27.19°القدس
26.43°رام الله
26.08°الخليل
27.07°غزة
27.19° القدس
رام الله26.43°
الخليل26.08°
غزة27.07°
السبت 18 مايو 2024
4.71جنيه إسترليني
5.23دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.03يورو
3.7دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.71
دينار أردني5.23
جنيه مصري0.08
يورو4.03
دولار أمريكي3.7

خبر: رصاصة واحدة تقضي على أحلام "حكمت"

قصت الثمانينية رشيدة داوود فلايحة تفاصيل غياب ابنها الشهيد حكمت مصطفى دراغمة ابن مدينة طوباس شمال الضفة الغربية، الذي ارتقى مطلع انتفاضة الحجارة، واستحضرت اللحظات الأخيرة التي جمعتها به، والألم الذي تعتصره بالرغم من مرور السنوات. تقول: "اقتحم جنود الاحتلال بيتنا مع الظهر، وحشرونا في غرفة واحدة وضربونا ودارت مواجهات مع الشباب أمام الدار، وطلع حكمت العصر على الجبل، وسمعنا صوت رصاص، ووقتها قلبي أوجعني، وخفت على حكمت، ولم يرجع للبيت، وصرنا نفتش عليه مثل المجانين، وما لقيناه إلا ثاني يوم الصبح، وهو يسبح في دمه بجنب بيتنا في زيتونات (خلايل الفقها)". تحتضن الأم المكلومة صورة ابنها وهو في زي رسمي بالأبيض والأسود كالعريس كما تقول، وتستجمع المواقف التي لا تسقط من ذاكرتها في علاقتها مع ولدها، الذي أوقفت رصاصة إسرائيلية زحفه نحو إكمال دراسة الهندسة التي أحبها في جامعات رومانيا. وترسم بروايتها الممزوجة بالحسرة لوحة وجع: زرع حكمت هذه الليمونة في حديقة الدار، وكان يحب الشجر والزراعة، وكان يمثل عليّ مرات كثيرة لما أمرض إنه الدكتور أبو دولة (طبيب كان ذائع صيت في تلك الفترة) ويلبس نظارات، ويحمل سماعات، وإبر، وما كنت أعرف، وكان يطلب مني أشرب لبن وحليب وأبعد عن الشاي والقهوة، وكنت أطيب، وما عرفت إنه الدكتور إلا بعد ما استشهد. [title]بارع في التمثيل[/title] تستذكر أخته حنان: كان أخي بارع في التمثيل، وكانت أمي تصدق المواقف التي يؤلفها عليها، وفي بعض المرات يلبس الدماية (زي شعبي)، ويعمل حاله أبوي، ويغير صوته وينادي عليها (وينك يا أم عزات)، وكان أيضاً يقلد جارنا فالح، ويلبس مثله، ويدل أمي على طريق الأرض والزيتونات في الجبل، وهي تصدق. كانت عائلة دراغمة تنتظر عودة حكمت من بلاد الغربة، إلا أن الاحتلال اعتقله عبر الجسر (معبر الكرامة)، وبعد خمسة عشر يوماً أفرج عنه، وكان الجيران يأتون لتهنئته، ولكن قبل أن يكملوا واجب السلام على الأسير المحرر والمهندس الذي كان يفصله عام واحد عن اللقب، اقتحم جنود الاحتلال المنزل، وأجبروا العائلة على الجلوس في غرفة، قبل أن ينهالوا عليهم بالضرب وتحطيم أطرافهم، حيث كانت تروج سياسة تكسير العظام، التي أطلقها وزير جيش الاحتلال وقتها اسحق رابين. [title]ليلة البحث عن الشهيد[/title] مما ترويه الأم: بعد ليلة من البحث عن حكمت، جاءت جارتنا أم عطوة وجه الصبح، وقالت وهي تصرخ (في واحد مقتول تحت الزيتونة)، وعندها شعرت أنه ابنها، وقبلها أعاد جنود الاحتلال عمال طوباس عن الحواجز، وقالوا لهم إن عندهم اليوم شهيد اسمه حكمت دراغمة، قتلوه أمس. أصيب حكمت برصاصة في الرقبة، وظل ينزف حتى اكتشاف مكان إصابته بطلق قاتل، وانقلب حياة عائلته رأساً على عقب، وتبخرت أحلامه في الزواج من إحدى قريباته، والاستقرار في طوباس، تأسيس مكتب هندسي فيها، واختفى من المشهد الابن صاحب الترتيب الرابع في أسرته. [title]أماه .. لا تبكي[/title] تصف الأم ابنها الذي ولد في آذار19590، ورحل يوم 22 آذار 1988، فتقول: كان شعره مقرقط وأسود، ووجهه مربوع، وعيونه شُهل، وأحلى واحد بين إخوته، وكان يحب المقلوبة والعدس الذي لا يشبع منه، وفي يوم استشهاده طبخنا المفتول الذي طلبه. زار الابن الغائب والدته في المنام مراراً، وطلب منها عبر جارتها شهلة، أن تتوقف عن البكاء والحزن، وأن تترحم على روحه وتقرأ القرآن بدل النواح. أما في يوم رحيله فانقلبت المدينة، وجاء المشيعون من مدن وقرى مجاورة، وغنى له رفاقه (سبل عيونه ومد إيده يحنونه). أعادت عائلة الشهيد إطلاق اسمه على ابن أخيه جودت، لكن الأم أصرت على رفضها أن يبقى حكمت وحيداً في الاسم، ومع ذلك دون الأخ طفله على اسم عمه، واختاروا النداء أمام جدته باسم ثان هو فقيه. تنهي الأم: كثر الشهداء اليوم، وما عادت الناس تعشعش (تهتم) عليهم مثل زمان، وبعدت القلوب عن بعض، وصار كل واحد بحاله.