ما زال الاحتلال يبدي انزعاجه من تأثر الفلسطينيين بعبارة "الأقصى في خطر"، بزعم أنه شعار يغذي النار، ويشعل المنطقة، ويهدد اتفاقيات التطبيع مع عدد من الدول العربية والإسلامية، وتوسيع فجوتها مع الاحتلال، وتبديد مخاوفهما المشتركة من الطموحات النووية الإيرانية.
في الوقت ذاته، لا ينكر الإسرائيليون قلقهم من صدور العديد من رسائل الإدانة المعاد تدويرها من قادة الدول العربية، حول عنف شرطة الاحتلال في المسجد الأقصى، والاعتداء على مصليه ومعتكفيه، فضلًا عن إطلاق رشقات صاروخية باتجاه فلسطين المحتلة من عدة جبهات محيطة بها، الأمر الذي دفع الاحتلال لتوخي الحذر، والخشية من تبعات أي اقتحام جديد للأقصى.
تستحضر وسائل الإعلام الإسرائيلية ما صدر الأسبوع الماضي من تنديد وزارات خارجية السعودية والأردن ومصر والمغرب وقطر وعمان باعتداء قوات الاحتلال الإسرائيلي التي هاجمت المصلين، واعتقلت جموع الفلسطينيين، بزعم أنها تخرب جهود التطبيع، وتتعارض مع المبادئ الدولية، وتنتهك احترام قدسية الدين، على الرغم من أن الولايات المتحدة منعت صدور بيان إدانة من مجلس الأمن بناء على طلب الاحتلال.
في الوقت ذاته، أظهر الاحتلال مفاجأته بـ"صدمة" الأردن، ودعوته إلى عقد اجتماع طارئ للجامعة العربية، وإدانته بشدة لهجوم شرطة الاحتلال على الأقصى، ومطالبته بوقف التصعيد الخطير الذي يهدد الأمن والسلام في المنطقة.
اللافت أن الإسرائيليين وهم يقرؤون هذه السطور باسم الدول العربية "المعتدلة"، لا يخفون خيبة أملهم، وهم يدركون أنهم في طريقهم لتهديد مستقبل العلاقات التطبيعية بينهم، بسبب المشاهد المروعة لضرب المصلين، واعتقال المتظاهرين بشكل تعسفي، بجانب قتل جيش الاحتلال للفلسطينيين في جنين، أو يطلق النار على الفلسطينيين في شوارع القدس بدون سبب.
ليس سرًّا أن الاحتلال سعى وبصورة لا تخطئها العين، إلى الاستنجاد بعدد من دول المنطقة لمطالبتها بالتدخل لوقف تدفق المرابطين، ومنع المعتكفين، بزعم أنهم يستخدمون الألعاب النارية والحجارة، ويهرّبون الهراوات إلى صحن المسجد، لكن كل من شاهد مقاطع الفيديو التي كشفت عن سلوك همجي دموي من شرطة الاحتلال بحق المصلين، لم يبقَ أمام تلك الدول فرصة "للوساطة"، بل إنها صبّت جام غضبها على الاحتلال، ولو إعلاميًّا على الأقل.
مع العلم أن الاحتلال لا يخفي إحباطه من أن مشاهد الاعتداء على المصلين، واعتقالهم، وضربهم، في أكثر الأماكن والأزمان حساسية في العام على الإطلاق قدم جائزة حقيقية لقوى المقاومة، باعتبار ما شهده الأقصى تأكيدًا على تحذيراتهم من أن "الأقصى في خطر"، ومنح رغبتها بإشعال النار تحت أقدام الاحتلال مزيدًا من المشروعية والمصداقية والوجاهة، مما تسبب بمزيد من الانتكاسات الإسرائيلية المتلاحقة.