20.55°القدس
20.27°رام الله
19.42°الخليل
24.53°غزة
20.55° القدس
رام الله20.27°
الخليل19.42°
غزة24.53°
الأحد 13 أكتوبر 2024
4.91جنيه إسترليني
5.31دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.12يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.91
دينار أردني5.31
جنيه مصري0.08
يورو4.12
دولار أمريكي3.76

خبر: بين الديمقراطية الحقيقية والمزعومة

الديمقراطية الحقيقية تبدأ من الحرية الراشدة في الشارع والمهن، والدساتير والقوانين ثم تظهر صورتها الحية في خمس مراحل تبدأ بالمحليات "البلديات" ثم النقابات ثم مجلس النواب ثم الشورى ثم أخيرا رئاسة وقيادة البلد كله، أما الديمقراطية "المنزوعة" فليس فيها هذه الحريات ولا هذه الخطوات، وإنما تُختصر البلد كلها في شخص "الزعيم" الانقلابي، ويبدو أن اشتقاقها صار في دولنا العربية حديثا من قول العرب: "الزعم مطية الكذب" فيغنِّي الجميع للزعيم: "أنا الشعب أنا الشعب"، أو كما قال تعالى في بيان الظاهرة الفرعونية: (مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي) (القصص: من الآية 38)، وقوله تعالى: (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ) (غافر: من الآية 29)، في الديمقراطية الحقيقية الشعب هو السيد وأعضاؤه المنتخبون في المحليات "البلديات" والنقابات ومجالس النواب والشورى ورئيس البلاد كلهم خادمون للشعب؛ ولذا لم يندهش معاوية بن أبي سفيان عندما دخل عليه أحد الرعية فقال: السلام عليك أيها الأجير، فقالت الحاشية: بل الأمير، فقال: بل الأجير، لأنه متفرغ لخدمة الأمة كما يتفرغ الأجير لخدمة من استأجره، أما الديمقراطية المزعومة فالشعب كله أجير لدى الزعيم أو الرئيس أو الأمير أو الملك أو السلطان، وهم يكدحون لتصب أموال الدولة في جيب هؤلاء الزعماء وعائلاتهم وحاشيتهم وزبانيتهم، الديمقراطية الحقيقية هناك علاقة تراحم وتوادد وتعاون بين الشعب والسلطة لأنهم جميعا يسعون إلى خدمة الوطن وفق هذه المنظومة الرباعية: للأرض عمارة، وللشعب رعاية، وللقانون طاعة، وللسلطة معاونة فيما لم يخالف شرعا، فإذا انحرفت السلطة أو كان القانون الموروث بعيدا عن الحق والعدل فلا يجوز أن ينقلب أحدٌ فردا أو جماعة على الشعب قتلا وإرهابا، أو الأرض تخريبا وإفسادا، وإنما يستمر الجميع في المنهج الديمقراطي للشعب رعاية، وللأرض عمارة، ويُذهب إلى الصندوق لتغيير القانون والسلطة معا، أما في الديمقراطية المزعومة فإن الحاكم "الانقلابي" يبقى والشعب يذهب إلى الجحيم. الديمقراطية الحقيقية تكثر فيها الأطياف والألوان وتتعدد الأحزاب والهيئات والمؤسسات والجامعات، والديمقراطية المزعومة الطيف فيها واحد لدرجة أن كل المساجد الكبرى في مدن إحدى الدول العربية لابد أن تحمل اسم "الزعيم"، والحياة كلها ليل دامس ليس فيه ليل ونهار، شمس وقمر، حر وبرد، أبيض وأسود، فإذا أحب "الزعيم" لونا تتحول الألوان كلها وفق مزاج "الزعيم"، وتتحول الألوان الأخرى إلى ألوان باهتة في الطيف الاجتماعي. الديمقراطية الحقيقية هناك إقرار ذمة مالية يقدَّم مع الخطوة الأولى في الترشيح للمحليات أو النقابات أو مجالس النواب والشورى والرئاسة، ويُساءل أمام القاصي والداني من أين لك هذا؟ وقد استقال مسؤولون في الغرب لأنهم حوسبوا على ملاليم أنفقوها في غير وجهها، وفي الديمقراطيات المزعومة لا توجد ذمة أصلا، ولا ضمير، ولا خلق، وينفق "الزعيم" المال كيفما شاء، ويدخر منه لنفسه وعائلته وزبانيته وحاشيته كما يريد، ولو فكر أحد أن ينبس ببنت شفة أو يكتب كلمة فإنه يتعرض لما قاله الشاعر محمود عمر حيث قال: إن قلت بعض حقيقة قطع اللسان ولقد علمت مصير من شذَّ عن قانون ممنوع الكلام فسيلحقون بجرمه مليون اتهام ومع كثرة القهر والاستبداد تخرج بعض الأصوات من الشعوب تؤسس لهذا الجبن والهلع، والخوف والفزع، ويسود منطق الشاعر: كن دائماً بين الخراف مع الجميع طأطئ وسر في درب ذلتك الوضيع أطع الذئاب يعيش منا من يطيع إياك يا ولدي مفارقة القطـيع أما الديمقراطية الحقيقية فمنطق كل فرد في الشعب هو قول الشاعر: لا تسقني ماء الحياة بذلة بل فاسقني بالعز كأس الحنظل أو كما قال الشاعر: كل الذي أدريه أن تجرعي كأس المذلة ليس في إمكاني أهوى الحياة كريمة لا قيد لا إرهاب لا استخفاف بالإنسان فإذا سقطت سقطت أحمل عزتي يغلي دم الأحرار في شرياني الديمقراطية الحقيقية ترى طوابير الانتخابات مبهجة مهما كان حر الصيف أو برد الشتاء، يقفون في أمن بلا خوف من أكابر البلاطجة في الخارج والمزورين في الداخل، أما في الديمقراطية المزعومة فإنهم يقتلون الأحياء الذين يريدون أن يصوتوا لغير "الزعيم" وحزبه، ويحيون الأموات الذين تصوروا أنهم في عنقهم بيعة إلى "الزعيم" إلى يوم الدين!. وهنيئا لأعراس الحرية والديمقراطية الحقيقية التي حلَّت بتونس ثم المغرب ثم مصر زمن الرئيس المنتخب، وعقبال فرحة عودة الشرعية، وكله يفرح ويتهنَّى. (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ *بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (الروم: من الآية 4 و5)