لن ينجو الإنسان من الموت، حتى ولو أغمضت عينيه عن الرشاش الذي يطلق النار عليه، والرشاش الصهيوني المتدين معبأ بالأحقاد، وجاهز لإطلاق نيرانه على الفلسطينيين، دون تمييز بين فلسطينيي النقب وفلسطينيي الضفة الغربية، ولا يعترف بالمسافات الفاصلة بين فلسطينيي غزة وفلسطينيي الشتات، ولا يؤمن بتقسيمات أوسلو لمناطق الضفة الغربية، الصهيونية الدينية ترى أرض فلسطين وحدة واحدة، لا يصح أن يعيش عليها غير من آمن باليهودية دينًا، وبالأرض الفلسطينية وطنًا خالصًا لليهود.
وليس مهمًّا ازدياد النسبة المئوية لأنصار الصهيونية الدينية داخل المجتمع الإسرائيلي، المهم هو تنامي التطرف، وهذا الانزياح المتصاعد في التفكير الجمعي الإسرائيلي باتجاه هذه القناعات المتطرفة، التي يجري العمل على تسويقها في الداخل والخارج، وفرضها واقعًا سياسيًّا، يقوم على تمزيق الشعب الفلسطيني إلى شعوب وقبائل، تتصارع فيما بينها، وتعيش في حالة اشتباك دائم مع بعضها بعضًا، ليظل اليهودي البولندي والأمريكي والروسي والإثيوبي يحمل هوية وطن واحد، يخلو من الغير.
إنها المعركة المصيرية التي يخوضها مجمل الشعب الفلسطيني، فإما أن يكون صاحب الأرض، وإما أن تكون الصهيونية الدينية المتطرفة صاحبة القرار، إنها المعركة المصيرية التي لا تنحصر على بقعة جغرافية واحدة من أرض فلسطين، وتتمتع بقيادة مستقلة عن بقية المناطق، فالصهيونية الدينية تنظر إلى كل الأرض الفلسطينية على أنها وحدة جغرافية وسياسية واحدة، لا يجب أن يعيش فوقها إلا اليهودي، وأن الفرصة مواتية للحسم، حسم الصراع مع الفلسطينيين نهائيًّا لصالح المشروع الديني الصهيوني، ولا يتحقق ذلك إلا بضم أرض الضفة الغربية إلى (إسرائيل)، مع تنقية دولة (إسرائيل) نفسها من المواطنين العرب، وتجاهل غزة، وإخراجها عن دائرة الفعل.
الكاتب الإسرائيلي آفي رام تسورف فضح هذه الحقيقة، حين قال: إن صعود قوة الصهيونية الدينية والفئات الاجتماعية التي تمثلها، يعد تحولًا في توازنات القوة داخل مجتمع المستوطنين، والتي تميل إلى تطبيق خطة الحسم، لذلك تصر قيادة كتلة الصهيونية الدينية على تولي وزارات الأمن والإسكان والمواصلات، والتركيز على ثلاث مناطق جغرافية، تشكل مسرحًا لهذه التحولات، وهي مناطق المستوطنات في الضفة الغربية والقدس، ومنطقة الجليل، ومنطقة النقب.
فهل ستكون البداية منطقة النقب؟ إذ شُكِّلت ميليشيا يهودية تحمل اسم "بارئيل" مدعومة من رئيس بلدية بئر السبع، ومن قائد الشرطة في المنطقة الجنوبية، ميلشيا مسلحة مهمتها إشعال الحريق تحت أقدام عرب النقب، بحجة فرض النظام وسلطة القانون وإنقاذ النقب من مشكلة انعدام الأمن الشخصي.
ميليشيا (بارئيل) في النقب حملت اسم القناص الإسرائيلي بارئيل شموئيلي، الذي قتل برصاصة أطلقها عليه شاب من غزة عبر فتحة في الجدار الإلكتروني، وهذه التسمية دليل على وحدة المعركة بين الفلسطينيين كلهم، سواء كانوا في النقب أو في غزة، أو في الجليل والخليل.
وحدة المعركة تفرض التقاء القيادات الفلسطينية أينما وُجِدت، لترسم معًا إستراتيجية عمل موحدة، فالعدو الذي توحد على هدف واحد، لا يمكن أن يجابه إلا بقيادة موحدة، قيادة فلسطينية تضم كل التجمعات الفلسطينية، هدفها الدفاع عن كل أرض فلسطين، ولا تأخذ بالتقسيمات المناطقية التي فرضها الاحتلال الإسرائيلي، ولا تعترف بالأسيجة والجدران التي أقامها الإسرائيليون حول التجمعات الفلسطينية.