رئيس وزراء مُزمن لخمسة عشر عامًا على مرحلتين، وانتخابات برلمانية خامسة في غضون 3 أعوام ونيّف، وحكومة سادسة، وفصول الصدع مستمرة والمخفيُّ أعظم.
عواصف لا تنتهي بدأت تهُب، تَتَسارع آثارها العنيفة على حكومة نتنياهو، التي من المفترض أن تقدم إلى الكنيست اليوم الخميس الساعة الحادية عشرة صباحاً.
ردود الفعل بدأت داخل الكيان منذ بدأ نتنياهو مشاوراته الماراثونية الصعبة لتشكيلها، مستندًا فقط إلى ائتلافه اليميني المتطرف الفاشي والصهيونية الدينية، ودون تحالفات عريضة تضمن استقرارًا نسبيًا للحكومة، ما أثار حُلفاء (تل أبيب) في الولايات المتحدة الأمريكية، والغرب الأوروبي، إلى جانب موجات متلاحقة من التنديد، والاستنكار، والتحذير من مخاطر برامج هذه الحكومة من العديد من الدول على المستويات الرسمية والشعبية.
في الداخل المُحتل من الوطن الفلسطيني، يُعرب قرابة نصف التجمع الاستيطاني عن مخاوفهم من تشكيل الحكومة اليمينية الجديدة، وذلك في استطلاع جديد للرأي العام، الذي أعدَّه معهد " ميدغام "، ونشرت القناة "12" العبرية نتائجه، وهي: أن 40% يشعرون بالخوف بعد تشكيل الحكومة اليمينية، في الوقت الذي أعرب 40% آخرون عن تأييدهم لها، وأنها ستُطوِّر المشروع الصهيوني.
كما أعدت القناة تحليلًا وجدت فيه أن 72% منهم محسوبون على المعسكر المعارض لنتنياهو من اليسار والوسط ومن المواطنين الفلسطينيين في الداخل المحتل، وشعر 11% من أنصار معسكر نتنياهو نفسه بالخوف أيضاً.
وبشأن سؤال عن مدى رضا التجمع الاستيطاني عن الحكومة الموغلة في التطرف، أعرب 51% عن عدم رضاهم عنها، وذلك مقابل 43% أبدوا رضاهم.
والحكومة الأكثر يمينية منذ النشأة غير الشرعية للكيان عام 1948م تضم إلى جانب الليكود 4 أحزاب شكلت فيما سبق "تكتل اليمين"، وتمكنت من إفشال أي فرصة لقيام حكومة وسط أو يسار قابلة للحياة حين رفضت موحدة الانضمام لها.
ويضم التحالف بشكل رئيس: أحزاب المستوطنين "الصهيونية الدينية" بزعامة سموتريتش، و"القوة اليهودية" بزعامة إيتمار بن غفير، إضافة إلى حزبي "يهدوت هتوراة"، و "شاس"، وهما حزبان متدينان يُعدان من الحلفاء التقليديين لنتنياهو.
ويُقَدِّرُ مختصون أن حكومة نتنياهو لن تصمد طويلًا تحت وطأة عديد من العقبات التي تواجهها، وفي جوهرها الخطط العنصرية لوزرائها المتطرفين، ولرئيسها الغارق في الأزمات السياسية والقضائية.
ويشير الإعلام العبري إلى بعض آليات تعامل "الشاباك" هذه المرّة مع الإرهاب اليهودي، الذي ستقوده الحكومة نفسها، حتى أن وزير الجيش بيني غانتس لَمَّح بذلك، عندما قال: "نحن نواجه خطرًا في أن يتحول الجيش إلى مرتزقة، بما يُعدُّ تهديدًا أمنيًا إستراتيجيًا لوجود الكيان".
وأضاف غانتس: "إن تداخل المسؤوليات، وتجزئة المهام بين الوزراء ونوابهم، وتعدد القادة، سيخلق ازدحامًا عند المُدّعي العام، وسيطلب حينها من المستشار القانوني البت في حَلّ النزاعات بين السلطات".
تناقضاتٌ سَتُشعِلُ معارك التنافس للاستيلاء والهيمنة، لحكومة مصالح جُلّ هَمّ رئيسها الهروب من محاكمات الفساد الذي سَقَطَ في مُستنقعه حتى أُذنيه.
وجاء تصريح وزير المالية المُنتهية ولايته أفيغدور ليبرمان لِيَصُبَّ الزيت على النار، الذي قال لصحيفة "معاريف": "لن يتردد نتنياهو في حرق النادي، من أجل نجاته من المحاكمة، وأخشى على (إسرائيل) من أن تتحول إلى دولة شريعة تخضع للحاخامات، والوعود التي قُدِّمَت للائتلاف ستزيد العجز، وسترفع الضرائب، ويمكننا تَوَقُّع حدوث تسونامي اقتصادي وسياسي ودبلوماسي".
وأضاف ليبرمان: "نتنياهو يحتقر بن غفير وسموتريتش، لكن بعد الانتهاء من تمرير كل التشريعات، سيترك هذين المُهرِّجين، فهذا الائتلاف لن يدوم طويلًا، أما ما يقوله سموتريتش عن نتنياهو بأنه كاذب ابن كاذب، فهو صحيح تمامًا".
ويتوقع محللون غربيون أن الحكومة لن تنهي ولايتها إلى 4 سنوات، خاصة وأن التحديات التي تواجهها كبيرة جدًا، وستقود إلى احتجاجات وتظاهرات معارضة كبيرة، وقد ينجم عن ذلك تمرد مؤسسات الحكم المَحلي، وتهتك في انضباط الجيش، وتعدد الولاءات بين وحداته، ما يؤدي إلى حرب أهلية في تجمع استيطاني قالوا يومًا إنه مُوحَّد، وهو في الواقع مُقسّم إلى شِيعٍ وأحزاب ولا يجمعه غير الخوف من مُستَقبلٍ أضحى في مهب الريح، في حين يطالب مسؤول اللجنة المالية في الكنيست عن حزب "يهودت هتوراه" موشي غافي -وبكل جِدية- بأنه "يجب على نصف المجتمع أن يتجند للجيش، بينما النصف الآخر يتفرغ لدراسة تعاليم التوراة".
أما قائد أركان جيش الاحتلال الأسبق غادي إيزنكوت، فقد عقَّب على تلك التصريحات بأنها تعبّر عن عُمق السخرية والاستهتار بمن يخدم في الجيش، في حين يُريح البقية أنفسهم من عناء هذا الواجب (المقدس)، وفق تعبيره.
وختم إيزنكوت، أنه يجب وقف هذه الظاهرة الخطرة التي يتجند فيها 48% من المجتمع، في حين يعفي البقية أنفسهم من المسؤولية!
وعلى الرغم من ذلك فإن نتنياهو قد تجاوز معظم العقبات أمام تشكيل الحكومة ولكن جُلّ معضلات ثبات واستمرار الحكومة لم تُحَل بعد، وقد لا ينجح في ذلك أبدًا، فشركاؤه في الائتلاف وضعوا شروطًا، وفرضوا قوانين قيدت الكثير من صلاحياته، فلم يَعُد مُطلَق اليدين، إنه بالفعل في مأزق مُستعصٍ لا فكاكَ منه، أو ستسقط حكومة الائتلاف، والذهاب نحو انتخابات برلمانية سادسة.
كما أن هذا الائتلاف اليميني الفاشي سيواجه عُزلة دولية، وكيف لحكومة معظم وزرائها تُصنفهم محاكمهم إرهابيين أن يجدوا قبولًا على المستوى العالمي، فيعتقد إلداد شابيت، الباحث في "مركز الأمن القومي" التابع لجامعة (تل أبيب)، أن حكومة نتنياهو الجديدة ستصطدم مع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في جميع الملفات الإقليمية والدولية، وأبرزها الملف الفلسطيني، والنووي الإيراني، وربما سيشمل ذلك ملف الحرب الروسية الأوكرانية.
وأوضح شابيت أنه على الرغم من تأكيد البيت الأبيض احترام نتائج الانتخابات، وأنه ينوي التعامل مع السياسات الحكومية بغض النظر عن أشخاص الوزراء، فإن هذا لا يُقَلِّلُ من التداعيات المُقلقة لسياسات الحكومة المحتملة على العلاقات بين الطرفين.
ورجح شابيت، وهو الذي شَغَلَ مناصب عُليا في الاستخبارات العسكرية، وكذلك في مكتب رئيس الحكومة، أن مخاوف واشنطن تعود بالأساس إلى البرامج والخطط والخطوات التي تُعلنها أحزاب الائتلاف جهارًا، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، والنظام القانوني، وقد استخلص الباحث "أن الصراع مع الكيان سيكون حتميًا على المدى الطويل، وسيترك ذلك أثرًا سلبيًا على العلاقة الخاصة بين واشنطن و(تل أبيب)".
كما أصدر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قائمة سوداء بـــ 112 شركة لها صلات وتمارس التجارة مع المستوطنات الصهيونية، كونها غير شرعية وفق القانون الدولي.
وتقول صحيفة نيويورك تايمز في افتتاحيتها مؤخرًا: "أن حكومة نتنياهو تُعد خطرًا جديًا يُهدد الكيان".
كما تستثير الملفات الشائكة المطروحة على جدول أعمال الحكومة القادمة مواقف رافضة من دول الاتحاد الأوروبي، تلك المتعلقة بالمستوطنات، وتسارع تكاثرها وتسمينها، والمحاولات المحمومة لتغيير وضعية المسجد الأقصى، وعمليات القتل الميداني المنفلت، وحقوق الإنسان.
وفي موقف غربي جديد، قرر صندوق الثروة النرويجي، أحد أكبر الصناديق الاستثمارية في العالم، وقف الاستثمار في الكيان، إلى حين فحص شامل للنظام المصرفي للتأكد من أن استثماراته لا تُستخدم في دعم الاستيطان.
تطورات درامية خطيرة ستنقلب على الكيان الاستيطاني وستهتزُّ أركانه، داخل التجمع الاستيطاني ووحداته المتنابذة، ومع الشعب الفلسطيني ومقاومته وانتفاضتهِ المتعاظمة، وفي محيطهِ الإقليمي والدولي، حلقات تتراكم تداعياتها فيعلِّق عليها لابيد رئيس الوزراء المنصرف، بأن نتنياهو يقود حكومة يكتنفها الجنون، ستدفع إلى انهيار الكيان من الداخل، في حين يؤكد إيهود باراك الرئيس السابق لحكومة العدو: "إن البلاد تتجه نحو ظلام وصعوبة، ولا نعرف متى يمكن الخلاص من ذلك".