بعد نحو 10 سنوات على أول هجوم إلكتروني نفذته المقاومة الفلسطينية في غزة ضد أهداف إسرائيلية، كشفت "كتائب الشهيد عز الدين القسام"، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، عن وحدة إلكترونية متخصصة بتنفيذ هجمات سيبرانية ضد إسرائيل.
وجاء الهجوم الالكتروني الأول لكتائب القسام خلال ما أسمتها "معركة حجارة السجيل" ردا على العدوان الإسرائيلي عام 2012، ونجحت من خلاله في اختراق أكثر من 5 آلاف هاتف نقّال لضباط وجنود في جيش الاحتلال، وشكّل هذا "النواة الأولى" للوحدة الإلكترونية التي تحيطها بسرية كبيرة.
وفي حينه، كان هذا الهجوم، والذي صاحبه اختراق قناة تلفزيونية إسرائيلية وبث رسائل تهديد باللغة العبرية، نقطة تحول مهمّة. ويقول مصدر أمني في المقاومة إنه أدخلها وفي المقدمة منها كتائب القسام مجال "الحرب السيبرانية" التي تندرج في إطار "صراع الأدمغة" المتنامي، وقد حققت نجاحات ملموسة، رغم ضعف الإمكانيات مقابل ما تتمتع به إسرائيل من تقدم تقني هائل.
ويُنسب الفضل في تأسيس هذه الوحدة وتطوير عملها للشهيد جمعة الطحلة، الذي اغتالته إسرائيل خلال معركة "سيف القدس" في مايو/أيار 2021، وأعلنت في حينه أنه قائد الأمن السيبراني في حماس، وأن الهدف ضرب قدراتها في الهجمات الإلكترونية.
وجاء تأسيس هذه الوحدة لينظم الهجمات التقنية للمقاومة، ويزيدها تطويرا وخاصة في توظيف المعلومات، سواء لجهة العمليات الهجومية الميدانية أو لإحباط عمليات العدو، بحسب المصدر الأمني الذي تحدث للجزيرة نت.
وقال إن عماد هذه الوحدة يقوم على مهندسين ومبرمجين وتقنيين ومختصين في أمن وتكنولوجيا المعلومات، وهم من "العقول" التي توظف علمها في خدمة مشروع المقاومة، والتي تعمل على مدار الساعة من أجل تغذية "بنك معلومات المقاومة" لكشف وإحباط مخططات الاحتلال.
وفي يوليو/تموز الماضي، كشفت إسرائيل عن آخر محاولات "الوحدة السيبرانية" في كتائب القسام، وبحسب الناطق باسم جيش الاحتلال، فإن "الفترة الماضية شهدت محاولات متكررة من حماس لاختراق هواتف جنود في الجيش، بواسطة حسابات مزيفة تحاول إقناع الجنود بتحميل تطبيقات ألعاب من شأنها أن تتحكم بشكل كامل بالهواتف".
وفي حينه، زعم الناطق الإسرائيلي إحباط هذه المحاولة، فيما اعترف الاحتلال في مرات سابقة بنجاح كتائب القسام في اختراق هواتف والتنصت على اتصالات ضباط وجنود إسرائيليين.
"سراب" هو الاسم الذي أطلقته كتائب القسام على واحدة من أهم عملياتها الأمنية، والتي دارت أحداثها بين عامي 2016 و2018، ونجحت في اختراق محكم لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي، وإحباط محاولته تجنيد عميل للتجسس وإرباك المنظومة الصاروخية والأمنية للمقاومة.
ووفقا لما كشفت عنه كتائب القسام، أعدت آنذاك خطة كاملة لخداع استخبارات الاحتلال، ونجحت في الحصول على أسماء ضباط إسرائيليين مسؤولين عن متابعة غزة في جهاز الأمن الداخلي (الشاباك)، عبر رصد مكالمات هاتفية. فضلاً عن مصادرة مضبوطات تقنية أرسلها لـ"العميل المفترض" الذي كان يتلقى أوامر ويتم توجيهه من قبل "أمن المقاومة" لتضليل العدو، وقد وثقت الكتائب "تسجيلا صوتيا يظهر صدمة الضابط الإسرائيلي المشغل عند معرفته بازدواجية المصدر".
وكشفت هذه العملية للمقاومة طرق وآليات العمل الأمني والاستخباري الإسرائيلي في تجنيد عملاء جدد داخل غزة، والمهام المطلوبة منهم، بحسب المصدر الأمني.
وقال المصدر "إن مثل هذه العمليات الناجحة تجفّف منابع المعلومات للاحتلال، وتحمي ظهر المقاومة، وتُؤَمِّن الجبهة الداخلية، بما يحقق المناخ المناسب لتطوير قدارت المقاومة أمنيا وعسكريا وفي مجالات أخرى".
وكرأس حربة المقاومة في غزة، وأكبر الأذرع العسكرية وأكثرها عدة وعتادا، تتمتع كتائب القسام بدرجة عالية من السرية والكتمان، ولا تكشف -غالبا- عن كل عملياتها ضد الاحتلال، بما فيها تلك التي تندرج في سياق "الحرب الإلكترونية"، إلا في النطاق الذي تسمح به الظروف وأهداف النشر.
وفي هذا السياق، كشفت كتائب القسام عن نجاحها خلال المعركة التي سمتها "العصف المأكول" ردا على العدوان الإسرائيلي عام 2014، في اختراق منظومات مدنية وعسكرية إسرائيلية، منها البث الفضائي والإذاعي لقنوات وإذاعات عبرية، وهواتف وحسابات بريد إلكتروني والحصول على معلومات مهمة.
وخلال تلك المعركة، التي يطلق عليها الاحتلال "عملية الجُرف الصامد"، اعترفت إسرائيل بمحاولة كتائب القسام اختراق منظومة السفن الحربية، والوقوف خلف هجمات "سايبر" استهدفت منظومات حيوية.
وفي حينه، قالت وسائل إعلام عبرية إن حماس أوقعت بعدد من جنود الجيش عبر حسابات وهمية، وحصلت بالفعل على معلومات مهمة تتضمن صورًا لقواعد عسكرية من خلال التنصت على الاتصالات.
ونقلت عن أحد هؤلاء الجنود اعتقاده أنه وقع في حب فتاة برازيلية، وكشف لها أسراره، حتى أدرك في نهاية الأمر أنها ليست إلا عنصرا من حماس في غزة.
ولاحقا، كشفت كتائب القسام عن بعض تفاصيل هذه العملية، وهي واحدة من أبرز هجماتها "السيبرانية"، واصطلح على تسميتها بـ"كمين حسناوات حماس". وقالت إن القائد المهندس سامي رضوان، الذي اغتالته إسرائيل خلال معركة "سيف القدس"، وقف خلف هذا الكمين.
وبحسب ما سمحت الكتائب بنشره، فإن المعلومات التي حصل عليها رضوان أسهمت في رسم الخطط وغيّرت الكثير من وسائل الصراع مع الاحتلال، فضلاً عن دوره الكبير في تأسيس شبكة الاتصالات العسكرية الداخلية، وحمايتها من الاختراق.
واعترفت إسرائيل غير مرة خلال الحروب على غزة بأن مئات الإسرائيليين تلقوا رسائل تهديد على هواتفهم النقالة تحمل توقيع كتائب القسام، ومن بينهم وزراء وأعضاء في الكنيست وضباط وجنود في الجيش.
ووفق المتحدث باسم "حماس" حازم قاسم، فإن ذراعها العسكرية "كتائب القسام" حققت نجاحات وانجازات لافتة في "حرب السايبر"، وهي جزء من معركة الاستخبارات المتبادلة مع دولة الاحتلال.
وقال قاسم للجزيرة نت إن الشهيد جمعة الطحلة كان له دور مركزي كبير في تطوير العمل المقاوم، خاصة في المجال الإلكتروني، وأثبت أن "العقل الاستخباري والأمني للمقاومة قادر على إلحاق الهزائم بالعدو".
وتُنظم كتائب القسام يوم غد الخميس في غزة حفلا بعنوان "مداد الوفاء"، تكشف خلاله السيرة الجهادية للشهيد الطحلة، ودوره في تأسيس الوحدة الإلكترونية.
وقال قاسم إن هذه الوحدة كان لها دور بارز خلال معركة "سيف القدس"، وكشفت عن مخططات إسرائيلية تستهدف ما يسميه الاحتلال "مترو حماس"، فضلاً عن إحباطها محاولة الخداع بعملية برية، كان الغرض منها استهداف المقاومين داخل الأنفاق.
بدوره، قال الخبير الأمني الدكتور إبراهيم حبيب -للجزيرة نت- إن المقاومة استطاعت بالاعتماد على عقول فلسطينية وبأقل الإمكانيات أن "تخترق الحواجز الإلكترونية للاحتلال رغم تفوقه الكبير في هذا المجال".