25.54°القدس
25.22°رام الله
24.42°الخليل
25.68°غزة
25.54° القدس
رام الله25.22°
الخليل24.42°
غزة25.68°
السبت 12 أكتوبر 2024
4.91جنيه إسترليني
5.3دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.11يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.91
دينار أردني5.3
جنيه مصري0.08
يورو4.11
دولار أمريكي3.76

خبر: النباهة والاستحمار

أبدأُ بالترحم على جميع شهداء فلسطين، وفي المقدمة منهم المناضل الكبير أبو إياد خلف الذي كان أحد الذين امتلكوا حدساً ثاقباً، ورؤية كاشفة، عابرة للحظة، إلى ما وراءها، محذراً من مخاطر تحيط بالقضية، تهدف إلى تدجين المناضل ثقافياً ونفسيا، فعبر عن مخاوفه في كتابه (فلسطيني بلا هوية): "أنه يخشى أن تصبح الخيانة وجهة نظر"، قرأنا ذلك في شبابنا، وقرأته شبيبة فتح، وعقدنا جميعاً العزم على حماية الثورة من خفافيش الليل، مصممين أن نتصدي لمن يجرؤ على مجرد التفكير في حرف الثورة عن مسارها الذي خطه الشهداء بدمائهم، حتى لا تنحرف عن تحرير فلسطين كل فلسطين. وقبل أيام قليلة نشر بعض النشطاء على اليوتيوب، مقطع فيديو للمناضل نفسه "أبو إياد"، يقول فيه: "من هذا الحمار الذي يمكن أن يوقف المقاومة "الانتفاضة"، ويذهب إلى التفاوض بدون سلاح"؟!!. لقد كان الثوار في ذلك الزمن يتمتعون بالنباهة، والذكاء الفطري، والحس الوطني الأصيل، كانوا يعيشون بطهارة الثوار، ولم يفسدهم الدرهم ولا الدينار، واليوم نشهد تغيرات دراماتيكية، فقد توقف نهر الثورة عن الجريان، ونجح شياطين النظام العربي في إفساد الضمائر بالترهيب تارة وبالترغيب تارة أخرى، ومن لم تعالجه العصا ولا الجزرة داوته (إسرائيل) بالاغتيال، فخلف من بعد الثوار خلف أضاعوا الكفاح المسلح، وفاخروا بذلك، ومن على الفضائيات، واعتبروه إرهاباً يستوجب أن يشاركوا العم سام في الحرب ضده، فكانوا حلفاء أمريكا في الحرب على ما أسمته (بالإرهاب)، وبدؤوا في معركة قلب المفاهيم؛ استهلوها بتدنيس المقدس، واستباحة المحرمات الوطنية، فوصفوا الميثاق الوطني الفلسطيني الذي مثل الثورة وذاكرتها الجمعية بأنه متقادم "كوداك" والزمن قد تجاوزه، ولم يكتفوا بالتصريحات بل شربوا مع كارتر نخب إلغائه في مشهد مخزٍ ومبكٍ، وقف فيه ثوار الأمس يصفقون لشطب التاريخ والجغرافيا وكأنهم سكارى وما هم بسكارى، ولكنه زمن الاستحمار. واستمر الأوروبيون والأمريكيون في تدجين ثوار الأمس، وتحت ذريعة الإغراء بالواقعية وذرائع الحصول على الشرعية الدولية حتى يعترف بهم كممثلين للشعب الفلسطيني. فما كان مرفوضاً من ثوار السبعينيات، في زمن النباهة الثورية، أي قبل عام 1974 انقلب إلى هدف سامٍ، فكانت مقررات المجالس الوطنية المتعاقبة تطلق على مشاريع إقامة دولة على حدود 67 "بالدولة المسخ"، حتى بدأ الطابور الخامس بتزيين قيام سلطة، ولا بأس أن تسمى سلطة ثورية وأن يقيد إنشاؤها بعدم الاعتراف بإسرائيل، حتى وصل الأمر في زمن الاستحمار إلى قيام سلطة حكم ذاتي باشتراطات أمنية، تحول فيها الثائر، إلى حارس على بوابة المغتصبات، يلاحق المقاومة، ويحافظ على أمن الاحتلال، باعتبار أمن المحتل مصلحة وطنية، واعتبار التنسيق الأمني مع الاحتلال أمراً مقدساً، حقاً إنه الاستحمار، حتى إن كبير المفاوضين أشار في تسريب جديد إلى أن جيلاً جديداً من الفلسطينيين يتم تربيته على التنسيق الأمني. في زمن النباهة كان حق العودة هو القيمة العليا التي ينطلق منها الثوار في إيمانهم وعزيمتهم وإصرارهم على العودة إلى ديارهم وبيوتهم، وكان الثوار يولدون في المخيمات، وترضعهم أمهاتهم نشيد العودة: "عائدون عائدون عائدون"، حتى بدأ الطابور الخامس بتدجين الأجيال الجديدة، ليتحول حق العودة في زمن الاستحمار إلى حل متفق عليه مع المجرمين، أي أن القيادة سلمت بذكاء مفاتيح العودة للاحتلال الصهيوني، الذي هجر الشعب الفلسطيني بقوة الجريمة، وأعطى العدو حق الفيتو على العودة، وطَيَّنَها عباس بالتصريحات الصادمة للوجدان الوطني، بغرض تسفيه هذا الحق في نفوس الشعب الفلسطيني، بقوله: أنه لا يريد العودة إلى صفد إلا سائحاً، وتارة أخرى مطمئِناً الشبيبة الصهيونية: من قال لكم أننا سنغرقكم باللاجئين، وأنه يتفهم مخاوفهم؟!،، وكل يوم يخرج علينا الرجل بتقليعة جديدة، حتى يدجن الشعب، ويغتال في نفوس الأجيال الصاعدة المبادئ والقيم والحقوق والثوابت. في زمن النباهة الثورية، كانت الانتفاضة أعظم، انجازات الشعب، وأكبر خطر يهدد الوجود الصهيوني، واعتبرها المفكر المصري (عبد الوهاب المسيري) بأنها أعظم حدث تاريخي في النضال الفلسطيني، وأنها تهديد حقيقي للوجود الصهيوني، ولكن عباس في زمن الاستحمار، خرج علينا ليسفه الانتفاضة ويعتبرها أكبر كارثة لحقت بالشعب الفلسطيني، ويتفق مع الإدارة الأمريكية على بناء قوة أمنية بعقيدة قائمة على ملاحقة نشطاء الانتفاضة، وتجفيف منابع المقاومة، حتى صارت قوى الأمن إلى مجموعة من المتحولين الأمنيين بلا عقل ولا ضمير، يعلن الواحد منهم بأنه مستعد لقتل أبيه وأمه وأخيه وجاره، حفاظاً على أمن الاحتلال، بينما المواطن الفلسطيني بلا أمن له، يتخطفه الاحتلال من قلب رام الله والخليل، يهدم بيته ويصادر أرضه ويمنعه من أبسط الحقوق الإنسانية دون بواكي عليه. في زمن الاستحمار، تتقدم دولة عربية إلى جانب فنزويلا، إلى الجمعية العامة لعقد اجتماع طارئ ضد العدوان على غزة عام 2008، فيعترض عباس، ويأمر مندوبه في الأمم المتحدة فيفشل هذا المجهود، ويتكرر هذا المشهد ثانية في مجلس حقوق الإنسان عندما تقدم تقرير جولدستون للتصويت عليه أصدر أوامره لمندوبه مرة أخرى لسحب المشروع من التصويت. فما صدق في وعد قطعه على نفسه، ولا ثبت على موقف اتخذه، بل تفنن في تبكيت الشعب وتسفيه أحلامه، إنه يسير على خطا مسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية، يمسح التاريخ، ويزيف الحقائق، ويطمس معالم القضية، يشوه المعاني والمفاهيم، ويقزم الأحلام ويسحق الآمال، ويخفض التطلعات مستغلاً حاجة الشعب ومعاناته المعيشية، متوهماً أنه يملك كلمة السر "الراتب"، وكأن الشعب عنده مجموعة من الخراف، التي تنحصر حاجاتها في الأعلاف، في إهانة بالغة للشعب الفلسطيني العظيم، يسيطر على تفكيره نزعة بويهيمية ولسان حاله يقول: "جَوِّع كلبك يتبعك"، فأحاط نفسه بمجموعة من السحرة أصحاب المصالح الشخصية والفئوية، يطبلون له، ويسوقون خزعبلاته وسفاهاته السياسية، في عملية منهجية مقصودة، لتجريف القيم الوطنية، وتفكيك الثوابت التي توارثتها الأجيال من الثوار عبر تاريخ الحركة الوطنية، فلم يعد هناك برنامج وطني واضح، ولم يعد هناك خطوط حمر، فلا القدسَ أبقى، ولا السيادة حقق، ولا بحق العودة تمسك، وقسم الشعب إلى طوائف وجماعات، واليوم يريد أن يهدم آخر القلاع ويدمر آخر الحصون، وهو حصن المقاومة في غزة، بعد أن شارك في حصار غزة، وباعترافه الصريح مع مصطفى بكري بأنه هو من كان يحرض على إغلاق المعبر، ويسلم خرائط الأنفاق للمصريين لتدميرها. واليوم يقوم عباس بالانتقام من أهل غزة يسرق أموال الشعب، ويستخدمها لتقسيمهم بين أَخْيار وأشرار، بين شرعيين ولا شرعيين، ويطعن الوفاق الوطني في القلب، فنحن أمام نهج مدمر وكارثي، لا يكتفي بالتنازل والتراجع أمام العدو، ولكنه يدمر النخوة في النفوس، وينحط بها إلى وادٍ سحيق يفسد الضمائر، ويعيد تثقيف الجيل، جاعلاً القيمة العليا غذاء البطون، وليس للفكر والقيم والمبادئ، متحولاً إلى فرعون، لسان حاله يقول: ما علمت لكم من إلهٍ غيري، وحُجَّته أَلا تَرَوْنَ أن كنوز الراتب تجري من بين يَدي ومن خلفي. يا أيها الثوار: إن فلسطين تحتاج إلى النباهة لا إلى الاستحمار!!!.