سلطت صحيفة أمريكية الضوء على التعديلات القانونية التي ينوي رئيس حكومة الاحتلال اليمنية تنفيذها، وما فجرته من موجة رفض واسعة في الأوساط الإسرائيلية المختلفة، تُوجت بمظاهرات أسبوعية متواصلة رفضا لها، باعتبارها "استبدادية" وتقلص صلاحيات الجهاز القضائي لصالح السلطة التنفيذية.
ونشرت صحيفة "فورين أفيرز" الأمريكية تقريرًا، ذكرت فيه أن حكومة نتنياهو كشفت عن خطط بهذه التغييرات والتي ستؤدي إلى تآكل جميع الضوابط والتوازنات المؤسسية تقريبا، مع تركيز قوة هائلة في يد السلطة التنفيذية، وهو ما سيمكن من اتخاذ المزيد من الخطوات التي اتفق عليها التحالف لدفع دولة الاحتلال باتجاه الاستبداد؛ سواء في إسرائيل أو في الأراضي التي تحتلها.
وأفادت الصحيفة أن نتنياهو يدَّعي أن هذه الإصلاحات ضرورية لاستعادة توازن القوى بين السلطة التشريعية والسلطة القضائية، وهو ما يختلف معه العديد من الإسرائيليين؛ الذين خرجوا في مظاهرات خلال كانون الثاني/ يناير في تل أبيب ومدن أخرى للاحتجاج على التغييرات المقترحة، وهي الاحتجاجات التي رفضها نتنياهو وحلفاؤه ووصفوها بأنها نخبوية وممولة من الخارج ويسارية، فيما يحذر الاقتصاديون من أن خطة الحكومة قد تضر بالاقتصاد وتؤثر على قدرة إسرائيل على جذب الاستثمار الأجنبي لقطاع التكنولوجيا الفائقة.
وأوضحت الصحيفة أن الليكود "حزب نتنياهو" هاجم مرارًا النظام القضائي، خاصة وأن التهم الموجهة إلى نتنياهو اكتسبت زخمًا، رغم أنه ينفي بشدة أن التغييرات التي يخطط لها لها علاقة بمحاكمته، ولكن إذا تم سنها فسيكون لديه سلطة إعادة هيكلة مكاتب المدعي العام وتعيين المسؤولين الذين قد يراجعون قضاياه، وتحديد القضاة الذين ينظرون في استئنافه.
تفاصيل التعديلات المقترحة
وذكرت الصحيفة أنه بموجب خطة الحكومة المقترحة؛ فلن تتمكن المحكمة العليا من إلغاء القوانين إلا إذا نظر جميع قضاتها الـ 15 في الأمر ووافق 12 منهم، وهو ما يعني أنه سيتم إلغاء عدد قليل جدًّا من القوانين؛ إن وجدت. وحتى لو تمكنت المحكمة من إبطال القانون، فلن تكون هذه هي نهايته؛ حيث تتضمن الخطة أيضًا "بندًا غير محدود"، والذي من شأنه أن يسمح للكنيست بتجاوز أي قرار بإلغاء قانون بأغلبية بسيطة من جميع أعضاء الهيئة، وبما أن كل حكومة تمتلك أغلبية في الكنيست، فسيمكن تجاوز أي حق سواء الحقوق الأساسية الأساسية، أو حقوق المشاركة السياسية، وحتى الحق في التصويت.
ولضمان عدم انحراف المحكمة عن جدول أعمال الحكومة؛ تسعى الخطة أيضا إلى تحويل لجنة التعيينات القضائية بحيث تتمتع الحكومة بأغلبية تلقائية.
ولن تتمكن المحكمة العليا من مراجعة القوانين الأساسية على الإطلاق بموجب الخطة المقترحة، وبمجرد أن تكون القوانين الأساسية محصنة من المراجعة، يمكن إعادة صياغة التشريعات المتطرفة كقوانين أساسية للتحايل على المراجعة القضائية، وتم بالفعل تقديم مشروع قانون هجرة بعيد المدى يسمح بالاحتجاز غير المحدود لطالبي اللجوء كقانون أساسي لهذا السبب بالتحديد.
ولفتت الصحيفة إلى أن الحكومة تصر على أن هذه الإصلاحات تتماشى مع ترتيبات الدول الأخرى، لكن هذه الدول لديها ضوابط وتوازنات غير موجودة في إسرائيل، ولا تنوي الحكومة الإسرائيلية إدخالها.
وإذا كان ينبغي إجراء أي مقارنات دولية؛ وفقا للصحيفة، فيجب أن تكون مع المجر التي تحولت في عهد رئيس الوزراء فيكتور أوربان من ديمقراطية ليبرالية إلى نظام استبدادي، ومن المحتمل أن تكون الحالة في إسرائيل أكثر خطورة، حيث إن المجر تحت مظلة الاتحاد الأوروبي الذي يتمتع بسلطات لإبطاء هذا التراجع، إن لم يكن عكسه، فيما لا تخضع إسرائيل لرقابة دولية مماثلة وهي متورطة في صراع مستعصٍ ومتفجر.
وكشفت الصحيفة أنه بمجرد "إصلاح" السلطة القضائية؛ تريد حكومة نتنياهو تعديل قوانين الانتخابات لحظر حتى التصريحات المتفرقة التي "تدعم الإرهاب" - والتي يمكن تفسيرها على أنها تشمل انتقادات شديدة للاحتلال الإسرائيلي وحتى التشجيع الغامض للمقاومة الفلسطينية -، مما يمنع فعليًّا العديد من العرب من الترشح لانتخابات الكنيست. وإذا تم تمرير هذا القانون؛ فمن المرجح أن يتسبب في انخفاض كبير في نسبة المشاركة في التصويت بين فلسطينيي 48، مما يزيد من تعزيز حكومة نتنياهو من خلال جعل الأمر أكثر صعوبة على المعارضة لتحقيق الحد الأدنى من أعضاء الكنيست البالغ عددهم 61.
وبحسب الصحيفة؛ فقد أعلنت حكومة نتنياهو عن خطط لإصلاح وسائل الإعلام؛ حيث أعلن شلومو كارهي، وزير الاتصالات، عن عزمه على خصخصة محطات التلفزيون والإذاعة الإسرائيلية التي تمولها الدولة، وتريد غاليت ديستل أتباريان، وزيرة الدبلوماسية العامة، الذهاب إلى أبعد من ذلك، فقد أعربت عن دعمها لإغلاق وسائل الإعلام التي تمولها الدولة تمامًا بدلًا من خصخصتها، وأعلن وزير الثقافة، ميكي زوهار، عن خططه الخاصة للحد من الإنفاق الحكومي على الفنون، ورفض تمويل الأعمال التي "تضر بصورة الدولة"، وهذا البرنامج المكون من مرحلتين من التغييرات السياسية له هدف واضح: خنق التعبير عن طريق إزالة المحتوى النقدي من المجال العام وتعزيز قبضة الحكومة على السلطة.
وقالت الصحيفة إن هذه الإصلاحات الإعلامية المقترحة أثارت رد فعل عنيف كبير؛ دفعت الحكومة - في أوائل شباط/ فبراير إلى إعلان أنها ستعلق هذه الإصلاحات، وكان السبب الذي قدمته لهذا التحول واضحًا: الإصلاحات القضائية هي الأولوية القصوى للحكومة، وبمجرد تمرير الإصلاحات القضائية، سيكون تفكيك محطات التلفزيون والإذاعة العامة أسهل.
وبينت الصحيفة أن الحكومة تخطط لاتخاذ نهج أكثر صرامة في الأراضي المحتلة، فقد ذكر نتنياهو أن اليهود لديهم حقوق حصرية في جميع "أراضي إسرائيل"، بما في ذلك الضفة الغربية، وقد أنهى هذا فعليًّا أي ادعاء بأن للفلسطينيين حقوقا في هذه الأراضي. وفي اتفاقاته الائتلافية؛ وعد نتنياهو شركائه اليمينيين المتطرفين بأن حكومته ستروج لمزيد من المستوطنات في الضفة الغربية وتضع الأساس لضمها في نهاية المطاف، كما أعلن أنه ينوي "تسوية" البؤر الاستيطانية التي أقيمت على أراض فلسطينية خاصة بعد أن أبطلت المحكمة العليا قانونا يسعى إلى القيام بذلك. وعين نتنياهو بتسلئيل سموتريتش، وهو مستوطن وأحد أشد السياسيين المعادين للفلسطينيين في إسرائيل، وزيرًا خاصًّا في وزارة الدفاع مكلفا بالإشراف على الشؤون المدنية في الضفة الغربية، ومن خلال أخذ هذه السلطة فعليا من الجيش وإعطائها إلى معيَّن سياسي؛ أشار نتنياهو إلى نية حكومته الضم.
الحروب القضائية
واستعرضت الصحيفة التاريخ الدستوري والقضائي الإسرائيلي؛ حيث لا يوجد لدى إسرائيل دستور صارم، رغم أنه في عام 1949 تم انتخاب جمعية تأسيسية لوضع الدستور، لكنها وصلت إلى طريق مسدود، وقرر أعضاؤها تحويل الهيئة إلى هيئة تشريعية (الكنيست) تحتفظ بالسلطة التأسيسية للجمعية، وبدلًا من اعتماد دستور مكتمل؛ وافق الكنيست على تقسيم الدستور إلى فصول كل منها يشتمل على "قانون أساسي"، والذي سيصبح يومًا ما جزءًا من دستور رسمي.
وتابعت الصحيفة قائلة إنه بين عامي 1949 و1992؛ أجرت المحكمة العليا مراجعات قضائية للقرارات الإدارية، مما يعني أنها نظرت في شرعية الإجراءات التنفيذية، وفي عام 1992؛ أصدر الكنيست قانونين أساسيين يتناولان هذه الحقوق:؛ قانون كرامة الإنسان وحريته؛ وقانون حرية الاحتلال، وهي قوانين جديدة ليس فقط لأنها تحمي حقوقًا معينة، ولكن أيضًا لأنها تحتوي على ما يسمى ببنود التقييد التي تنص على أنه لا يمكن تقييد الحقوق المذكورة إلا إذا كان الاستثناء متوافقا مع قيم الدولة، وسُنَّ لغرض مناسب، وإلى حد لا يتجاوز المطلوب. وعلى هذا الأساس - وبعد ثلاث سنوات - رأت المحكمة العليا أن القوانين الأساسية أعلى من التشريعات العادية، ومن ثَمَّ فهي تتمتع بسلطة إلغاء أي تشريع يخالفها.
ووفق الصحيفة فقد اختارت إسرائيل قضاتها - منذ عام 1953 - من خلال لجنة متنوعة تتألف من ثلاثة قضاة في المحكمة العليا، ووزيرين في الحكومة، وعضوين في الكنيست، وعضوين في نقابة المحامين الإسرائيلية. ولتعيين قاضٍ بالمحكمة العليا؛ يلزم الحصول على أغلبية من سبعة أصوات للجنة المكونة من تسعة أعضاء، مما يعني أنه لا يمكن لأي مجموعة التصرف بمفردها. ويمكن للقضاة استخدام حق النقض ضد ما يريده السياسيون، ويمكن للسياسيين استخدام حق النقض ضد ما يريده القضاة، وقد أدى ذلك إلى نظام لبناء توافق الآراء والتفاوض ينتج عنه قضاة ينظر إليهم في الغالب على أنهم وسطيون.
وأشارت الصحيفة إلى أن اليمين الإسرائيلي يتهم المحكمة العليا بشكل متزايد بأنها تتجاوز صلاحياتها؛ فيما يتعلق بالقوانين، وأنها وسعت سلطات المراجعة الدستورية والإدارية بشكل كبير، وكانت تدخلية للغاية في الأمن القومي، رغم أن المحكمة كانت تراعي بشكل دائم مسائل الأمن القومي، وخاصة عند مراجعة إجراءات الحكومة فيما يتعلق بالأراضي المحتلة؛ حيث رفضت المحكمة باستمرار البت في الشرعية الشاملة للمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، والتي تعتبر غير قانونية بموجب القانون الدولي، كما سمحت بهدم منازل المقاتلين الفلسطينيين، وهو ما ينتهك قوانين الحرب، وأذنت المحكمة تقريبًا بكل سياسة تتعلق بالمستوطنات مع توفير قشرة من الشرعية الدولية للاحتلال المستمر منذ 55 عامًا، ولكن هذا لا يكفي بالنسبة لحكومة نتنياهو الجديدة، فهي عاقدة العزم على تجريد المحكمة العليا من صلاحياتها؛ بدءًا من العملية التي يتم من خلالها التعيينات القضائية إلى وضع وصلاحيات المستشارين القانونيين الحكوميين.
في الوقت الحالي؛ بحسب الصحيفة، يبدو من المرجح أن تمر الإصلاحات؛ حيث يتمتع نتنياهو بأغلبية مستقرة في البرلمان، وقد سارع ائتلافه بالهجوم على القضاء في عاصفة من التشريعات التي انتقدتها المعارضة لانتهاكها الإجراءات المقبولة، وهناك احتمال أن تبطل المحكمة العليا الإصلاحات بمجرد الموافقة عليها، مما قد يدخل البلاد في أزمة دستورية كاملة، لكن في كلتا الحالتين؛ ستكون حكومة نتنياهو قد عمقت انقسامات إسرائيل وأضعفت ديمقراطيتها.
وختمت الصحيفة التقرير بالقول، إن هذه الإصلاحات المقترحة مجتمعة ترقى إلى حد الاعتداء على الديمقراطية الإسرائيلية المعيبة بالفعل؛ حيث إن أجندة الحكومة والتحول الاستبدادي الذي تنذر به قد أثار بالفعل حركة احتجاج جماهيرية، كما أثارت مخاوف واسعة خارج إسرائيل، وهو ما يعني أنه إذا استمر نتنياهو وائتلافه في جر إسرائيل إلى الطريق "المجري"، فلن يهددوا المؤسسات الديمقراطية في البلاد فحسب، بل أيضًا علاقاتها مع الحلفاء.