17.21°القدس
16.94°رام الله
16.08°الخليل
21.62°غزة
17.21° القدس
رام الله16.94°
الخليل16.08°
غزة21.62°
الأحد 13 أكتوبر 2024
4.91جنيه إسترليني
5.31دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.12يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.91
دينار أردني5.31
جنيه مصري0.08
يورو4.12
دولار أمريكي3.76

خبر: هل تجدي المقاومة السلمية في غزة؟(1)

قاد الأداء الجيد للمقاومة العسكرية في قطاع غزة خاصةً حين يقارن بأحوال الضفة الغربية إلى خلق قناعة لدى تيار شعبي كبير بأن كل أشكال المقاومة الأخرى غير مجدية ولون من العبث والموت المجاني، ورأينا من ينظر إلى كل من يفكر في وسائل أخرى في مقاومة الاحتلال بنظرة استعلائية منطلقاً من اعتقاده بأن المقاومين الحقيقيين يعملون في صمت ولا يظهرون في الإعلام وأنهم منشغلون في هذه الأثناء بتطوير السلاح وحفر الأنفاق، وأن السيف أصدق أنباءً من الكتب وأن ألفي قذيفة من كلام لا تساوي قذيفةً من حديد.. الإيمان بجدوى المقاومة العسكرية وحدها وفقدان الثقة بالوسائل الأخرى دفع باتجاه عسكرة المجتمع، وتمثلت هذه العسكرة في توقف الإبداع النضالي المتعدد الهادف إلى مراكمة الإنجازات الوطنية والضغط على الاحتلال، وجمد الفكر في صندوق صغير يتمثل في التجهيزات العسكرية، كما أنه خلق حالةً من السلبية العامة في نفوس الجماهير، لأن العمل العسكري بطبيعته نخبوي لا يشترك في الإعداد والتنفيذ له سوى دوائر ضيقة ويحاط بالسرية والكتمان، وفلسفة المقاومة العسكرية تعني التواري عن الأنظار والاستعداد في الخفاء للجولة القادمة، والتواري عن الأنظار يبعد الجماهير عن التماس المباشر مع قضيتها، ويشغلها بقضاياها المعيشية وحين لا تكون حاضرةً أمامها أمثلة للاشتباك الدائم مع العدو فسيتراجع من دائرة وعيها الاهتمام الوطني، وهو ما تحققه الوسائل الجماهيرية التي تتطلب إبرازاً دائماً للقضية في الإعلام واستقطاباً للتفاعل الوطني والعالمي بها.. من ناحية أخلاقية فإن غياب مشهد الاشتباك الجماهيري الدائم مع العدو وتراجع الاستحضار اليومي في الإعلام لصورة العدو المجرم القاتل يضر بنفسية المقاتل ذاته، فيبعده عن حقيقة المقاتل انطلاقاً من الهم المسيطر عليه برفع الظلم عن شعبه، ويقربه من صورة المقاتل المحترف لأجل القتال، وهذه الحقيقة النفسية تنبه إليها خالد بن الوليد رضي الله عنه حين أمسك المصحف وبكى وهو يقول: "شغلنا عنك الجهاد"، والمعنى المستبطن هو أن العسكرة تؤدي بالضرورة إلى تراجع الجوانب الإنسانية، وحين يكون الحديث عن قضية عادلة مثل قضية فلسطين فنحن لسنا معنيين بالمقاتل المحترف بل بالمقاتل الإنسان. سيرد كثيرون سريعاً أنه لا ينقص المقاتلين تعبئة أخلاقية وأن كل عوامل الاستفزاز حاضرة أمامهم، لكن المشاهد التقليدية متمثلةً في الأخبار اليومية عن انتهاكات الاحتلال بحق الأقصى والأسرى وأخبار الشهداء تصبح روتينيةً مع الوقت، والذي يجدد نفسية المقاتل الإنسان ويحميه من خطر المقاتل المحترف هو وجود حالة متجددة من الاشتباك الجماهيري مع الاحتلال تعزز الشعور في نفسه بأنها معركة بين شعب متشبث بحقوقه وبين عدو يحمل مشروعاً استيطانياً إحلالياً.. هذا البعد الأخلاقي الذي تحققه المقاومة السلمية ضروري أيضاً لكسب معركتنا الإعلامية على مستوى العالم، ولاستقطاب مناصرين من شتى أنحاء العالم والذين سيمثلون بدورهم حالة ضغط سياسي على صناع القرار في بلدانهم، والاقتصار على المقاومة العسكرية وحدها يصور المواجهة بأنها بين جيشين متكافئين، وفي هذه الحالة حتى لو انتصرنا فسيكون انتصاراً عسكرياً منزوعاً من أبعاده الإنسانية الأخلاقية، وسيكون من حق إسرائيل استعمال أقصى ما لديها من ترسانة عسكرية للرد عليه، هذا عدا أن الانتصار العسكري وحده لا يعطي شرعيةً أخلاقيةً ما لم نكن مستندين إلى رواية قادرة على إقناع الناس بأننا أصحاب قضية أخلاقية وأننا نواجه عدواً خارجاً عن القانون، وترسيخ هذه الرواية لا يكون إلا عبر جهود تراكمية من وسائل المقاومة السلمية التي تستعمل الأدوات الإعلامية والشعبية والقانونية والاقتصادية في تشديد الحصار على عدونا وتسجيل نقاط لصالح قضيتنا.. المقاومة السلمية تتميز بأنها تخلق إيجابيةً أكثر في نفوس الشعب لأنها تقوم على مشاركة قطاعات واسعة من الناس في أنشطتها كما أنها تبقي القضية حاضرةً إعلامياً وتزعج الاحتلال وتنسف روايته حول مواجهة مجموعةً من المقاتلين، وإسرائيل تملك القدرة على مواجهتنا في الميدان العسكري فهو عنصر قوتها، وهذه حقيقة لا ينكرها إلا مكابر، لكنها لا تملك القدرة على هزيمتنا في الميدان الأخلاقي كونها تقوم على رواية ضعيفة متهاوية بينما نستند نحن إلى أساس أخلاقي متين. المقاومة السلمية هي التي تملك القدرة على ملء الأوقات المهدرة بين جولات التصعيد العسكرية، فعسكرة الصراع مع الاحتلال غيرت طبيعة المواجهة من كونها انتفاضةً يوميةً مستنزفةً لهدوء الاحتلال واستقراره وطاردةً للمهاجرين منه ومضطرةً له للبقاء في حالة استنفار أمني، ووضع سياسي واقتصادي غير طبيعي، غيرتها إلى موجات تصعيد قصيرة تعقبها فترات هدوء كبيرة بانتظار الموجة القادمة، وفي هذه الفترات يلتقط الاحتلال أنفاسه، ويستثمر الوقت في تمرير مخططاته الاستيطانية في القدس والضفة وفرض وقائع جديدة دون أن تملك المقاومة العسكرية أريحية الرد كونها تخضع في حركتها لحسابات كثيرة، كما يستفيد الاحتلال من فترات التهدئة في استقطاب الاستثمار وتنشيط السياحة واستئناف الحياة الطبيعية، لكن وجود برنامج دائم لأنشطة جماهيرية وإعلامية إبداعية بشكل متصاعد على غرار بلعين ونعلين هو الذي يحرم إسرائيل من فوائد فترات الهدوء العسكري وسيضطرها للانجرار إلى معركة الاستنزاف الطويل التي يتفوق الفلسطينيون فيها كونهم متجذرين في أرضهم ومتشبثين بحقوقهم ويستندون إلى دافع أخلاقي أقوى