الدجاج اللاحم، وكذلك عن ثلاث مسارات ستساهم في خلق التوازن في سوق الدجاج اللاحم.
بدايةً تعود الأزمة الأولى في سوق الدجاج اللاحم بشكل أساسي إلى انتشار مرض انفلونزا الطيور بين أمهات البيض المخصب في دولة الاحتلال وبعض الدول الأوروبية بداية هذا العام، حيث يستورد قطاع غزة البيض المخصب من هذه الدول، وقد بلغ في يناير كمية البيض المخصب حوالي 2.2 مليون بيضة مخصبة بعجز بلغ 26.7%، وفي فبراير حوالي 2 مليون بيضة مخصبة أي بعجز بلغ حوالي 33.3%، حيث يكون الفرق الزمني بين إدخال البيض المخصب وتسويقه كدجاج لاحم حوالي شهرين، أي تستطيع وزارة الزراعة التنبؤ بحدوث الأزمة واتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل التخفيف من آثارها، ولكن شهد شهر فبراير ومارس 2022 تضارب في التصريحات من قبل وزارة الزراعة حول الأزمة والتنبؤ بحدوثها، وحصل تأخر في اتخاذ إجراءات للتخفيف من الأزمة والمتمثلة في منح أذونات استيراد للدجاج المجمد من الخارج.
حيث ارتفع سعر كليو الدجاج اللاحم ريش من 11 شيكل إلى 17 شيكل بنسبة زيادة وصلت 54.5%، وقد ترافق هذا الغلاء في السعر مع بداية شهر رمضان المبارك، وتساهم الأسعار المرتفعة في تحقيق أرباح كبيرة لمربي الدجاج، بينما تستنزف دخل المستهلكين.
ومن جانب آخر فإن الحرب الروسية الأوكرانية ألقت بظلالها على ارتفاع أسعار الشحن البحري وارتفاع أسعار مدخلات إنتاج الدجاج اللاحم، خصوصاً سعر الصوص وسعر الأعلاف، وقد ارتفع سعر الصوص من 2.5 شيكل إلى 5 شواكل، وارتفع سعر العلف بنسبة تتراوح بين 40% و45%، وارتفع سعر الأدوية بنسبة تتراوح بين 20-و30%، وسعر نجارة المزارع ارتفع بنسبة 100%.
أما الأزمة الثانية في سوق الدجاج اللاحم فقد تسبب بها زيادة كميات الدجاج المعروضة في السوق حيث تم إدخال كميات تزيد عن 3 مليون بيضة مخصبة في شهر مايو، يونيو، ويوليو 2022 م، وقد تسبب ذلك بإنخفاض سعر الدجاج اللاحم ريش إلى 8 شيكل، مما أدى إلى خسارة معظم مربي الدجاج وخاصة صغار المربين، حيث تبلغ تكلفة كيلو الدجاج في المزرعة حوالي 9 شواكل نتيجة لغلاء مدخلات الإنتاج في أعقاب الحرب الروسية الأوكراني كما ذكرنا سابقاً، وتعتبر الأسعار المنخفضة خسارة لمربي الدجاج وخاصة الصغار منهم، ومناسبة للمستهلكين، وكان بإمكان وزارة الزراعة إتخاذ إجراءات تتعلق بتحديد كميات البيض المخصب المدخلة إلى قطاع غزة من أجل الحفاظ على التوازن في السعر وحماية صغار المربين من الخسارة القاسية.
وعليه ولأجل عودة الاستقرار إلى سوق الدجاج اللاحم نقترح على الجهات الحكومية في قطاع غزة وضع سياسات تساهم في استقرار سوق هذه السلعة من خلال ثلاث مسارات، المسار الأول من خلال ضبط كميات البيض المخصب المدخلة إلى قطاع غزة، وقد أكد ذلك حديث الخبراء ومنهم الدكتور سعود الشوا الطبيب البيطري الاستشاري المشرف على مزارع الدجاج اللاحم في قطاع غزة، حيث قال "أننا يجب أن نسعى إلى تحقيق الأمن الغذائي للمواطن والوصول إلى السعر العادل بين المنتجين والمستهلكين، وأن لا يكون ذلك على حساب المربين الغلابة في قطاع غزة، والمطلوب من الإدارة العامة للخدمات البيطرية وصحة الحيوان في وزارة الزراعة الفلسطينية بغزة بالتنسيق مع الإدارة العامة للتخطيط والسياسات في نفس وزارة الزراعة الفلسطينية بغزة العمل على ضبط أذون استيراد البيض المخصب للتفقيس المستوردة بكميات مناسبة لكل موسم طول العام وأخذ العبرة من السنوات السابقة لمنع الأزمات المتكررة في قطاع الدواجن واحداث التوازن المطلوب".
أما المسار الثاني يتعلق بمنع احتكار كبار التجار لهذه السلعة في أوقات الأزمات، كما يرد على لسان معظم مربي الدجاج اللاحم، وما ورد في وقت سابق على لسان رئيس نقابة مربي الدجاج في غزة أن "المزارع البسيط يعاني في الحصول على الصوص ويحتاج مدة 20 يومًا للحصول على ألف صوص، فيما يحصل التجار الكبار على 30 ألف صوص خلال أسبوع واحد فقط، محذرًا من انعكاس هذه السياسة على أسعار الدواجن، بفعل احتكار كبار التجار".
والمسار الثالث يتعلق بقيام وزارة الزراعة بحوسبة بيانات مزارع تربية الدجاج اللاحم والعاملين في هذا المجال من المربين، من أجل العمل على حماية صغار مربي الدجاج وتعويضهم في أوقات الأزمات، لأن البيانات المحوسبة ستساهم في التخطيط المستقبلي لإدارة وتنظيم هذا القطاع.
خلاصة القول إن قطاع تربية الدجاج اللاحم في قطاع غزة بحاجة إلى تعزيز الرقابة، والتنظيم الإداري، التخطيط المسبق، وضبط الإنتاج من أجل الوصول إلى السعر العادل بين المنتجين والمستهلكين.