18.88°القدس
18.57°رام الله
17.75°الخليل
24.32°غزة
18.88° القدس
رام الله18.57°
الخليل17.75°
غزة24.32°
الأحد 29 سبتمبر 2024
4.95جنيه إسترليني
5.22دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.13يورو
3.7دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.95
دينار أردني5.22
جنيه مصري0.08
يورو4.13
دولار أمريكي3.7

خبر: يموت "العميل"مرة وتموت عائلته مرات

لم يخطر على بال "محمد" يوماً أن يصبح "منبوذاً" في مجتمع كان محبوباً فيه، يخدمه بعلم الطب الذي أنهاه بتفوق، وضعٌ جديد لم يتوقف عند حدود محمد، بل تعداه إلى أن طال كل عائلته خاصة أخواته الأمر الذي قلب حياة الأسرة رأساً على عقب بعد أن كانت نموذجاً يحتدى به. رحل الأب في فعل لا يحسد عليه، لم يورث لهم درهم أو دينار، بل ورثوا عنه سمعة سيئة أفقدت العائلة مكانةً وقدراً في مجتمع غالبه اعتاد توزيع التهم جزافا، وتحميل الوزر للجميع دون تفكر أو تريث. (أبناء العميل) صفة لازمت العائلة منذ أن قضى أباهم شنقاً بالإعدام بعد إدانته بالتخابر لصالح المخابرات الإسرائيلية وتسبب بقتل مواطنين. غادر الأب العميل دنياه، مخلفاً حملاً ثقيلاً على محمد الابن الأكبر لأخوين وأختين وأم أعياها الفكر في مصير أبنائها من وصمة عار لا ذنب لهم به إلا أن الفاعل أباهم سقط في وحل العمالة مثل كثير غيره يعيشون في مجتمع تحت احتلال لا يترك وسيلة للوصول إلى مبتغاه إلا واستخدمها أسوة بحال كل الشعوب التي استعمرت أو احتلت. "انفض الأصحاب من حولي إلا ما نذر" يقول محمد والألم يكاد يخنقه، يضيف"لم نعد كما كنا نخالط الناس خاصة في الأيام الأولى للحدث" الذي قال إنه فعل نتبرأ منه ولا نرضاه لأحد. يشير إلى أن "المصيبة صارت مصيبتين" بانعكاس الحدث على العائلة ككل، أخواه فضلا الجلوس بين جدران المنزل على أن يذهبا إلى المدرسة تجنباً للحرج، وكذلك فعلت أختهم الجامعية التي أجّلت دراستها إلى حين استقرار وضع العائلة الذي قال إنه "ساء كثيرا".في حين بال الأم مشغول دون توقف ما أثر سلباً على صحتها وهي في سن الأربعين. محمد حمد الله وشكره كثيراً بعد أن رأى زوج أخته قريباً منهم مهوناً عليهم من هول المصيبة، متفهم لم يقدم على طلاقها كما يفعل كثير في مثل هذه الحالة. يقول الأخ الأكبر، إنه لم يستسلم للواقع الجديد الذي فرض عليهم، فهو وبحكم أنه صاحب القرار بعد والده، قرر بيع المنزل والانتقال إلى مدينة أخرى، مضيفاً "خيرا فعلت"، وبدأنا حياتنا من جديد. [title]لوم المجتمع[/title] وألقى محمد باللوم كثيراً على المجتمع الذي قال إن الأصل هو الوقوف بجانب أي عائلة وقعت ضحية جرم لم ترتكبه، وأن لا يتسببوا في قتل العائلة مرتين بتنكرها لها، داعياً الدعاة وأهل الاختصاص إلى نشر الوعي بين الناس في مثل هذه الحالات خاصة، وأن كل أبناء شعبنا معرضون للسقوط في وحل العمالة. وعائلة محمد من بين مئات العائلات وقعت ضحية هذا "الجرم المشهود"، قد يختلف المصير بحسب نظرة الناس من حولهم لهم. فهذه عائلة كل أبنائها الذكور، أعضاء في فصيل فلسطيني مقاوم للاحتلال الإسرائيلي، رغم أن كل من يخالطوهم يعرفون أن أباهم قتل على إثر عمالة خلال الانتفاضة الأولى. يقول أكبرهم عماد إن الوضع كان مختلف في ذلك الزمان إذ كان الأمر يتعدى قتل العميل إلى حرق بيته وملاحقة عائلته لكنه استطاع التغلب على هذه المعضلة تدريجياً، ساعده على ذلك علمه وخلقه وعلاقاته المتغلغلة بين الناس، حتى أصبح مثلاً يجرى على ألسنة الناس. وتسعى المخابرات الإسرائيلية إلى استخدام كافة الوسائل المتاحة من اتصالات وشبكة انترنت ووظائف وهمية واغراءات مادية لاسقاط الشباب خاصة في وحل العمالة، وهو ما حذرت منه وزارة الداخلية كثيراً. ومؤخراً أعدمت وزارة الداخلية في غزة عدداً من العملاء أدينوا بقتل مقاومين من خلال نقل معلومات عن تحركاتهم وأعمالهم مقابل مبلغ زهيد من المال وقد مضى على ارتباط كثير منهم عشرات السنوات. [title]نظرة سلبية لها علاج[/title] الأخصائي الاجتماعي والأكاديمي الفلسطيني د.وليد شبير أشار إلى أن النظرة السائدة هي نظرة سلبية لأنهم "أبناء عملاء"، موضحاً أن هذه الوصمة تدفع الأبناء خاصة إذا كانوا في سن الشباب إلى العزلة الاجتماعية عن المجتمع، وأن يفقدوا الثقة بأنفسهم وقدراتهم، ويصيبهم القلق والتوتر النفسي الذي يدفعهم للانتحار، لاسيما إن لم يكن لديهم الوازع الديني وعدم الثقة بالذات. وحذر من أن تلك المعاملة يمكن أن تدفع الأبناء إلى التعامل مع العدو والسير على درب والدهم إذا همشهم المجتمع، وأصبحت علاقتهم تصبح محصورة ومنغلقة على أنفسهم خجلاً من السمعة السيئة ونظرات العار التي تلاحقهم. وقال في تصريحات منشورة له "أبناء العملاء قد يسلكون أحد المسلكين الاجتماعيين وهما إما السلوك الانحرافي لعدم قدرته على مواجهة هذا الواقع، أو سلوك إيجابي للذين يدركون خطورة ما ارتكبه آباءهم فيعملون على تغيير الصورة السيئة واستبدالها بصورة حسنة من خلال التزامهم الديني وانخراطهم في العمل الوطني". ونوه إلى أن الإناث هن أكثر ما يواجهن هذا النظرة السيئة، فالمجتمع يرفض الزواج منهن؛ لأن البعض يعتقد أن "عرقهن دساس" ، وستبقى مكسورة الجناح وتتعرض للمعايرة إذا تزوجت، ما يؤدي إلى ضعف شخصيتها وعدم قدرتها من الدفاع عن نفسها. والأهم في حديث الأخصائي الاجتماعي أن هذه النظرة السلبية يمكن علاجها بتوعية المجتمع بكافة الوسائل من خلال البرامج المتلفزة ووعاظ المساجد وتوعية الشباب في الجامعات بأن هؤلاء الأبناء لا ذنب لهم، وعلينا أن نحترمهم ونفتح أمامهم كافة المجالات الاجتماعية.