يبدو أن هناك حالة من الاستغراب أو محاولة للطعن في المواقف واعتبار موقف الرافضين للتوجه إلى الأمم المتحدة يتساوق مع الموقف الإسرائيلي والأمريكي، علماً أن هؤلاء المشككين يعلمون علم اليقين أن هناك فرقاً شاسعاً بين موقف المعارضين وموقف أمريكا و(إسرائيل) المعارض للتوجه إلى الأمم المتحدة. فإذا علمنا أن السيد محمود عباس وفريق سبتمبر ينطلقون في توجههم وتأييدهم لهذا التوجه من منطلق الاعتراف بـ(إسرائيل) اعترافاً شرعياً بأحقيتها في الوجود على حساب الأرض الفلسطينية وعلى حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه وثوابته، وهم لا يعارضون مبدأ تقسيم فلسطين إلى دولتين واحدة للفلسطينيين على حدود عام 67 مع تبادل أراضٍ مع الاحتلال الإسرائيلي مقابل الاعتراف بـ(إسرائيل) على حدود ما بعد عام 67 اعترافاً لا بفعل الأمر الواقع؛ ولكن اعتراف موقع في أكبر المحافل الدولية وعلى رؤوس الأشهاد. ولكن الرافضين للتوجه إلى الأمم المتحدة بطريقة محمود عباس يرون أن (إسرائيل) غير شرعية وأن وجودها هو بفعل الأمر الواقع وأن هذا الوجود هو وجود مؤقت لا يمكن أن يعترفوا به أو يقروه لأنهم يرون أن فلسطين كل فلسطين هي للشعب الفلسطيني وأن من حقه إقامة دولته على كامل ترابه لا أن يتقاسموا وطنهم مع قوة غاصبة غاشمة وجدت نتيجة حالة الضعف العربي وقرارات الأمم المتحدة غير الشرعية والتي لا يحق لها أن تنزع أراضي لشعب موجود منذ عشرات القرون وضاربة جذوره في أعماق الأرض والتاريخ ومنحها لمغتصب لا وجود له ولا حق له في الأرض الفلسطينية. هذا هو الفرق بين قبول ورفض الفلسطينيين للتوجه إلى الأمم المتحدة، وهناك أيضا فرق بين موقف الرافضين والموقف الأمريكي والإسرائيلي، الموقف الأمريكي يرى توجه الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة فيه سحب للبساط من تحت أقدام الإدارة الأمريكية التي استحوذت على الورقة الفلسطينية سنوات طويلة، وأن التوجه يعني تدويل القضية الفلسطينية ووقف الهيمنة الأمريكية التي قال يوماً فيها السادات الرئيس المصري الأسبق أن 99% من أوراق القضية هي في يد الإدارة الأمريكية أكذوبة مازلنا منخدعين بها، وهذا السحب لهذه الورقة فيه ما يكسر هيبتها لذلك هي ضد التوجه إلى الأمم المتحدة، وأن توجه الفلسطينيين دون إذن مسبق فيه كسر لقواعد اللعبة السياسية في منطقة الشرق الأوسط والتي لم يأت دورها. (إسرائيل) وهي ترفض توجه الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة هي تخشى أن يفرض عليها حل الدولتين وفق قاعدة حدود عام 67 وهي لا تريد أن يكون للفلسطينيين دولة لا على حدود 67 أو على أقل من حدود 67 خارج عن رؤيتها للدولة الفلسطينية وفق ما يخدم مصالحها الأمنية والسياسية. أمام ذلك نجد أن هناك فرقاً بين فريق المؤيدين لـ (سبتمبر) والرافضين، وأساس هذا الرفض هو الاعتراف أو عدم الاعتراف بـ(إسرائيل)، ومبدأ التنازل والتفريط وعدم التنازل والتفريط في فلسطين كأرض فلسطينية خالصة لا يجوز لها أن تقسم أو تمنح لغاصب، وبين من لا يرى أي إشكالية في ذلك ويريد أن يمنح (إسرائيل) حقاً في الوجود لا يملكه هو ولا تستحقه هي. ونختم لنؤكد أن خطاب عباس لم يكن مقنعا ولم يحمل جديدا سوى تحديد الوجهة إلى مجلس الأمن المحكوم مسبقاً بالفيتو الأمريكي أو ممارسة الضغط على دول مجلس الأمن من أجل رفض طلب التوجه الفلسطيني للحصول على دولة من خلال قرار لمجلس الأمن عبر تحشيد تسعة أعضاء من أصل خمسة عشر ضد القرار منعا للإحراج، والنتيجة زوبعة إعلامية وشجب واستنكار لن يقدم كثيراً أو يؤخر ثم تكون المفاوضات على الطاولة الإسرائيلية ووفق رؤية نتنياهو لدولة فلسطينية محدودة الصلاحيات منزوعة السيادة تشكل حماية لأمن الاحتلال ومستوطناته.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.