1. لا يوجد في الدنيا حملات بريئة أو متجرّدة من المرجعية والانتماء، فهذه الحملة المشتعلة الآن واحدةٌ من أوسخ الحملات التي تستهدف روح الشعب وروابطه المنسوجة بذكاء المجتمعات المتحضرة، وتستغلّ حالة الاستنزاف النفسيّ الذي فيه ليغّير اتجاه مشاعره الغاضبة المتوجهة إلى أعدائه لتتوجه إلى مكوّنات أساسية في داخله.
2. تستغل هذه الحملة مواطن الضعف النفسي والإرهاق غير المسبوق في الروح المعنوية والاضطراب النفسي الناجم عن انعدام الاستقرار وأساسيات الحياة من شراب وطعام ومأوى.
3. لا تسعى الحملة إلى ترميم الوضع النفسي وإعادة بعض التوازن إلى المجتمع المنكوب الذي يحاول التماسك بشقّ الأنفس وبأدنى كلمة أو سلوك، كما لا تراعي ظروفه ولا سمعته.
4. لا تسعى الحملة إلى تحديد غاياتها بشكل مباشر، وهي لا تتحدث عن إخضاع الشعب أو استسلامه، بل تخاطبه بوصفه القادر على التغيير من خلال انتهاج سلوكٍ احتجاجيٍّ سهلٍ يقترحونه على هذا الشعب الذي تنعدم أمامه الخيارات.
5. من أخطر ما تسعى إليه هذه الحملات هو تسويق حلول وهمية على الأرض تبدأ بتنظيم وقفات احتجاجية ضد المناضلين وتشجيع العامّة على إيذائهم واعتراضهم في مرحلة الاستثارة العاطفية، وصولاً إلى محاولة منعهم من أيّ تحرّك، وإشعارهم بأن ذلك قد يؤدي إلى وقف القصف عليهم وذلك في مرحلة ما يسمّى بـ"إزالة الكوابح" وفق ما كتبوه في خطتهم، ثم الانتظام في نسخ نماذج الاحتجاج والاعتراض وتكرارها في مواضع عدّة للإشعار بانتشارها وجاهزيتها لأي حلول بدون أية سقوف.
6. هذه الحملة تعدّ من أكثر الحملات غشّاً وخداعاً، تُظهر نفسها بلباس إنسانيّ رحيم خائف على أرواح المدنيين، وتَفرش شعائر الحزن الباكي على ما جرى لهم، ولكن الحقيقة أن عينها واحدة لا تنظر إلا إلى سلاح المناضلين وما في أيديهم من غنائم ثقيلة، وإلى تصفيةِ قوتهم، ولا تبالي بأحزان الشعب ودموعه.
7. لا تسعى هذه الحملة الضخمة المموّلة إلى مواجهة حملة العدوّ العسكرية أو محاصرته دعائيّاً أو دعوة المحيط العربي والدوليّ للتدخّل الإيجابيّ.
8. ومن قذارة هذه الحملة أنها لا تحتاج للتنسيق المباشر مع العدو لأنها شديدة الانسجام معه وتستفيد من ضغوطه دون أن تتحمل تبعات وحشيّته، والغريب أن العدوّ صار يستفيد منها ويركبها ويروّج لها بفجاجته المعهودة مما يُضعِف تأثيرها بسياسته هذه من حيث أراد دعمها وإسنادها.
9. هذه الحملة تشتغل بهستيرية ظاهرة، تقودها أحقاد وعصبيات تربّوا عليها، وليس فيها شرف ولا أخلاق، وهي لا تداري عواطفها المعادية، والضابط الوحيد في تصعيد حملتها وتصدير أجنداتها هو ألا يُعلَن اسم الجهة المركزية التي أطلقتها وتموّلها وتشرف عليها، وتحلل التغذية الراجعة منها، وتصرف بعد ذلك مخصصاتها منها.
10. وهي حملة جدّيّة تنتظم فيها كل أدوات القوة المتاحة لهؤلاء وباستخدام المنابر المملوكة لهم جزئياً أو كلياً بالكامل، ولم يعودوا يخشون انكشاف هذه المنابر ومرجعياتها، ولا انكشاف الشخصيات المتعاونة أو المأجورة أو المتفقة معها، فالأوامر واضحة للجميع بالانخراط فيها حتى لو خسرت مصداقيتها أو مهنيتها.
11. هذه الحملة المدروسة تتّسم بالتركيز والتكرار والردم المستمر وتحفيز الانفعالات المتراكمة، وتعمل على إشراك أكبر عدد ممكن من المتفاعلين معها لبلوغ أهدافها، وينشرون على كل الحبال التي ترتبط بهم حتى لو كانت وسخة.
12. ولأن وقت هذه الحملات محدود بمواسم الضغط العسكريّ وحلقات التأزيم المسقوفة بأزمان مدروسة فليس هناك تدرّج في بث المضامين المتفق عليها، فتراها تفتح كل الأبواب الكبيرة أو الصغيرة المتاحة لها، ولذلك وقعوا في أخطاء غبيّة ساذجة في توجيهها ولم يصحبهم التوفيق في إدارتها.
13. هذه الحملة ستفشل لأنها سياسية دعائيّة استفزازية محضة ولا قيم فيها، ويَفُوتها أيضاً أن الجمهور المعلن المستهدف لا يستطيع التجاوب معها بسبب انعدام الكهرباء والتشرد والشظف الشديد وانعدام الاستقرار وزهد الناس في التفاعل مع أي شيء لشدة الضغوط وكثرة الواجبات وانعدام الحيلة.
14. ولأنها ستفشل هكذا فلابد من تحريك أدواتهم المرتبطة بهم على الأرض لذلك سيجازفون بكشف عملائهم الميدانيين تحت ضغط الوقت، وهي فرصة للمناضلين أن يكشفوهم ويضعوا أيديهم عليهم.
15. وعلينا أن ننتبه الآن أكثر فثمّة جمهور آخر مستهدف من هذه الحملة في الناحية الأخرى من الوطن المسلوب، تتوجه فيها أدبيّات الحملة إلى تخويف الضفة وتحذيرها من أي استجابة، وردعها نفسيّاً؛ كما أنها في طريقها لاستهداف الجمهور المحيط والعالمي الذي أدرك بوعي كبير أبعاد ما يجري، ويتخذ مسارات عملية تضامنية وربما إسناديّة.