تتكرر المشاهد المؤلمة والصادمة لاستهداف أجهزة أمن السلطة جنازات الشهداء في محافظات الضفة الغربية، وكان من صور ذلك: "إطلاق النار، واستخدام قنابل الغاز، ومهاجمة المشيعين بالهراوات، وإغلاق الطرق، واعتقال ذوي الشهداء أو بعض المشيعين"، وكأن هذه القوى تعمل وكيلا عن الاحتلال، فمن يتأمل المشهد يدرك طبيعة الأزمة التي تعيشها السلطة وهذه الأجهزة التي لا تملك أي برنامج سوى استهداف الشعب الفلسطيني في كل المناسبات، في حين تلتزم الصمت وتتوارى عن الأنظار أمام جرائم الاحتلال.
يأتي هذا السلوك العدواني ضد أبناء شعبنا في وقت تطالب جميع الفصائل والقوى الفلسطينية السلطةَ بدعم صمود شعبنا الفلسطيني وإسناد مقاومته والتضامن مع حقوق شعبنا المشروعة، والعمل على حمايتها في مواجهة عدوان الجنود والمستوطنين التي ارتفعت وتيرتها بصورة وحشية في ظل الحكومة الصهيونية الأكثر تطرفًا، إلا أن هذه المطالبات والنداءات الفصائلية والشعبية لم تجد آذانًا صاغية من قيادة السلطة التي تسير بخطى ثابتة في مسار التنسيق الأمني للحفاظ على وجودها وحماية مصالح المتنفذين فيها دون أي اعتبار للمشروع الوطني وحقوق وتطلعات وآمال شعبنا.
والغريب أن تجد داخل مؤسسات السلطة من يخرج للإعلام للتوضيح والدفاع عن موقف السلطة وقوى الأمن التابعة لها، والوصفة دومًا جاهزة لتحميل ذوي الشهيد والمشيعين إذ إنه وفي مناسبات عدة ردت السلطة ومن خلال كوادر وقيادات وناطقين بأن قوى الأمن كانت تغطي وتؤمّن مرور الجنازة، إلا أن المشيعين هتفوا ضد السلطة وقوى الأمن واشتبكوا مع العاملين من قوى الأمن، الأمر الذي دفعهم للتعامل مع الحدث وبسط السيطرة الأمنية للقضاء على مظاهر الفوضى والشغب.
طبعا هذه الروايات الكاذبة والمضللة لا تجد لها طريقًا في الإعلام ولا أمام شعبنا؛ لأن الجميع يدرك أن السلطة تقدم رواية مخالفة للوقائع على الأرض، وتحاول التهرب من المسؤولية، وتلقي دومًا باللوم على الآخرين، والأمر لا يتوقف عند الجنازات، فقد تم استهداف مواكب استقبال الأسرى في الضفة من قبل الأجهزة الأمنية تحت ذرائع عدة، ولا يمكن القول إن ما يحدث هو عمل فردي أو اجتهاد من دورية أو جهاز دون غيره في التعاطي مع حدث، إنما نهج وسياسة عمل تسير عليه هذه الأجهزة بتوجيه من قيادة السلطة.
ويمكن الوقوف على سر الاستهداف المستمر في أربع نقاط موجزة هي:
1. خشية قيادة السلطة من تعاظم دور المقاومة وازدياد حضورها وشعبيتها؛ لذلك تهاجم أي "مناسبة أو تجمع أو فعالية" يمكن أن تشكل فرصة للتحشيد، أو أن تعطي فرصة إضافية للمقاومة لتعزيز حاضنتها.
2. هي تحاول أن تبسط سيطرتها في الضفة الغربية بعد أن شعرت بأن الوضع في الضفة بدأ يخرج عن السيطرة، وتسعى للقضاء على أي مظاهر يمكن أن تشكل عاملًا مناهضًا لسياساتها ومشروعها الاستسلامي الانهزامي.
3. ترغب في تطبيق التفاهمات الأمنية التي ألزمت نفسها بها أمام الإدارة الأمريكية وحكومة الاحتلال وبعض الأنظمة العربية التي تقضي بضرورة إنهاء أي مظاهر للمقاومة وتبريد ساحة الضفة الغربية والقضاء على أي مسببات للتصعيد ومنع حدوث مواجهات مع قوات الاحتلال.
4. كون جنازات الشهداء ومواكب استقبال الأسرى المحررين وغيرها من الفعاليات أو المناسبات الوطنية يمكن أن تحشد الآلاف من أبناء شعبنا ومن كوادر وعناصر المقاومة في الضفة، وهذا يعد (استفتاء مباشرًا وحقيقيًا) على مشروع ونهج المقاومة، في الوقت الذي تعجز السلطة عن كسب ثقة الجماهير وتفشل في حشد الناس خلفها.