18.9°القدس
18.73°رام الله
17.75°الخليل
23.4°غزة
18.9° القدس
رام الله18.73°
الخليل17.75°
غزة23.4°
الأحد 13 أكتوبر 2024
4.91جنيه إسترليني
5.31دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.12يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.91
دينار أردني5.31
جنيه مصري0.08
يورو4.12
دولار أمريكي3.76

خبر: حوار جاد مع مرتد عن الجهاد

إن أخطر أنواع الهزائم التي تصيب الأمم والأفراد هي الهزائم المعنوية التي تجعل المهزوم يفقد الثقة بنفسه وأمته وحضارته وعدالة قضيته، ويتخلى عن قيمه ومبادئه وعقيدته وثوابته، ويُعجب بثقافة وحضارة العدو المنتصر، ويعتقد أن فيها سعادته وخلاصه؛ ونتيجة للهزائم المتتالية التي منيت بها أمتنا، أصيب الكثير من أبناء العرب والمسلمين على اختلاف بلدانهم وانتماءاتهم الفكرية بالهزيمة المعنوية والردة عن الجهاد، وقد قابلت أحد هؤلاء المهزومين ودار بيننا حوار طويل، أَنكرَ خلاله أن القرآن الكريم والسنة النبوية يدعوان إلى قتال الأعداء المحتلين لأرض المسلمين المغتصبة، إذ كان كلما جئته بآية لأستدل بها على وجوب قتال الأعداء يقول:"إن هذه الآية خاصة بظروف نزولها، وأنها ربما نسخت بآية أخرى، وربما تحمل تفسيراً آخر لا يدل عليه ظاهرها، أو أنها قد تعني جهاد النفس لا قتال الأعداء، أو أنها تقصد الجهاد بمفهومه الأوسع من القتال"، وإذا جئته بحديث واضح الدلالة على وجوب مقاتلة الأعداء المعتدين، قال: "إن هناك الكثير من الأحاديث الموضوعة، وقد يكون هذا الحديث موضوعاً"، وإذا أثبتُّ له صحة الحديث قال: "إن العلماء يختلفون في شرح الأحاديث، ومن المحتمل أن تجد رأياً آخر يفسره على غير ظاهره"، وإذا جئته بأقوال العلماء المؤكدة لظاهر الحديث الواضح، قال: "إن هذه الأقوال قيلت في ظروف مختلفة عن ظروفنا، ولذلك ينبغي ألا تكون ملزمة لعصرنا"، وهكذا يتملص من كل النصوص الشرعية والفتاوى، ولا يعدها مرجعية لعصرنا، وهو لا يعتمد في دعم وجهة نظره إلا على حجج واهية تمليها عليه نفسه المنهزمة وعقليته المريضة وأهواؤه الشاذة؛ والمقام هنا لا يكفي لتفاصيل الحوار، ولذلك فإنني سأكتفي بذكر جزء يسير منه، لعله يفيد ويحفظ من الوقوع في ضلالات المنهزمين. قال صاحبنا: "إن فلسطين وغيرها من بلاد المسلمين المحتلة لا يمكن أن تحرر بالجهاد في ميادين القتال، لأن أعداءنا أكثر منا قوة وتحضراً وتقدماً علمياً، وإن السبيل الوحيد لتحريرها -وبدون قتال- هو التفوق الحضاري والعلمي والتكنولوجي، وإن الحركة الإسلامية في عالمنا العربي والإسلامي قد ارتكبت خطأ فادحاً عندما دعت الناس إلى الجهاد، وربَّت الأجيال على حب الاستشهاد، وإنها ما تزال ترتكب هذا الخطأ، ويتوجب عليها أن تتوقف عن ذلك، وتعيد تربية أبنائها على مناهج مختلفة، لتصنع منهم العلماء الذين يهزمون الأعداء حضارياً وليس في ساحات القتال، وإن على المجاهدين في فلسطين وفي كل مكان أن لا يضيعوا أوقاتهم وجهودهم ودماءهم في قتال فاشل حتماً، وعليهم أن يلقوا سلاحهم، ويهادنوا أعداءهم، ويرضوا بالأمر الواقع، لأن حالهم يتغير فقط بالعلم والتكنولوجيا وليس بالجهاد". وسوف أختصر ردي عليه بالنقاط الآتية: أولاً: لقد انتصر الصحابة الكرام على إمبراطوريتي الفرس والروم بالرغم من الفرق الشاسع لصالح الأعداء في ميزان القوى والعلوم والصناعة والتطور التكنولوجي، وذلك عندما التزموا بدينهم ومبادئهم، وجاهدوا في سبيل الله؛ لأن دينهم لم يأمرهم بوقف الجهاد إلى أن يتفوقوا على الأعداء في النواحي المادية، بل أمرهم أن يجاهدوا بعد أن يعدوا لقتال أعدائهم ما استطاعوا من قوة ومن رباط الخيل. ثانياً: هُزم المسلمون على أيدي الصليبيين وسقطت القدس في أيديهم سنة492هـ ومعها بلاد الشام بالرغم من التفوق الصناعي والعلمي والتكنولوجي الكبير للمسلمين على الصليبيين الذين كانوا متخلفين حضارياً وعلمياً وصناعياً، وسبب هزيمة المسلمين هو تركهم للجهاد، وظلت أرض المسلمين خاضعة للصليبيين لنحو قرنين، ولم تنجح تكنولوجيا المسلمين ولا علومهم في حماية أرضهم ومقدساتهم ولا في تحريرها، ولم يحققوا النصر والتحرير إلا بعد أن قاتلوا في سبيل الله. ثالثاً: سقطت بغداد في قبضة التتار سنة656هـ، وسقطت بعدها بلاد الشام ومعها أجزاء من فلسطين سنة658هـ، وقد حدث هذا بالرغم من تخلف التتار علمياً وصناعياً وحضارياً، وبالرغم من التقدم العلمي والصناعي والتكنولوجي للمسلمين في بغداد والشام، وسبب هذا السقوط السريع لهما هو ترك الجهاد، ولم تسقط مصر التي توجه إليها هولاكو لاحتلالها لأنها جاهدت، حيث قرر قطز ومعه علماء المسلمين أن يجاهدوا التتار، فجاهدوا وهزموا المغول في عين جالوت، وحفظوا ديارهم، وحرروا بلاد الشام بعد نحو خمسة أشهر فقط من سقوطها. رابعاً: فتح المسلمون الأندلس سنة92هـ بالرغم من تفوق أهلها العلمي والصناعي والعمراني على المسلمين، وأقاموا فيها دولة قوية متحضرة حيث كانت تعد أولى دول العالم في العلوم والصناعات والفنون والعمران، لكن العلم والتقدم لم يحميا الأندلس من السقوط في أيدي الفرنجة المتخلفين علمياً، عندما ترك المسلمون الجهاد وغرقوا في الترف. خامساً: لن يتحقق التقدم العلمي في وجود الاحتلال، لأن الاحتلال يسعى إلى تجهيل المسلمين، ويقضي على كل أسباب تقدمهم، إذ يسيطر على ثروات البلاد، ويفقر الخاضعين له، ويفرض المناهج التي تحقق مصالحه فقط، وقد رأينا ما فعله الاحتلال الصهيوني بقطاع التعليم في بلادنا، ونرى اليوم ما يفعله الأمريكان في العراق، حيث دمروا في الأيام الأولى لاحتلالهم معظم المكتبات والمتاحف والآثار وقاموا بنهبها، كما تولوا قتل كبار العلماء والأطباء وأساتذة الجامعات، حتى بلغ عدد من قُتل منهم نحو خمسمائة عالم وطبيب. سادساً: إن الذي يصنع التقدم والتكنولوجيا والإبداع هو الجهاد، أما القعود فيؤدي إلى الكسل والاسترخاء والتخلف، وقد رأينا ما أبدعته عقول وأيدي المجاهدين الفلسطينيين من وسائل وطرق قتالية أجبرت المحتل على الرحيل عن غزة. سابعاً: لم يحدث في التاريخ أن رحل المحتل عن أرض سكت عنه أهلها ولم يقاوموه، بل إن كل حالات التحرير قد تمت بعد قتال وتضحيات كثيرة، وإن من ينتظر الاحتلال إلى أن يرحل وحده واهم مغفل، ومن يتوقع أن يتفوق الخاضعون على المحتلين في المجالين العلمي والتكنولوجي أكثر وهماً وغفلة. ثامناً: إن المطلوب من المسلمين أن يجاهدوا بعد أن يعدوا لأعدائهم ما استطاعوا من قوة، وليس بالضرورة أن يصلوا إلى مستوى قوة أعدائهم أو يتفوقوا عليهم، وقد فعلوا هذا في كل حروبهم ومعاركهم مع الأعداء، وكانوا ينتصرون عليهم دائماً بالرغم من قلة أعدادهم وعتادهم. كان صاحبي ينصت باهتمام بالغ، وشعرت أن كلماتي قد تركت في نفسه أثراً عندما قال: "إن الحجج التي ذكرتها منطقية تستحق التوقف والتأمل"، فدعوت الله مخلصاً أن يهديه ويشرح صدره