نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا أشارت فيه إلى أن مساعي حكومة بنيامين نتنياهو لإضعاف النظام القضائي في دولة الاحتلال، تثير احتجاجا كبيرا من القادة والمنظمات اليهودية الأمريكية، بما في ذلك التي تتجنب التعليق بشأن السياسة الداخلية الإسرائيلية.
وأوضحت الصحيفة في تقرير أن التحذير داخل الولايات المتحدة يعكس القلق المتزايد بين الشخصيات السياسية والدينية اليهودية البارزة - ليس فقط بشأن جوهر الاقتراح، ولكن أيضا بشأن تأثيره المحتمل على العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل في وقت أظهرت فيه استطلاعات الرأي أن تل أبيب تفقد الدعم بين الأمريكيين الأصغر سنا بينما تنحرف سياساتها نحو اليمين.
كما أن الرد، من مكاتب واشنطن إلى المعابد اليهودية في الأحياء والاحتجاجات في بعض المدن الأمريكية، يزيد أيضا من الضغط العام على الرئيس بايدن، الذي وصف الدفاع عن الديمقراطية في الخارج بأنه من أهم أولوياته، رغم عد انتقاد إدارته الخطة علنا.
اقتراح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو سيسمح، من بين أمور أخرى، للكنيست بنقض قرارات المحكمة العليا بأغلبية صوت واحد، كما يمنح الحكومة بشكل فعال سلطة تعيين القضاة.
وبالنسبة لمؤيدي الحكومة، فإن التغييرات التي تجريها من خلال الكنيست هي وسيلة للحد من تأثير القضاة غير المنتخبين. لكن النقاد يقولون إن الإصلاح سيزيل أحد الضوابط القليلة على تجاوز الحكومة ويحمي نتنياهو من تهم فساد متعددة.
وفي الولايات المتحدة، ينقسم النقد إلى حد كبير على أسس سياسية، حيث يرغب الديمقراطيون والتقدميون في التحدث علانية أكثر من المحافظين. لكن المخاوف تأتي بشكل متزايد من المعتدلين السياسيين والجماعات غير الحزبية التي ابتعدت بشكل عام عن المناقشات الخلافية حول إسرائيل.
وقع أكثر من 80 من أعضاء مجلس النواب الديمقراطيين على خطاب يعتزمون إرساله إلى بايدن يوم الخميس يحثونه على "استخدام جميع الأدوات الدبلوماسية المتاحة لمنع الحكومة الإسرائيلية الحالية من إلحاق المزيد من الضرر بالمؤسسات الديمقراطية في البلاد".
كما يخطط النشطاء في واشنطن للاحتجاج على خطاب الأسبوع المقبل لوزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، الداعم الرئيسي للتغييرات القضائية الذي أثار مؤخرا إدانة دولية لقوله إنه يجب "محو" قرية فلسطينية.
وفي لوس أنجلوس الشهر الماضي، ألقت الحاخام شارون بروس خطبة بعنوان "دموع صهيون"، حثت فيها المصلين على عدم "النوم خلال الثورة" وتحدي "نظام نتنياهو غير الليبرالي المتطرف".
وفي مدينة نيويورك، كتب العمدة السابق مايكل بلومبرغ، المدافع منذ فترة طويلة عن السياسات الإسرائيلية، مقالا في 5 آذار/ مارس في صحيفة نيويورك تايمز قال فيه إن نتنياهو كان "يغازل كارثة" بضغط يمكن أن يهدد أمن إسرائيل واقتصادها و "الديمقراطية ذاتها التي بُنيت عليها البلاد".
في الشهر الماضي، أرسل الاتحاد اليهودي لأمريكا الشمالية، وهو عملاق خيري يجمع وينفق 3 مليارات دولار سنويا، ولا يتخذ أي موقف من السياسة الإسرائيلية، رسالة مفتوحة إلى نتنياهو وزعيم المعارضة البرلمانية الإسرائيلية، يائير لابيد، يعترضون على فكرة التجاوز القضائي وتأييد دعوة الرئيس الإسرائييل إسحاق هرتسوغ، للتسوية والإجماع.
حذرت الرسالة قائلة: "نحن ندرك أن أي نظام من الضوابط والتوازنات سيكون مختلفا عن تلك الموجودة في بلداننا، ولكن مثل هذا التغيير الدراماتيكي لنظام الحكم الإسرائيلي سيكون له عواقب بعيدة المدى في أمريكا الشمالية، داخل المجتمع اليهودي وعلى نطاق المجتمع الأوسع".
يقول نتنياهو والمدافعون عنه - بما في ذلك البعض داخل الولايات المتحدة - إن التغييرات المقترحة مبررة من خلال ما يسمونه القضاء المفرط الذي اختاره نخبة بيروقراطية غير منتخبة، وأنه لا ينبغي على الأمريكيين محاولة التأثير على السياسة الإسرائيلية.
وقال مورتون كلاين، رئيس منظمة الصهيونية الأمريكية غير الربحية: "المحكمة العليا هي السلطة الوحيدة التي يلجأ لها الناس على يسار الوسط ليقلبوا قرارات الوسط أو يمين الوسط". قال كلاين إن اليهود الأمريكيين "الليبراليين" والأقل تدينا "يصرخون:" هذه كارثة! هذه نهاية الديمقراطية! "هذا سخيف".
ومع ذلك، قال بعض المراقبين إن القادة والمنظمات اليهودية التي كانت مترددة في انتقاد سياسات إسرائيل تبدو أكثر استعدادا للتحدث علانية الآن.
قال هالي سويفر، الرئيس التنفيذي للمجلس الديمقراطي اليهودي الليبرالي في أمريكا: "هذه الأزمة لها صدى لدى اليهود الأمريكيين بطريقة مختلفة عن الأزمات السابقة، والتي ركزت في الغالب على القضايا الأمنية. هذه أزمة حكم وديمقراطية عشناها هنا في الولايات المتحدة".
يُعرف أكثر من نصف جميع اليهود في الولايات المتحدة بقليل بأنهم إصلاحيون أو محافظون، وهي فروع تميل إلى أن تكون أقل تدينا وأقل ارتباطا بتل أبيب.
وصف الحاخام ريك جاكوبس، رئيس الاتحاد من أجل الإصلاح اليهودي ومقره نيويورك، المحكمة العليا بأنها "الدعامة" لحماية حقوق الأقليات في إسرائيل، بما في ذلك حقوق الشاذين واليهود الإصلاحيين الذين يقولون إنهم يتعرضون للتمييز من قبل السياسيين اليمينيين. كما يخشى العديد من العرب الإسرائيليين فقدان الحماية بموجب خطة الإصلاح.
وقال الحاخام جاكوبس: "كانت المحكمة العليا أهم حامي للحقوق المدنية وحقوق الإنسان" على حد وصفه.
وفي مقابلة هذا الأسبوع، قالت الحاخام بروس إن العديد من اليهود الأمريكيين يخشون تزايد معاداة السامية والضغط من الجهات اليهودية الأمريكية اليمينية التي يمكن أن تثبط أوتعاقب الانتقاد العلني لإسرائيل. وأضافت أنه على مدى عقود، كان القادة اليهود الأمريكيون "يسترشدون بهذا الخوف والشعور بالضعف أكثر من الالتزام الأخلاقي الحقيقي بالانتقاد".
اليوم، ومع ذلك، فإن صفوفهم تضم بعضا من أبرز مراقبي معاداة السامية في البلاد، بما في ذلك أبراهام فوكسمان، المدير الوطني السابق لرابطة مكافحة التشهير، الذي قال لصحيفة جيروزاليم بوست في كانون الأول/ ديسمبر: "إذا توقفت إسرائيل عن أن تكون ديمقراطية مفتوحة، فلن أكون قادرا على دعمها".
قال جوناثان كيسلر، مؤسس "قلب أمة"، الذي يعمل على تحقيق المصالحة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، "لقد تم التعبير عن هذه الاختلافات تقليديا بشكل خاص.. يبدو أن هناك ميلا أكبر الأن للتعبير عن هذه الأشياء علنا".
أمضت الحاخام بروس، التي تربطها علاقات عائلية وثيقة بإسرائيل، يوم الأحد في مظاهرة في لوس أنجلوس نظمتها منظمة UnXeptable، وهي منظمة تأسست في عام 2020 من قبل مواطنين إسرائيليين يعيشون في منطقة سان فرانسيسكو والذين انزعجوا من تحول بلدهم إلى اليمين.
حتى في خضم العاصفة، رفض بعض أبرز القادة اليهود في أمريكا انتقاد الائتلاف الحاكم القومي المتطرف الجديد بقيادة نتنياهو.
كتب ويليام داروف، الرئيس التنفيذي لمؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى، الأسبوع الماضي في صحيفة "جيروزاليم بوست" أن مجموعته كانت "قلقة من نبرة النقاش وعدم الاحترام"، دون إلقاء اللوم على لاعبين محددين. كما أعرب عن قلقه من أن "أعداء إسرائيل يرتفع صوتهم ويسلحون أنفسهم بكل انتقاد ويفرحون بخلافاتنا العامة".
كما رفضت لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية، وهي منظمة مقرها واشنطن وتدافع عن سياسات الحكومة الأمريكية الموالية لإسرائيل، التدخل في جوهر الأمر، قائلة إنها تركز على أمن إسرائيل ضد التهديدات من أعداء مثل إيران. وقال مارشال ويتمان، المتحدث باسم إيباك، إن "النقاش الحاد" الجاري في إسرائيل "يعكس الديمقراطية القوية للدولة اليهودية".
ومن غير الواضح ما إذا كانت الضجة الحالية قد تحرك إدارة بايدن، وعندما زار وزير الخارجية أنتوني بلينكن القدس في كانون الثاني/ يناير، تحدث بشكل عام عن القيم الديمقراطية المشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل وأهمية الحكم "بالإجماع". وحتى هذه الكلمات تم استنكارها من قبل بعض المتشددين في حكومة نتنياهو باعتبارها تدخلا أمريكيا غير مقبول في السياسة الإسرائيلية.