في تصعيد صهيوني خطير، استشهد خمسة من سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، في قصف مفاجئ لأحد مواقع المقاومة جنوب قطاع غزة، من بينهم "أحمد الشيخ خليل" أبو خضر، أحد أهم قادة سرايا القدس في قطاع غزة. يأتي هذا التصعيد الإسرائيلي بشكل مفاجئ وبعد أيام قليلة من إنجاز صفقة تبادل الأسرى، وبعد حالة هدوء طويلة شهدها قطاع غزة امتدت من عملية إيلات الاستشهادية البطولية، مما يؤشر لوجود أبعاد وتساؤلات حول تنفيذ هذا الاستهداف وبهذا التوقيت بالذات. الاحتلال بطبيعته عدواني ولن يتوقف عدوانه إلا بانتهاء الاحتلال على أرض فلسطين، وها هو يمارس جرائمه بعد تسليم الأسير شاليط بأيام قليلة فقط، مما يُبطل مقولة "لا تعطوا للاحتلال مبرراً لعدوانه"، فمبرر جرائم الاحتلال الوحيد يكمن في ذاته العدوانية ضد شعبنا. ومع ذلك فإن هذه الجريمة تحمل أبعاداً خاصة مرتبطة بنشوة الفرح التي انتابت الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة إثر نجاح المقاومة في إخراج مئات الأسرى الفلسطينيين مقابل شاليط، وما تبعه من حراك أمني وسياسي وإعلامي صهيوني داخلي. فالنخبة الأمنية تخوفت من انتهاء قوة الردع الإسرائيلية بعد صفقة الأسرى خصوصاً في قطاع غزة، وعبرت عن قلقها من محاولة الفصائل أسر جنود آخرين، ونصحوا بتذكير الفلسطينيين بقوة الجيش الإسرائيلي وقدرته على الإيلام والمبادأة، وكان الأثر الإعلامي لصورة الجندي الإسرائيلي بيد المقاومة مستفزاً وبالذات ما كان من ظهور أحد قيادات المقاومة "أحمد الجعبري" وهو يسلم الجندي الإسرائيلي أمام وسائل الإعلام. فإن عملية اليوم وبهذه الطريقة الفجة، تهدف لإعادة الثقة النفسية للجندي الإسرائيلي، ولمحاولة إيهام الجمهور الصهيوني أن "إسرائيل" ما زالت قوية بعد إخفاقها في قضية شاليط أمام كتائب القسام، وما زال لها اليد الطولى في قطاع غزة. أيضاً هذه العملية تدخل فيها حسابات انتخابية داخلية، وتعد حركةً استعراضيةً لنتنياهو أمام جمهوره وإثباتاً لقدرته على اتخاذ قرارات عسكرية حاسمة، وأعتقد أنها تشبه ما قام به بيريس إبان انتخابات 1996، التي أدت لآثار عكسية بعد رد المقاومة، وهذا ما سيلاقيه نتنياهو. وتأتي كعملية جس نبض للمقاومة في غزة ومدى قدرتها على الرد على الاحتلال، وهل لديها نية للتصعيد أم ستكتفي ببعض الردود البسيطة، وتقييم مواقفها في هذه المرحلة الحساسة ومدى استطاعتها الاستفادة من التغيرات الإقليمية، ومدى تأثير نجاح صفقة الأسرى على قراراتها القتالية. وأعتقد أن هناك نية لدى الاحتلال لإدخال قطاع غزة لمربع تصعيد محدود تستطيع من خلاله استهداف بعض قادة المقاومة واستنزافهم وخصوصاً من ثبتت مشاركته بأسر الجندي الإسرائيلي، أو حتى بعض الأسرى المحررين أنفسهم ممن أُجبرت "إسرائيل" على إخراجهم غصباً عنها، وهنا نتمنى أخذ هذا التوجس بعين الاعتبار وأن تأخذ المقاومة أقصى درجات الحيطة والحذر. إن المراقب الموضوعي للعدوان الأخير يُدرك أن الاحتلال الإسرائيلي يعاني من حالة غضب من إنجاز الصفقة وذلك بعدما تعزز دور المقاومة من نجاح صفقة الأسرى، وما تبعه من فرحةٍ فلسطينيةٍ عارمة وازدياد الثقة بالمقاومة، وبخطها الجهادي، ما أدى لسلوك متوتر في تصريحات قادة العدو لينتج خطوات عدوانية غير محسوبة، فإسرائيل اليوم لم تعد تخيف ولا تملك وحدها المبادرة وتوجيه الأحداث، فهي أضعف من خوض حرب شاملة مع حماس في غزة، وذلك لما تشهده المنطقة العربية من تحولات دراماتيكية، ولما للبعد الإقليمي من تطورات في الملفين التركي والإيراني، كما أن الولايات المتحدة وأوربا لن تسمح له بالتمدد بأي مواجهة غير محسوبة العواقب. وأعتقد أن المقاومة عليها أن تقوم بعمليات رد مدوية تعيد الاعتبار لهيبتها العسكرية التي اكتسبتها خلال السنوات الأخيرة بعد سيطرة حماس على قطاع غزة، لكي لا تفقد بعضاً من نجاحاتها التي حققتها من خلال المواجهات السابقة التي كان آخرها حرب غزة، وصفقة الوفاء للأحرار، وتعزيز معادلة القصف بالقصف التي ألجمت العدو كثيراً. إن هذا العدو استهدف بجريمته قتل فرحة الشعب الفلسطيني ووقف أفراحه بخروج رجالاته من سجون الاحتلال، ولن يكون هذا العدوان الأخير، ما لم ترد المقاومة بحزم وقوة مهما كانت النتائج، فأي تهاون مع العدو سيجرئه علي التمادي باستهداف المجاهدين والقادة.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.