21.7°القدس
21.43°رام الله
21.05°الخليل
25.91°غزة
21.7° القدس
رام الله21.43°
الخليل21.05°
غزة25.91°
الإثنين 07 أكتوبر 2024
5جنيه إسترليني
5.38دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.19يورو
3.81دولار أمريكي
جنيه إسترليني5
دينار أردني5.38
جنيه مصري0.08
يورو4.19
دولار أمريكي3.81

خبر: بين غزة قبل وبعد استشهاد الجعبري

لقد عاشت غزة هاشم ما لا تحتمله الجبال من آلام الحصار وضرب النار، وإذا كان الشيء من معدنه لا يستغرب فأن يقوم الكيان الصهيوني بضرب غزة مرارا فقد أُخرج من غزة مقهورا يجر أذيال الهزيمة بعد أن لقي ضربات نافذة من الاستشهاديين والمقاومين وأطفال الحجارة الذين كانوا يواجهون الدبابة وعساكرها بالحجارة التي كانت تخرج من قلب امتلأ شجاعة وحمية على أرضه وعرضه، لكن المرارة الحقيقية أن تقوم الأنظمة العربية المجاورة بإنهاك المقاومة، وتجيِّش إمكانات وأموال ومواد بترولية عربية لخدمة المشروع الصهيوني، وثمة جرائم لن ينساها التاريخ حيث عُذِّب قادة المقاومة في سجون أنظمة عربية تشيب له الولدان، حتى قتل بعضهم على أيدي عصابات أمن الدولة والمخابرات كي ينتزعوا الاعترافات وتقدم رخيصة إلى الكيان الصهيوني وخدمة للبلاط الأمريكي، ولكن مصر تغيرت بفضل الله ثم بسبب هذه المظالم المتراكبة المتعاقبة، وجاء الدكتور محمد مرسي رئيسا لمصر وقد كان مسؤولا يوما ما عن ملف القضية الفلسطينية كلها فيعرف أصولها وفروعها وآلامها واحتياجاتها، ودعا قيادة حماس والحكومة الفلسطينية المنتخبة لأول مرة إلى القصر الجمهوري ليتحقق العدل بين لقاء القيادة المنتخبة في غزة وغير المنتخبة في رام الله، لكن حدة المرارة تتضاعف من النظام المصري السابق عندما حوَّل الغاز المصري الذي يحتاجه الشعب إلى سلعة رخيصة تقدم للصهاينة بسعر أرخص من الشعب المصري الذي يحتاج لكل نقطة غاز، لكن صلف وجهل وظلم وطغيان الأنظمة العربية جعلهم يحرمون شعوبهم وجيرانهم في فلسطين من الغاز والبترول وعوائده ويقدمون الأموال والمواد البترولية لعدونا فتشتغل بها المجنزرات والطائرات والمحركات القاتلة لإخواننا في فلسطين، والتي تحفر الأنفاق تحت المسجد الأقصى، وتشغّل أجهزة التكييف لقيادات وشعب بني صهيون في الوقت الذي مات فيه أكثر من مائتي مريض في مستشفيات غزة بسبب توقف أجهزة الإنعاش وغسيل الكُلى والأكسجين. أما ثالثة الأثافي فإعلان قرار ضرب غزة من القاهرة في مؤتمر صحفي ضم "ليفني" وأبو الغيط في تراجع غير مسبوق لدور مصر فتحولت حربا وقسوة على الأصدقاء وسِلما وخضوعا للأعداء، وظلت دول الجوار في ضرب غزة في 2009م تحكم الحصار وتشدِّده حتى لا يخرج مريض للعلاج، ولا يدخل طبيب إلا بشق الأنفس، ومنعت المساعدات إلا ماندر تحت ضغوط عالمية، بل سُلِّمت بعض المواد الإغاثية الخاصة بغزة إلى الكيان الصهيوني، وتم احتجاز أطعمة حتى فسدت وتعفنت عند معبر رفح. أما غزة اليوم بعد استشهاد الجعبري فقد زرتها هذا الأسبوع على رأس قافلة من المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية يزيد على 250 من كبار علماء الأزهر وأئمة وزارة الأوقاف والمفكرين ورؤساء أحزاب وقادة المدارس والتيارات الإسلامية وخيرة الشباب والفتيات من حركة أمناء الأقصى، وقام قرابة المائة من الأئمة والدعاة بالانتشار في قطاع غزة لإلقاء الدروس بين المغرب والعشاء وخطب الجمعة، وهو أكبر وأول وفد بهذا الحجم من العلماء وقادة التيارات الإسلامية، ووجدنا على الأرض ما طمأن القلب وشرح الصدر على المستوى الداخلي في غزة، فقد تحدوا الحصار وضرب النار معا، أما مقاومة الحصار فقد زرعوا مليون نخلة ومليون شجرة زيتون، وعمروا الأماكن التي كان يحتلها الكيان الصهيوني وسمّوها المحررات، وصار عندهم اكتفاء بفضل الله تعالى في الخضروات والفواكه والموالح واللحوم البيضاء، وعلى ضوء الشموع وفي الخيام علَّموا الأطفال والشباب والفتيات تعليما رفيع المستوى فصارت غزة المنطقة الوحيدة في العالم العربي التي لا يوجد فيها أميٌّ واحد، وصار ترتيب جامعاتهم في الصدارة من الجامعات في العالم الإسلامي كله، في الوقت الذي ترك لنا النظام السابق الأمية في مصر بنسبة %30، وكثير من الدول العربية ليست أحسن حالا من مصر، وفي الوقت الذي ارتفعت فيه نسبة العنوسة والطلاق معا في أكبر تهديد لأركان الأسرة في العالم العربي حتى وصلت في إحدى الدول العربية إلى 46%، فإن حالات العنوسة تساوي صفرا في غزة، والطلاق لا يزيد على 1%، وفي الوقت الذي تتضاعف الجرائم وينعدم الأمن في عواصم عربية كبرى، صارت غزة أقل المدن العربية في الجرائم، وأستطيع أن أقول بيقين وقد عشت شهر رمضان في غزة وشعرت بالأمن والأمان أكثر من أية عاصمة أو مدينة في العالم زرتها أو عشت فيها، وقد قال دولة رئيس الوزراء إسماعيل هنية: "يستطيع أي إنسان رجل أو امرأة أن يتمشى في جوف الليل في قطاع غزة دون أن يصاب بمكروه، أو يتعرض له أحد بسوء، وليس من تهديد أمني إلا من جهة الكيان الصهيوني"، ولقد حوَّل رجال غزة وحكومتها الراشدة الأنقاض الهائلة من القصف للبيوت والمساجد إلى مواد لرصف الطرق ولإعادة البناء بقدر الوسع، وقد رزق الله غزة بخصوبة الأرض إنتاجا، وخصوبة الأسرة أولادا، فوزير الداخلية عنده - ما شاء الله - 22 ولدا، ورئيس الوزراء - ما شاء الله - عنده 14 ولدا، وهناك شباب يزيدون عن 960 ألفا ولدوا مع الانتفاضة، وأكبر نسبة شباب في أي تجمع ديموغرافي في العالم يوجد في غزة حيث تئن الدول الغربية من زيادة أعداد كبار السن، وندرة الإنجاب، وقلة الشباب، مما ينذر بانهيار حملة استكمال البناء الحضاري الغربي ليعود إلى الشرق بإذن الله تعالى على أيدي الشباب. هذا في الجانب المدني أما فيما يتعلق بالجانب العسكري فعندما قرر نتنياهو وحكومته – عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة – أن يضربوا غزة في فبراير الماضي 2012م فقد ظنوا كما ظنوا من قبل في ديسمبر 2008م أنها ستكون ضربة سريعة قاصمة، لكنها بفضل الله ومنّته ارتدت عليهم أكثر مما توقعوا جميعا، حيث تم ضرب تل أبيب لأول مرة من العمق الفلسطيني وسقطت صواريخ حماس وفصائل المقاومة على بعد 200م من وزارة الدفاع الصهيونية، وصواريخ أخرى على بعد 300م من الكنيست الصهيوني، وتم اختراق الحواجز والقبة الحديدية، كل هذا في أقل من 12 ساعة من استشهاد الجعبري، والأعجب اصطياد الطائرات الصهيوأمريكية على أرض غزة، وضرب السفن الحربية في بحر غزة، ورحبوا بشدة بأن يدخل الجنود الصهاينة برا ليحصدهم أشاوس المقاومة في غزة حصدا، بل حزن شباب المقاومة البرية حزنا شديدا لأنهم ظلوا أياما ينتظرون حسم المعركة البرية ليكون لهم شرف قتل الصهاينة المعتدين لكن معركة الصواريخ جعلت القادة والشعب الصهيوني يرمون البنادق، ويدخلون الخنادق، ويتركون الفنادق، ويرتعشون خشية المارد الفلسطيني الذي يتحرق شوقا إلى رد العدوان من جميع فصائل المقاومة الذين ضربوا أعظم المثل في التجرد والتعاون، واليوم وما أدراك ما اليوم هناك مشروع تجتمع عليه فصائل المقاومة جميعها وهو مشروع تحرير كل التراب الفلسطيني، وأحب أن أرتبه وفقا للأولويات تحت هذا العنوان الذي أردده دائما: "تحرير الأسرى والأقصى والقدس وفلسطين"، وسيفاجئ العدو بأن الزمام لم يعد بيده، وأن قرار الحرب لن يبدأ من عنده، وأنه لو بقيت فيهم بقية من عقل أو خوف على حياة أن يرحلوا، قال تعالى: (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ) (البقرة: من الآية 96)، وقال تعالى: (وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ) (البقرة: من الآية 96). أو بالأحرى: الآن نغزوهم ولا يغزوننا. وإنني من هنا أقول إن زيارتنا لغزة بعد استشهاد الجعبري قربت عندي المسافة بين القاهرة والقدس والعواصم العربية وفلسطين وشباب وعلماء الأمة ومعركة التحرير، وأحسبها ستكون أسرع مما يقدره علماء ومستشارو عالم الشهادة إلى قوم يؤمنون بالغيب أكثر مما يؤمنون بالشهادة، ويعشقون الشهادة في سبيل الله أكثر مما يعشق بنو صهيون الحياة. وأخيرا أقول ما قاله سبحانه: "أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ" (البقرة: من الآية241)، فاستعدوا (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) (الأنفال: من الآية60).