تتوالى المواقف الإسرائيلية حول اتفاق التطبيع مع السعودية، كيث يزعم بعض مسؤولي الاحتلال أنه فرصة تاريخية للفلسطينيين والدول العربية، لكن الجناح اليميني في حكومة نتنياهو يحاول إفشاله ما قد يستدعي إشراك أحزاب الوسط لتحقيق هذا الاتفاق، وفي الوقت ذاته يستطيع الاحتلال عبر الصفقة السعودية الأمريكية تغيير النموذج الذي علق فيه الاحتلال منذ أجيال، ويتعلق بإيجاد حل للصراع ومنح قبول له في الشرق الأوسط.
وقال ميشكا بن دافيد المسؤول التنفيذي السابق في جهاز الموساد، إن "التطبيع مع السعودية فرصة لا يجب تفويتها، لأن الطلب السعودي بالحصول على مشروع نووي مدني، لا يعتبر تجربة رهيبة، والأفضل للسعودية أن تبنيه تحت رعاية أمريكية، وليس روسية أو صينية، حيث ستتأكد واشنطن أن المشروع لن يؤدي للتخصيب على المستوى العسكري".
وأضاف بن دافيد. في مقال نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت، فيما يتعلق بالمشتريات العسكرية المتقدمة، فمن الأفضل شراءها من الولايات المتحدة، لأنها ستلبي طلباتنا المضادة، مما سيحافظ على ميزة الاحتلال النسبية".
وأوضح، أن "القضية المعقدة في التطبيع السعودي الاسرائيلي تتعلق بمطالبتها بإحراز تقدم في القضية الفلسطينية، حيث لا تصر المملكة هذه المرة على الانسحاب لحدود 1967، لذلك لا ينبغي أن نكتفي بـ"التقدم" في هذه القضية، وبدلاً من ذلك وضع الخطوط العريضة للاتفاق على حلّ الصراع".
وأشار إلى أن الحل يأتي عبر جملة من الافتراضات الأساسية، أولها أن 45.3 بالمئة من اليهود البالغين علمانيون، و19.2 بالمئة ليسوا متدينين تقليديين، أي أن غالبية الجمهور غير ملتزم بالسيطرة على كامل أرض فلسطين المحتلة، بما فيها الضفة الغربية، لأسباب دينية".
وبين المسؤول السابق في الموساد أن "ثاني هذه الفرضيات الخاصة تتلخص بإيجاد تسوية مع الفلسطينيين تسرّع بإنجاز التطبيع مع السعودية حيث أن قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة عام 1947 هو اعتراف دولي بحق الشعبين بإقامة دولتهما في هذه الأرض".
أما الفرضية الثالثة فتقوم بحسب بن دافيد "على محادثات الهدنة في رودس عام 1949، التي أعطت الصلاحية الدولية للحدود التي أقيمت في الحرب، لكن احتلال الضفة الغربية عام 1967 لم يعترف به العالم من وجهة نظر دولية، بل اعتبرها "أرض محتلة متنازع عليها".
وأكد أن "الفرضية الرابعة تتعلق بموافقة إسرائيل على الاستيطان في المناطق الفلسطينية، رغم أنه يُنظر إليه دوليا بأنه غير قانوني، أما الخامسة فإنه منذ اتفاقيات أوسلو، وافق معظم قادة إسرائيل على حلّ الدولتين، مع ترك الكتل الاستيطانية اليهودية كجزء من دولة الاحتلال، فيما وافقت السلطة الفلسطينية على قيام دولتين، ولكن وفق حدود 67، وعلى تبادل الأراضي بنسبة قليلة فقط، وهذا بموافقة جامعة الدول العربية".
وأشار أنه "على أساس هذه الافتراضات، يمكن التوصل لاتفاقيات على النحو التالي برعاية السعودية والجامعة العربية والولايات المتحدة، وفيما يتعلق بالكتل الاستيطانية، يمكن نقل الأراضي للسلطة الفلسطينية في المقابل، فيما ستبقى التكتلات الاستيطانية بأيدي دولة الاحتلال".
"وبالنسبة للمستوطنات الكبيرة والمعزولة خارج الكتل الاستيطانية، يمكن تقديم حل للجيوب والطرق الآمنة المؤدية للكتل الاستيطانية وإسرائيل، ومن ناحية أخرى يجب اقتلاع البؤر الاستيطانية التي تحبط التقسيم" بحسب المقال.
وتابع: "من أجل منع إقامة كيان معاد في الضفة الغربية مثل الذي في قطاع غزة، يجب التوصل إلى اتفاق حول إقامة الكيان الفلسطيني، وإجراءات الرقابة الأمنية عليه، ودرجة الانتقال إلى الاستقلال الكامل وفق سلوك السلطة الفلسطينية، ونقل معظم الأحياء العربية في القدس إليها، وبناء عاصمتها هناك، ونقل الأماكن المقدسة لدى المسلمين في المسجد الأقصى وقبة الصخرة إليهم، مع الحفاظ على سيطرة الاحتلال على أجزاء من المسجد الأقصى".
وأردف "وفي الوقت ذاته دمج غزة في حلّ ضمن برنامج مساعدات واسع النطاق، وتجنيس اللاجئين الفلسطينيين في البلدان التي يعيشون فيها مقابل تعويضهم والبلدان المضيفة".
واستدرك "أن إسرائيل أمامها فرصة تاريخية لرفع مستواها من هذا التطبيع مع السعودية، من خلال تحسين وضعها تجاه الفلسطينيين والدول العربية، لكن عناصرها اليمينية في الحكومة تعمل على ضم المناطق الفلسطينية".
وختم بن دافيد بالقول، "إن ضم المناطق الفلسطينية من شأنه إفشال أي حل متفق عليه للصراع، لأنه يعرض اتفاقيات السلام مع الدول العربية للخطر، ويحول إسرائيل لدولة ثنائية القومية، إذا حصل الفلسطينيون على حقوق متساوية، أو إلى دولة فصل عنصري، لأنهم إذا لم يفعلوا ذلك، فسيؤدي لاستدعاء قوة دولية ونشوء معارضة داخلية".
تؤكد هذه الفرضيات الساعية للتطبيع مع السعودية على استبعاد إبعاد الأحزاب اليمينية المتطرفة من الحكومة الحالية، ومن أجل جعل هذا ممكنا، فقد يتطلب من أحزاب الوسط: "يوجد مستقبل، المعسكر الوطني، يسرائيل بيتنا" أن تدخل الحكومة بدلا من سيطرة الأحزاب المتطرفة عليها، وصولا لوقف التشريعات الدينية، والإعفاء من التجنيد، والانقلاب القانوني، وما أحدثه من أزمات الأمر الذي يستدعي إحداث تغيير جذري في وضع الحكومة الخارجي والداخلي.