أكثر من عشرة أيام مضت دون أن يتم كشف لغز اختفاء ثلاثة من الجنود الصهاينة في محافظة الخليل جنوب الضفة الغربية المحتلة، ولعل اختفاء الجنود بهذا الشكل وسط معلومات مصدرها الوحيد العدو الصهيوني يضع مختلف الأطراف أمام سيناريوهات مختلفة حول هذه القضية.علامة-استفهام وبالعودة إلى ما جرى في الخليل، فقد تمثل الأمر في اختفاء ثلاثة من الجنود الصهاينة بالخليل ومسارعة الاحتلال الصهيوني بتوجيه التهمة بالضلوع في العملية لعناصر من حركة “حماس” بعد نقل أسمائهم ومعلومات عنهم من قبل أجهزة أمن السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة. وبعد الاتهام الصريح للحركة الإسلامية- التي لم تتفوه بكلمة تُشير إلى مسئوليتها عن العملية- بدأت قوات الاحتلال حملة أمنية قوية ضد الحركة وقياداتها ومؤسساتها في الضفة الغربية وبدأت الترويج عبر وسائل الإعلام لإمكانية إبعاد القيادات الحمساوية إلى قطاع غزة. وبالعودة إلى عملية اختفاء الجنود الثلاثة فيمكن حصرها في أحد السيناريوهات الثلاثة التالية: السيناريو الأول: أن تكون العملية مجرد مخطط صهيوني قامت به قوات الاحتلال في محاولة منها لتحقيق العديد من المنجزات الميدانية تتمثل في: 1- وقف المد الأخضر في مختلف محافظات الضفة الغربية المحتلة وبخاصة في مدينة الخليل، والذي أعقب إعلان تشكيل حكومة الوفاق الوطني. فالعدو الصهيوني بات يخشى من زيادة حراك “حماس” بين الجمهور الفلسطيني وارتفاع وتيرة نشاطها، وهو نشاط تركز في الأساس على مساندة الأسرى في إضرابهم الأخير الأمر الذي أحرج العدو الصهيوني دوليا. 2- وقف التفاعل مع “حماس” في الضفة الغربية سياسيا واجتماعيا خشية من انتقاله إلى العمل العسكري الذي “إن حدث” فباعتقادهم سينسف الكثير مما بناه التنسيق الأمني مع الاحتلال الصهيوني، وهو أمر لا يرغب به الاحتلال. 3- إفشال جهود حكومة الوفاق الوطني، فقد وقع الاحتلال في إحراج شديد بعد اعتراف العديد من الأطراف الدولية بهذه الحكومة التي اعتقد العدو أن “حماس” انتصرت فيها بشكل كبير، فكان لا بُد من إعادة خلط للأوراق قد يكون من خلال الإدعاء باختفاء ثلاثة من الجنود، وبدلا من الحديث الفلسطيني والصهيوني عن مصالحة فلسطينية، فقد تحول الحديث عن عمليات للاحتلال والسلطة الفلسطينية في سبيل استعادة الجنود الثلاثة. وهذا السيناريو إن كان هو الذي حدث بحق الجنود الثلاثة، فأعتقد أن أياما قليلة ستفصلنا عن كشفه للجمهور ووضوح كذب قادة الاحتلال، وذلك بعد أن تتضح الخطوات المقبلة التي يسعى العدو الصهيوني للقيام بها ضد حركة “حماس”. السيناريو الثاني: ويتمثل في نجاح فصيل من فصائل المقاومة الفلسطينية العاملة على الساحة الفلسطينية في أسر ثلاثة من الجنود الصهاينة لتحقيق صفقة وفاء الأحرار اثنان ووقف معاناة الأسرى الفلسطينيين الأبطال القابعين في سجون الاحتلال، وفي هذا السيناريو الذي أتمنى أن يكون قد حدث بالفعل فلا بُد أن نكون أمام وقائع لا بد منها: 1- لن يستطيع أي فصيل فلسطيني قام بتنفيذ العملية بالإعلان عنها خلال الأيام المنظورة القريبة وذلك من باب أن كل كلمة سيكون لها ثمن خلال الفترة المقبلة عملا بالاستفادة من تجارب التاريخ، أي أن الفصيل الآسر “إن كانت العملية عملية أسر” سيحتاج إلى ثمن للإعلان “هل يحتفظ بالجنود أم لا”، ويحتاج لثمن لإعلان من قبيل “هل الجنود أحياء أم أموات” ويحتاج إلى أثمان في كل خطوة يقوم بها. 2- أي فصيل يكون أسر الجنود فلن يكون في عجلة من أمره وسيعمل على نار هادئة وبأعصاب باردة أكثر من صفقة “وفاء الأحرار”، خاصة وأنه أمام ضرورة الاحتفاظ بالجنود في مكان آمن. 3- إن صحت رواية أسر الجنود فسوف تكون عملية أسرهم الضربة الأقوى التي يتلقاها العدو الصهيوني في دماغه الذي لم يستفق بعد من ضربة صفقة “وفاء الأحرار”، فالعملية تمت بتنسيق مُحكم جدا وعرف على ما يبدو من الأحداث الميدانية كل عنصر من المجموعة المهمة التي يقوم بها، وجرت العملية في المناطق الخاضعة للحراسة والرصد الصهيوني على مدار الساعة. قد يكون هذا السيناريو بالإضافة إلى السيناريو الأول الأقرب إلى الصواب، لكن السيناريو الثاني سيجعل من الآسرين للجنود أمام ضغط كبير من الرأي العام للحفاظ على صمتهم والتحلي بالصبر الكبير كون أن كل معلومة كما ذكرنا سابقا سيكون مقابلها ثمن يجب أن يقدمه العدو الصهيوني، غير أن ضغطا من هذا القبيل سيجعل الآسرين في سعادة غامرة حينما يعلم المواطن الفلسطيني أنهم قاموا بذلك في سبيل تحقيق أفضل النتائج للشعب الفلسطيني. السيناريو الثالث: أن تكون عملية الاختفاء للجنود الثلاثة تمت بشكل فردي من شباب فلسطيني ثائر له مطالب محددة، أو أن تكون جنائية لمجموعات من عصابات الاحتلال وهذا أمر يبرره أنها وقعت في أراضٍ تابعة للسيادة الصهيونية، غير أن هذا السيناريو إن وقع فأعتقد أن أياماً فقط ستكون كفيلة بكشفه. فوائد بالجملة وبغض النظر عما إذا كانت عملية اختفاء الجنود الثلاثة هي عملية أسر أو حرف للبوصلة من قبل العدو الصهيوني إلا أنها ستعود بفوائد كبيرة على الشعب الفلسطيني تتمثل في التالي: 1- إن كانت عملية أسر فسوف تزيد القناعة لدى الجمهور الفلسطيني بضرورة احترام المقاومة الفلسطينية والعمل على احتضانها كونها الأقدر على مواجهة التحديات وكسر أقوى النظريات الأمنية الصهيونية والوصول إلى أهدافها بنجاح. 2- أما إن كانت عملية مفتعلة من الاحتلال الصهيوني فسوف تعود سلبا على جمهوره الذي بات يعيش حالة نفسية صعبة هذه الأيام لانعدام شعوره بالأمن من جانب، وسيُصاب بالإحباط إن علم بأن قادة بلاده يكذبون عليه في سبيل تحقيق أهداف سياسية محددة. 3- وعلى مختلف الاحتمالات لوضع الجنود الثلاثة، فقد جعلت هذه الحادثة التنسيق الأمني وتفاخر قيادات السلطة الفلسطينية بذلك بشكل علني لا يترك أي مدافع عن نهج السلطة الفلسطينية يمتلك دليلا على أن أجهزة الأمن تلك تعمل للمصلحة الفلسطينية. 4- ظهر رئيس السلطة محمود عباس خلال هذا الحادث على حقيقته المتجاهلة لمعاناة الأسرى الأبطال وهو الذي أصدر الأوامر، أو صمت على الأقل على عمليات ضرب وملاحقة وتهديد كل من يتضامن معهم أو ينقل معاناتهم من الصحفيين أو النشطاء، بل واعتدت أجهزته الأمنية على ذويهم، وبذلك أثبت بالدليل القاطع أن حديثه عن الأسرى- إن حدث أصلاً- إنما هو كذب ونفاق إعلامي ليس أكثر. وعلى الصعيد الآخر فقد ظهر “عباس” حريصا ومُدافعا عن الجنود الصهاينة أكثر من الاحتلال ذاته وتوعد من قام بهذا العمل بالويل والبأس الشديد، في مشهد لا ينم إلا عن حقارة وخيانة لم نشهد مثلها على مدار سنوات التاريخ. 5- تعجل اتهام الاحتلال الصهيوني لحركة “حماس” بالوقوف وراء هذه العملية يزيد القناعة لدى مختلف الأطراف المدافعة عن القضية الفلسطينية بأن هذه الحركة تفكر بصمت وتعمل بهدوء في سبيل تحقيق المنجزات المتوالية للقضية والثوابت الفلسطينية في موازاة فريق “عباس” الذي يعمل بكل ما أوتي من قوة في سبيل زيادة الإحباط وحصد الفشل باستمرار والعمل على تقديم دماء وأجسام أبناء الشعب الفلسطيني وأسراه الأبطال كقرابين الولاء للعدو الصهيوني، الذي يواصل مطالبته بالمزيد حتى إذا انتهى منه ألقاه على مزابل التاريخ أو ترك شعبه ينتقم منه، ولنا في التاريخ دروساً كبيرة وعبر لمن امتلك عقلا للتفكير. 6- إن صح وكانت عملية اختفاء الجنود الثلاثة هي “عملية أسر” فنحن أمام ضربة أمنية للاحتلال الصهيوني وأعوانه، فقد مضت عشرة أيام ولم يفلحوا في الوصول إلى طرف خيط لمعرفة ما جرى تحديدا ومن قام بهذا الأمر، على الرغم من وجود غرفة عمليات مشتركة لأجهزة الأمن الوقائي والمخابرات الفلسطينية والشاباك الصهيوني، وقد جعلوا كل الأجهزة والمعدات المتطورة تحت تصرفها الكامل. وتأكيدا فمرور أيام أخرى دون الكشف تفاصيل للضالعين سيكون في مصلحة المنفذين في سبيل الوصول لأماكن بعيدة عن عيون التنسيق الأمني الذي تقوده السلطة الفلسطينية من جانب، وسيبتعدون عن عيون العدو الصهيوني من جهة أخرى. باختصار. علينا ألا نتعجل إصدار الأحكام والتصريحات حول الجنود الثلاثة وعلينا في ذات الوقت وقف أحاديث التشكيك بأنها عملية أسر لعدم الضغط على المنفذين “إن كانت عملية أسر” لإعطاء معلومات بالمجان في سبيل التأكيد أنها عملية مُدبرة لإنقاذ أسرانا الأبطال الذين يذبحهم العدو الصهيوني بصمت هذه الأيام وبمباركة واضحة من السلطة الفلسطينية. إن كان اختفاء الجنود عملية أسر وهذا ما يتمناه ذوي الأسرى الأبطال فحتما سنخرج ذات يوم إلى شوارع فلسطين ونعانق أحبابا لنا غابوا عنا لسنوات طويلة وسنمسح دموع الفرح عن وجوهنا بنصر الله تعالى، وحتى تتحقق تلك الأمور التي نتمناها ونسأل الله ذلك في كل وقت وكل حين علينا أن نسأل: هل يتابع الجنود الثلاثة مباريات كرة القدم في مونديال 2014م بالبرازيل أم لا؟ وإن كانوا يتابعونها فهل يستمعوا لصوت المعلق الرياضي باللغة العربية أو العبرية؟ وهو سؤال لا يعرف إجابته إلا من يجلس بصحبته الجنود الثلاثة.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.