كشفت صحيفة "هآرتس" العبرية عن تفاصيل تجنيد المخابرات المصرية عميلا من داخل جيش الاحتلال الإسرائيلي للتجسس على تل أبيب أواخر خمسينات القرن الماضي، قبل أن يقبض عليه.
وقالت "هآرتس" التي نشرت تفاصيل القضية، إنه تم الكشف عن قضية "عملية الحقنة الشرجية"، والتي أطلقت على عملية القبض على رجل القوات الخاصة الذي كان ضابطا في جيش الاحتلال الإسرائيلي ويعمل لصالح مصر.
وحسب الصحيفة، التحق أولريش شنفت، أو كما عرف فيما بعد باسم "جابرييل سوسمان" بجيش الاحتلال وكان عضوا في "الوكالة اليهودية"، حتى أصبح جاسوسا في خدمة مصر وأجهزة استخباراتها. ومؤخرا، تم الكشف عن الملف السري الذي جمعه مع جهاز "الشاباك" الإسرائيلي، والذي وصف فيه كيف تمكن من خداع الإسرائيليين والتسلل بينهم حتى قام بخطوة واحدة خاطئة أدت للقبض عليه في النهاية.
وعلى غلاف ملف "الشاباك" الذي يخص "جابرييل سوسمان"، توجد صورة جواز سفر لشاب يرتدي زي جيش الاحتلال الإسرائيلي بشارب، وكتب إلى جانبه أنه ولد عام 1923 في ألمانيا.
وهاجر "سوسمان" إلى الكيان الإسرائيلي عند قيامه بعد عام 1948، وعاش في مدينة عسقلان، وكان يعمل "مساعد صيدلي"، وتم شرح سبب فتح القضية في ثلاث كلمات: "مشتبه به كمسيحي ألماني".
وأوضحت الصحيفة أنه تم الكشف عن القضية المرتبطة باسم "سوسمان" قبل 65 عامًا، ومنذ ذلك الحين أثارت اهتماما مستمرا في الكتب والمقالات والشبكات الاجتماعية.
وعن تفاصيل القصة، قالت "هآرتس" إنها تعود لرجل ألماني من قوات الأمن الخاصة تنكر في زي يهودي بعد "الهولوكوست"، وجاء إلى الكيان الإسرائيلي على متن سفينة للاجئين، واعتقل في مخيمات في قبرص، ثم أطلق سراحه، وجند في الجيش، وأصبح ضابط مدفعية، وهرب بعد فترة.
وبعد ذلك جندته مصر لصالحها، ولكن تم اعتقاله في عملية مشتركة مع جهازي "الشاباك" و"الموساد"، وتم سجنه وترحيله. وأوضحت الصحيفة أن سوسمان إذا كان لا يزال على قيد الحياة، فسوف يحتفل بعيد ميلاده المئة هذا العام، مشيرة إلى أن تفاصيل قصته نشرت عبر الأرشيف الإسرائيلي ضمن ملف الشاباك الذي يوثق مراقبته وكيف استطاع خداع السلطات لسنوات، حتى تم القبض عليه.
وفي إحدى الوثائق التي كتبها سوسمان بخط يده باللغة العبرية الخالية من الأخطاء، عن حياته بعد هجرته لإسرائيل، قال فيها: "مات والداي في المخيمات، هاجرت إلى إسرائيل في عام "، وصدقت السلطات الإسرائيلية قصته وبات فردا في المجتمع الإسرائيلي.
وتذكر الوثائق الرسمية أن "والديه ماتا في معسكر اعتقال"، لكن الحقيقة مختلفة تماما، فقد ولد سوسمان عام 1923 بكونيجسبيرج في بروسيا (كالينينغراد الآن)، وهي مقاطعة روسية بين بولندا وليتوانيا، كان ألمانيا ولد لأم عزباء، وهناك تم نقله إلى عائلة بالتبني.
وفي عام 1941 تم تجنيده في الجيش الألماني وخدم بالجبهة الشرقية في الذراع العسكرية لقوات الأمن الخاصة للجيش الألماني، وقد جُرح وأسر من قبل الولايات المتحدة، لكن أطلق سراحه دون محاكمة.
وبعد الحرب العالمية الثانية، تنكر بزي يهودي واستقل سفينة الهجرة التي غادرت مرسيليا إلى فلسطين المحتلة في عام 1947، لكن البريطانيين استولوا عليها، ثم تم إرساله إلى معتقلات قبرص، حيث انضم إلى عصابات "الهاغاناه" – النواة الأولى لجيش الاحتلال الإسرائيلي فيما بعد - وشارك في محاولات الهروب من الجزيرة القبرصية.
وفي عام 1948 هاجر إلى فلسطين المحتلة، وانضم إلى كيبوتس "كريات إينافيم" وتجند في جيش الاحتلال، وبعد بضعة أشهر تم إطلاق سراحه وانتقل إلى مستوطنة بالقرب من عسقلان، وكسب لقمة عيشه في دائرة الاستيطان التابعة للوكالة اليهودية وكان نشطًا أيضًا فيها.
وبعد ذلك انضم لقوات الاحتياط ، وخضع لدورة ضابط وتم تجنيده في سلاح المدفعية، وفي عام 1954 ترك حدود البلاد وأصبح جاسوساً في خدمة مصر.
وجاء في إحدى الوثائق التي تعود للخمسينات: "اسمه (الجاسوس) لا يظهر في سجلات المهاجرين في دائرة مراقبة الحدود، لا يوجد ملف باسمه في قسم الاستيعاب بالوكالة اليهودية"، في عام 1954 ورد تقرير يفيد باختفائه دون إبلاغ على الفور بذلك، وترك معظم ممتلكاته وملابسه العسكرية".
وبالعودة إلى الوراء، اتضح أنه غادر البلاد، وعرض خدماته على جهاز المخابرات العامة المصرية مقابل تأشيرة دخول إلى ألمانيا، وذهب إلى القاهرة وقدم معلومات سرية ومهمة للغاية عن جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وكشفت وثيقة أخرى في ملف الشاباك المعلومات التي قدمها، بما في ذلك تفاصيل عن الكتائب العسكرية والقيادات الكبيرة بالجيش الإسرائيلي ومواقع الوحدات والمعدات وعدد السلاح.
وأضافت الوثيقة أن هذه المعلومات صحيحة في معظمها وكانت سرية ووجودها في يد المخابرات المصرية يمنحها ميزة كبيرة وتضر بشكل خطير بأمن الجيش الإسرائيلي وقدرته.
لكن بعد ذلك رفض سوسمان عرض مصر بدخول الكيان الإسرائيلي والتجسس عليه خوفا من القبض عليه، وبعد إقامة قصيرة في القاهرة عاد إلى ألمانيا.
وجاء في تقرير الشاباك أنه تم الاتفاق على أن يسافر مرة أخرى إلى الكيان الإسرائيلي لجلب الأخبار وفقا لإيجاز قدم إليه، وقامت المخابرات المصرية بتزويده بجواز سفر وكاميرا وحصل على 200 دولار كدفعة أولى، وطلب منه أن يصور كل الأشياء العسكرية، ويقوم بجولة في الكيان الإسرائيلي ويبلغ عن تحركات الجيش.
واعتقل سوسمان عام 1956 بعد هبوطه في مدينة "اللد"، وحكم عليه بالسجن سبع سنوات بعد إدانته بالتجسس، وكتبت المحكمة: "حصل على ثقة السلطات العسكرية وأهالي البلاد من أجل الوصول إلى الأماكن التي يمكنه فيها الحصول على الكثير من المعلومات السرية ومن ثم نقلها إلى العدو".
ومع ذلك، اقتنع القاضي بأنه "فعل ذلك في لحظة ضعف، وخفف عقوبته".
تجدر الإشارة إلى أن "إسرائيل" أطلقت العديد من الوثائق السرية، بمناسبة مرور 50 عاما على حرب أكتوبر.