عاد "حقل الدرة" للغاز إلى تصدر المشهد مجددا خلال الأيام الماضية، إثر توتر علني نادر بين الكويت وإيران، عقب قيام الأخيرة بالإعلان عن بدئها في أعمال التنقيب قريبا.
وبعد تأكيد كويتي سعودي على أنهما الطرفان الوحيدان اللذان يملكان الحق في التنقيب بالحقل، جاء الرد الإيراني من قبل المتحدث باسم وزارة الخارجية ناصر كنعاني، والذي قال إن بلاده تتابع موضوع حقل الدرة للغاز، مع السلطات الكويتية في إطار المباحثات الثنائية بين البلدين.
وبلغة غير حادة، قال كنعاني ردا على سؤال بمؤتمر صحفي، حول منع الكويت لبلاده من استخدام الحقل: "نتابع هذا الموضوع في إطار المحادثات الثنائية مع السلطات الكويتية".
ولم يتطرق كنعاني إلى المملكة العربية السعودية، التي تشترك مع الكويت في الأحقية باستخدام الحقل، والتي أكدت أنها وجارتها الخليجية الوحيدتان اللتان لهما أحقية في "حقل الدرة".
الكويت بدورها، لم تتوقف عن بعث الرسائل الحازمة منذ اليوم الأول لتجدد الأزمة مؤخرا، إذ صرح صباح الثلاثاء وزير الخارجية الشيخ سالم عبدالله الجابر الصباح، بأن "الثروات التي تقع في حقل الدرة هي ثروات مشتركة بين الكويت والمملكة العربية السعودية بالمناصفة فقط لا غير".
وأضاف الوزير الشيخ سالم الصباح في مداخلة له في جلسة مجلس الأمة، تأكيده على موقف الكويت الواضح خلال محادثاته التي أجراها مع وزير الخارجية الإيراني حسين عبداللهيان.
وأوضح أن من أولويات الحكومة إنهاء موضوع ترسيم الحدود مع إيران والعراق، مبينًا أنه خلال الأشهر القليلة الماضية تم عقد ثلاث جولات مع الجانب العراقي وجولة مع الجانب الإيراني وأن الحكومة جادة وماضية في الاجتماعات مع الجانبين.
تاريخ الحقل
اكتشف حقل الدرة من قبل الكويت في العام 1959، ويقع فيما يعرف بـ"المنطقة المغمورة" والتي تتقاسمها الكويت مع السعودية.
وسبق ذلك في عام 1922، إطلاق اسم "المنطقة المقسومة"، وهي مناطق برية وبحرية بين السعودية والكويت، لم يتفق الطرفان على ترسيمها بعد.
وقامت "شركة عمليات الخفجي المشتركة"، بمشروع مشترك بين شركة "أرامكو"، والشركة الكويتية لنفط الخليج، بإدارة وتوزيع الثروات الطبيعية في المنطقة المشتركة الواقعة بين البلدين.
وخلال العقود الماضية، تنافست السعودية والكويت على حقول النفط والغاز في المناطق الحدودية البحرية لهما، قبل أن تقر الكويت مطلع الألفية الحديثة بأحقية المملكة في "حقل الدرة".
وبالإضافة إلى الثروة النفطية بين البلدين، والتي تشمل حقلي "الخفجي" و"الوفرة"، ويتراوح إنتاجهما بين 500 و600 ألف برميل نفط يوميا، مناصفة بين الدولتين، فإنه توجد ثروة لحقول الغاز، أبرزها "حقل الدرة".
وفي ستينيات القرن الماضي، اكتشفت إيران من طرفها حقل "آراش" الذي قالت لاحقا، إن امتداده يشمل جزءا من "حقل الدرة"، ما يعني أحقيتها في التنقيب عن الغاز مع الكويت والسعودية.
والمنطقة المغمورة هي منطقة حدودية محاذية للمنطقة المقسومة بين الكويت والسعودية جرى توقيعها في تموز/ يوليو 2000 وتهدف إلى ترسيم الحدود البحرية وهي آخر مرحلة من ترسيم الحدود بين البلدين.
ثروة هائلة
بحسب دراسة لموقع "الطاقة" المختص بهذا المجال، فإن ثروات حقل الدرة لم تستغل بعد، ومن المتوقع في حال العمل عليه، أن يتم إنتاج مليار قدم مكعبة قياسية من الغاز يوميا، إضافة إلى 84 ألف برميل من المكثفات يوميا أيضا.
واتفق البلَدان على تقسيم المستخرج من حقل الدرة بالتساوي بينهما، بناءً على خيار "الفصل البحري"، إذ ستُفصل حصة كل من الشريكين في البحر.
ويعني ذلك إرسال نصيب أرامكو لأعمال الخليج -السعودية- من الغاز الطبيعي وسوائل الغاز والمكثفات إلى مرافق الشركة السعودية في الخفجي، في حين تُرسل حصة الشركة الكويتية لنفط الخليج من الغاز الطبيعي وسوائل الغاز والمكثفات إلى مرافقها في الزور.
وتشهد تقديرات موارد الغاز الموجودة في الحقل اختلافًا كبيرًا، إذ يشير بعضها إلى أنه يوجد فيه 60 تريليون قدم مكعبة، بينما هناك تقديرات أخرى باحتوائه على 10-13 تريليون قدم مكعبة، و300 مليون برميل من النفط.
وتتباين تقديرات الإنتاج كذلك، فهناك تقديرات بنحو 800 مليون قدم مكعبة يوميًا، وأخرى بمليار قدم مكعبة يوميًا، و84 ألف برميل يوميًا من النفط.
وبحسب بيان مشترك للسعودية والكويت، فإن من المتوقع أن يؤدي تطوير حقل الدرة إلى إنتاج نحو مليار قدم مكعبة قياسية من الغاز يوميًا، وكذلك إنتاج 84 ألف برميل من المكثفات يوميًا.
اللافت أن المنطقة المقسومة يوجد فيها ما لا يقل عن 65 مشروعا للطاقة، جلها متوقف بسبب توقف إنتاج النفط في منطقة الخفجي.
تنافس ثم تقاسم مع السعودية
تنافست الكويت والسعودية على حقول الغاز والنفط لعقود، قبل أن تتفقا على تقاسم معظمها، وسط خلافات تتجدد كل فترة.
وفي العام 2003، وافق مجلس الأمة الكويتي بالإجماع على أحقية السعودية في جزء من "حقل الدرة".
وبعد تجدد الأزمة مع إيران هذه الأيام، خرج المحامي، والنائب السابق أسامة المناور، بفيديو أثار جدلا واسعا، قال فيه إنه لولا موافقة مجلس الأمة قبل 20 عاما على منح السعودية حقا بالحقل، لما تجرأت إيران على طلب أحقيتها أيضا، بحسب قوله.
إلا أن موقف البلدين واضح اليوم بالاتفاق على تقاسم حقل الدرة، بغض الطرف عن القضايا الخلافية الأخرى في الحدود المشتركة.