1. عندما يقف المرء على أطلال منزله، ويبكيه، فإنّ ذلك لا ينتقص من ثباته وعظيم كفاحه ومصابرته، إنه الآن يستعيد كل وقفات الإنسانية التي عانت من قبل أثناء وقوفها على حافة الظلم الشاهد في هذا الركام.
2. ليس البيت تصميماً معمارياً يبنيه المقاول في زمن معلوم وأجر موزون، بل هو لحمُ أرضٍ حوله عِظام سُور، ثم نجعل عليه هيكلاً حُرّاً صغيراً تقف عليه طوبة وراء طوبة من عرَق السنين، يحمل شكل غرفة بمنافع وساحة، ويتوسع البيت في عقود حتى يكون بناءً يسع العائلة كلها.
3. بيوتنا هذه مجبولة بأنغامنا الحزينة مثلما كنّا من قبلُ مغموسين بحلم العودة وهو الحلم الذي لم ينطفئ يوماً إلا ليوقد من جديد.
4. نكره هذه الخيام التي تلاحقنا منذ وعَينا على هذه الحياة، إنها لا تحفظ الذكريات، فهي كثيرة التغير ولا تستقر في مكان، وتحمل معها حقيبة سفرها دائماً!
5. إنها تصرخ دوماً في وجوهنا، وتجلب علينا البؤس والوجع والحر والبرد، وتستدعي ذكريات البؤس والضعف والقهر؛ إنها حجرُ طريقٍ مصفوفٌ إلى جانب حجرٍ في شارع تدوسه الأقدام.
6. إنها مكان مغلق يوشك أن يبلَى، كل ما فيه أنه يسترك قليلاً ويحجب عنك العيون الخاطفة أو الخائنة أو العابرة، ويمنحك بعض الخصوصية المفقودة.
7. الخيمة مشروع تهجير أو رحيلٍ أو انتظار في طابور طويل، إنها وصفة يأس وقهر، وحاجتُنا لها لا تتعدّى الحاجة إلى خيمة العمل المؤقتة التي تشرف على البناء والتعمير، فمَن أراد وضع يده معنا فليكن إسهامه في خيمة عمل لبناء بيت صغير يثبّتنا أكثر في مَغارزنا.
8. ليس عندنا بطالة الآن، فالكل في ورشة بما يُتاح من القليل الذي نقاتل لانتزاعه، إنما ينقصنا حبل الناس وقوّتهم في مدّ حبالهم إلينا لنعيد البناء، فلدينا الرمال التي يلقيها البحر وسوافي الريح في الصحراء، ولدينا حديد الأنقاض الصدئة، وحصى فتات الركام من بيوتنا المقصوفة، ولدينا ماء البحر لنخلط عجين الإسمنت الذي ننتظر عبوره من فتحات الجُدُر التي تؤخّر عنّا الإعمار وتريد منّا أن نرحل بعيداً عن جذورنا.
9. ومن الآخر: فنحن لسنا قطع غيار في هذه الأرض، تبدّلون فيها قطعةً بقطعة، نحن جذور راسخة، وأصول باذخة، وجذوع ذات فروع ممدودة شامخة، ونحن جبال ذات أوتاد.