18.57°القدس
18.34°رام الله
17.19°الخليل
23.24°غزة
18.57° القدس
رام الله18.34°
الخليل17.19°
غزة23.24°
الأحد 13 أكتوبر 2024
4.91جنيه إسترليني
5.31دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.12يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.91
دينار أردني5.31
جنيه مصري0.08
يورو4.12
دولار أمريكي3.76

خبر: الغائب الأكبر

اختفى المسلمون من مدينة بانجي عاصمة إفريقيا الوسطى، كانوا عدة ألوف، قتل بعضهم واضطر الباقون إلى النزوح عنها قبل أن يلقوا مصير إخوانهم. بيوتهم نهبت وأحرقت، أما مساجدهم فقد هدمت، الآخرون الذين يعيشون في بقية المدن والقرى لم يكونوا أفضل حالا منهم، لأن حملة الاقتلاع والإبادة شملت الجميع، على الأقل فتلك شهادة ممثلي الأمم المتحدة ومنظمة هيومان رايتس ووتش. وحسب القاضي الكاميروني برناردمونا الذي عينته الأمم المتحدة رئيسا للجنة الدولية التي شكلت للتحقيق في الانتهاكات والفظائع التي ارتكبت في تلك الجمهورية البائسة فإن 650 ألف مسلم تم تشريدهم في داخل البلاد و300 ألف لجأوا إلى الدول المجاورة التي في المقدمة منها الكاميرون وتشاد. أما القتلى فلم يتم حصرهم، لكن أعدادهم بالألوف في كل الأحوال، وقد كانت بلدان شمال البلاد أكثر المناطق تعرضا لحملة التخريب والتهجير والإبادة، بسبب تركز الأقلية المسلمة فيها، وليس معروفا كم تبقى من أعداد المسلمين الذين يتجاوز عددهم مليون شخص في بلد تعداد سكانه خمسة ملايين، أغلبهم من الكاثوليك والبروتستانت وهؤلاء ترعاهم الإرساليات التي وفدت إلى المنطقة بعد دخول الإسلام إليها، وقد انتشرت في المنطقة إثر خضوعها للاحتلال الفرنسي في بداية القرن العشرين. بدايات دورة العنف الأخيرة ترجع إلى شهر ديسمبر عام 2012، حيث انطلقت شرارة التمرد والثورة ضد الفساد والاستبداد من شمال البلد، حيث الأقلية المسلمة. وقادت ذلك التمرد مجموعة حملت اسم «سيليكا» وبسبب ضعف الدولة نجح المتمردون في الوصول إلى العاصمة وأطاحوا بالرئيس فرانسوا بوزيزي «كاثوليكى» ونصبوا مكانه في شهر مارس 2013 ميشال دوجوتوديا الذي كان مسلما. وبوصول أول رئيس مسلم إلى سدة الرئاسة، أخذ النضال السياسي بعدا دينيا، وفي حين لم يستطع الرئيس الجديد أن يحل تمرد سيليكا رغم أنه حاول إدماج بعضهم في جيش البلاد، فإن مجموعات الكاثوليك شكلوا من بينهم ائتلافا حمل اسم «أنتي بالاكا» (المصطلح يعني مناهضة السيف)، ولأن عناصر سيليكا كانوا في موقع السلطة والقوة، فإنهم لم يتوقفوا عن نهب أملاك المسيحيين وقراهم وتجنبوا استهداف المسلمين، وقد فشل الرئيس دوجو توديا في إيقافهم. وإزاء استمرار الفوضى والانفلات في البلد فإن الرئيس اضطر إلى الاستقالة بعد تسعة أشهر وتولت السلطة مكانه سيدة كاثوليكية، هي كاثرين سامبا التي لم تنجح في وضع حد للصراع الطائفي، وكانت النتيجة أن انطلقت ميليشيات «أنتي بالاكا» لتطهير البلاد من المسلمين، مستخدمة في ذلك كل ما يمكن أن يخطر على البال من وسائل الترويع، الأمر الذي دعا مسؤولة الأمم المتحدة التي تم إيفادها إلى العاصمة بانجي للمراقبة، اسمها سونيا بكار (بكر؟)، إلى القول بأن ميليشيات سيليكا ارتكبت جرائم ضد الإنسانية حقا، إلا أن ما قامت به ميليشيات "انتى بالاكا" «يرقى إلى مستوى الإبادة». في الوقت الحاضر تحاول أطراف عدة وقف المأساة، فالكنائس الكاثوليكية تبذل جهدا لإيواء المشردين، والاتحاد الإفريقي أرسل بعض جنوده لوقف القتال، وفرنسا أرسلت بعض جنودها لذات الغرض، والولايات المتحدة قدمت بضعة ملايين من الدولارات لمساندة الحكومة، والأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية الدولية تحقق في الحملة وتحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه، أما العالم الإسلامي ومنظمة التعاون بين دوله وهيئاته الإغاثية فهي الغائب الأكبر عن الجريمة البشعة التي ترتكب في ذلك البلد الغني بمعادنه الثمينة والبائس بفقره وتعصب أهله. هذا الذي جرى في إفريقيا الوسطى يكاد يكون صورة طبق الأصل لمأساة مسلمي بورما أو ميانيمار، وهم مسلمو «الروهينجا» البالغ عددهم نحو مليون شخص، الذين شاء حظهم العاثر أن يعيشوا في مجتمع بوذي مشحون بالكراهية والبغض، لم يقبل بهم يوما ما، وما فتئ يمارس بحقهم كل ما يمر به مسلمو إفريقيا الوسطى من اقتلاع وقتل وإحراق وطرد وغير ذلك من صور التنكيل الوحشي. (للعلم أعلن رسميا في شهر مارس الماضي عن حظر ذكر اسم الروهينجا في الإحصاء الأخير للسكان) وذلك التماثل بين البلدين في الظروف شمل موقف العالم الإسلامي بمنظماته التي ينفق بعضها ملايين الدولارات لكسب ود الغربيين ومداهنتهم (بدعوى حوار الحضارات أو مهرجانات السلام مثلا)، في حين لا تلقي بالا لمعاناة وبؤس الأقليات المسلمة في آسيا وإفريقيا. في هذا السياق لا يستطيع المرء أن يتجاهل وضع مسلمي سينكيانج (تركستان الصينية) الذين ابتلعت الصين الشعبية بلادهم الغنية رسميا في عام 1949 ولم تتوقف محاولات اقتلاعهم وقهرهم منذ ذلك الحين، سواء بتشتيت سكان المقاطعة (عددهم عشرة ملايين) الذين ينتمون إلى عرق «الويغور» في أنحاء الصين أو بملاحقة الناشطين من أولئك المسلمين بتهمة الإرهاب، وقد صارت تلك التهمة سببا كافيا لتسويغ القهر والإبادة، ورغم أن الصين تعد الآن أهم شريك تجاري للعالم العربي إلا أن الشراكة استمرت جنبا إلى جنب مع تجاهل ما يجري للمسلمين هناك، حيث نسيهم الجميع وتركوهم ليلقوا وحدهم مصيرهم البائس تحت سمع وبصر إخوانهم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وقد ذكرتنا بهم صحيفة «لوموند» الفرنسية التي نشرت عنهم تقريرا في 20 فبراير الماضي كانت خلاصته أن مقاطعة سينكيانج باتت تتوقع الأسوأ بعدما ارتفعت في الآونة الأخيرة أصوات الناشطين من أبنائها الداعين إلى الحقوق والحريات مع هبوب رياح الربيع العربي التي تناثر رذاذها في مختلف مجتمعات الضعفاء والمقهورين. ذلك كله يحدث والعالم الإسلامي يقف متفرجا وذاهلا ــ يا ويلاه!