18.57°القدس
18.34°رام الله
17.19°الخليل
23.24°غزة
18.57° القدس
رام الله18.34°
الخليل17.19°
غزة23.24°
الأحد 13 أكتوبر 2024
4.91جنيه إسترليني
5.31دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.12يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.91
دينار أردني5.31
جنيه مصري0.08
يورو4.12
دولار أمريكي3.76

خبر: مظلومون بأفعال ذوي القُربى

كلما انتصف الشهر واكتملت استدارته، تسلل الحُزن إلى فؤاد “مهند”، وحمل صورة لزوجته التي فارقها بعد أيامٍ على زفافهما، وأمضى ليلته بين ناظر إلى معالم وجهها وماسحٍ لدموع ما انحبست عن منحدرات وجهه منذ سنوات، حتى وكأنها شقت أخاديداً على سفوح وجهه الوردي.الظلم جاهداً يحاول “مهند” ألا يُظهر معالم حزنه على رفيق دربه “مصطفى”، لكنه في كل مرة يوقظ صديق السراء والضراء، فصوت أنينه لا يدعُ أحداً من رفاقهم ينام ليلته، ودموع “مهند” تكون هي الكفيلة بأن توقظهم جميعاً لتجعلهم أسرى لأمواج الزمان تتقاذفهم ذات اليمين وذات اليسار. لقد حفظ الرفاق تفاصيل حكاية “مهند”، فمنذ كان يدرس في الجامعة ويصل إليها في كل يوم ذهاباً على أقدامه، قرر أن يتزوج ابنة جيرانه “إيمان” بعدما وجد فيها الفتاة التي يتمناها من أراد سعادة في الدنيا والآخرة، فهي يتيمة الأب والأم بقرار من العدو الصهيوني، الذي هجر أهل بلدتها في العام 1948م قصراً من ديارهم وأصبحوا مشتتين في بقاع الدنيا، أما “إيمان” فتلقفتها خالتها بعدما غيرت مسار حياتها ثلاثة من قذائف قتلة الأنبياء والمرسلين سقطت على بيتهم، ففرت مسرعةً نحو المجهول بعدما تناثرت أشلاء والديها على وجهها. وتمضي الأيام، وتطوي السنون صفحاتها بآلام ذكريات حفرتها قذائف محتل غاصب لا يرحم، ومع مُضي كل يوم كانت “إيمان” يزداد إيمانها بعدالة قضيتها التي قدم والديها دمائهم رخيصة في سبيل بقائها مرفوعة الهامة. وحينما بلغت السن التي تصلح فيها للزواج، تقدم لخطبتها “مهند”، وبدون مقدمات كان الزفاف، فلا أحد يأتيه شخص مثله ويتأخر عن تزويجه. وخلال فترة زواج لم تدم سوى أيامٍ معدودات فقط، لكنها بُعمر السنين، عرفت “إيمان” زوجها “مهند” عن قرب، فقد كان زوجا وأخا وأهلاً، والأهم من هذا وذاك، فقد كان سيفاً مسلطاً على رقاب من أضاعوا الحضن الدافئ لها في بداية فصول الرواية الفلسطينية. وفي كل ليلة من ليالي الصيف يتذكر “مهند” فترات أمضاها على تلة صغيرة تتواجد أمام منزله وزوجته، فقد كان يجلس الاثنين كلاهما والقمر ثالثهما، يتبادلان ابتسامات وفكاهات وخطط لمستقبل ادلهمت فيه الخطوب، وغابت عنه المعالم، وخلال الليل الذي اعتاد الحبيبان أن تمضي ساعاته مسرعةً، يكون لا بُد من نهاية، فـ” مهند” الحبيب والزوج والإنسان لا بد أن يتحول لشخص آخر في نهاية الليل، هكذا اتفق مع “إيمان”، فالوطن لا يزال محتل، والقاتل يعيش بأمن وأمان. وفي إحدى الليالي التي غاب عنها البدر، لم يدر في خلد “مهند” أن العدو الصهيوني راقب خطواته وعد رصاصاته التي قتلت العديد من جنوده ومستوطنيه، وبينما كان في فراش زوجته انقض عليه الوحوش دون استئذان، واختطفوه من بين يدي محبوبته. مضى ومعه أصبحت الدموع تمضي باستمرار إلى حيث تشاء دون أن تجد السبيل لإيقافها. وفي سجون الاحتلال بات “مهند” يسعى جاهداً لرؤية ضوء القمر الذي حرمته منه عتمة الزنزانة اللعينة، وكلما رآه بصعوبة نتيجة المنع والحرمان فقد السيطرة على جفونه فانحدرت الدموع غزيرة مرة أخرى. قبل أيام جلس “مهند” ورفاقه داخل السجون يستذكرون فصول الحكاية مرة أخرى، فانفتح الجرح الذي يأبى الاندمال، وفي وقت يستعد الجميع لاستقبال فعاليات “يوم الأسير” كلمسة وفاء بسيطة من شعبهم لا تكافئ جزءا يسيرا مما قدمه “مهند” ورفاقه لأجل فلسطين الوطن والقضية، جاءت الأخبار التي أكدت أنهم بعيدون كل البعد عن دائرة الاهتمام. “مهند” تحدث بمرارة لرفاقه، وقال: يا جماعة المكتوب باين من عنوانه.. الأهم لدى الشباب الفلسطيني في “يوم الأسير” الخروج احتفاء بفوز فريق ريال مدريد على البرشة. ويقاطعه آخر: يا ناس خُضنا الإضراب وحققنا إنجازا كبيرا بعد دقائق معدودة بوقف عزل الأخوة إبراهيم حامد وضرار أبو سيسي، ولم نشاهد مسيرة على الأقل تحتفي بانتصارنا!!. وثالث بينهم قال: دعونا ننتظر حتى تأتي مناسبة يوم الأسير. انتظروا، وعادوا جميعا للاجتماع مساء السابع عشر من أبريل/ نيسان لتقييم فعاليات التضامن معهم، اتفق الجميع بأن الفعاليات الخاصة بالأسرى تم تركيزها في يوم واحد فقط وفي مواعيد متضاربة بين هذه الجهة وتلك، وكانت فعاليات نمطية لم توصل رسالة معاناة للأسرى تعددت أشكالها، فضاع الهدف. وخلال نقاشهم قطع حديثهم رنين هاتف انتظره “مهند” منذ فترة طويلة، أخبره أحدهم أن زوجته “إيمان” على الجانب الآخر، وبكل شغف أمسك الهاتف ويداه ترتعشان شوقا وحناناً، وبدأ بسؤالها عن نظرة المجتمع الفلسطيني لمن قدم حريته لأجل أن يحيا أبناء شعبه بعزة وكرامة، فتلعثمت إجابتها، وأسرعت قائلة: المهم أنتم صحتكم إن شاء بخير؟؟. قاطعها زوجها: ولكن كيف يتفاعل الناس مع قضيتنا؟؟. حينها صمتت ولم تعرف بماذا تُجيب. هز “مهند” رأسه، وأغلق الهاتف وبدأ ورفاقه بالبكاء، وأخذ أحدهم ينشد قول الشاعر: وظلم ذوي القربى أشدّ مضاضةً… على المرء من وقع الحسام المهندِ وأمسك بقضبان سجنه غاضبا، ورفع صوته بالصياح: الاعتصام أمام مقر الصليب الأحمر يكون لعدد معدود من الناس وبشكل موسمي، ومسيرات التضامن معنا الأقل مشاركة، ولا أعمال درامية تليق بنا وتنقل معاناتنا، وجيل الشباب لا يستطيع الواحد منهم أن يحفظ خمسة من أسماء أبطالنا بينما يحفظ أسماء “نانسي” و “هيفاء” وغيرها ويعلم أدق تفاصيل حياتهم، وطلاب المدارس لا يسمعوا عن بعض مما قدمنا، بل وإن العديد من قادة مجتمعنا لم يتركوا فعاليات الأسرى وحيدةً لتحوز الاهتمام المطلوب، وقاموا بحرف بوصلة الإعلام بتنظيم فعاليات لا تهم قضية الأسرى تزامنا معها. وعلى الفور يقاطعه زميله “مصطفى” وهو يضمه إلى صدره: لا تحزن أخي “مهند”، أنا أدرك بأن ظلم ذوي القربى شديد وعظيم ومؤلم على النفس، لكننا لسنا بحاجة إلى فعاليات هنا وهناك وإن كانت مهمة لإظهار المأساة التي نعيشها وقد بدأت الأمراض تنهش أجسامنا الغصة حينما اختطفونا من أحضان زوجاتنا وأمهاتنا، إنما نحن بحاجة سريعة لمن يرسم خارطة جديدة تنتهي بأسر “شاليط” جديد يجعلنا نصافح أهلنا وأحبابنا قبل فوات الأوان