26.63°القدس
26.21°رام الله
26.08°الخليل
26.88°غزة
26.63° القدس
رام الله26.21°
الخليل26.08°
غزة26.88°
السبت 12 أكتوبر 2024
4.91جنيه إسترليني
5.3دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.11يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.91
دينار أردني5.3
جنيه مصري0.08
يورو4.11
دولار أمريكي3.76

خبر: حياد ليس باسمنا

هل أصبحت مصر محايدة إزاء الصراع العربي الإسرائيلي؟ لو أن أحدا ألقى علي السؤال قبل سنوات لقلت له على الفور: خسئت. فمصر ليست الدولة التي يوجه إليها سؤال من هذا القبيل، إلا أن الدنيا تغيرت على نحو لم يخطر لمثلي على بال، بحيث إن السؤال الذي كنا نعتبره مجرد إطلاقه من المحرمات المخزية التي تشين المرء وتجرح انتماءه، أصبح واردا، بل صرنا نحن الذين نلقيه، بعدما استبدت بنا الحيرة واختلطت الأوراق بحيث اهتزت الثوابت، وصار الحرام حلالا والحلال حراما. خلال سنوات حكم مبارك بل في أثناء حكم السادات مرت العلاقات المصرية الفلسطينية بمراحل من البرود لأسباب طارئة. لكنني لا أتذكر أن فكرة الحياد إزاء القضية كانت واردة. وحتى حين استشاط السادات غضبا بعد اغتيال يوسف السباعي في قبرص وبعد توقيعه اتفاق السلام مع إسرائيل، فإن البيانات الرسمية ظلت تعبر عن إدانة الاعتداءات الإسرائيلية والدفاع عن القضية الفلسطينية. حتى إذا كان ذلك قد تم من باب تسجيل المواقف في وسائل الإعلام في حين كانت السياسة تمضي باتجاه آخر، فالشاهد أن الخطاب السياسي والإعلامي ظل مرتبطا بموقف معلن كان من الصعب النزول عنه. وهو الموقف الذي تشير القرائن الأخيرة إلى أنه تم العدول عنه. ذلك أن ما كان نوعا من البرود بدا وكأنه نزوع إلى الحياد. والفرق بين الحالتين كبير، فالبرود يفترض أن هناك موقفا لا يراد الإعلان عنه، في حين أن الحياد بمثابة وقوف في الوسط بين طرفين وقد يكون تعبيرا عن اللاموقف. وإذا تذكرنا أننا كنا نتحدث عن قضية فلسطين باعتبارها القضية المركزية في العالم العربي. فإن الانتقال من مركزية القضية إلى الحياد إزاءها يغدو نقلة هائلة وانتكاسة كبرى، أقرب إلى الانقلاب في الموقف السياسي. ما دعاني إلى التساؤل عن موقف الحياد ــ وأنا أتحدث عن السلطة وليس المجتمع ــ هو اللغة التي تحدثت بها وزارة الخارجية المصرية في تعليقها على الانقضاض الإسرائيلي الأخير على غزة، والهجوم الوحشي الذي استهدف مواقع المقاومة ومساكن المدنيين. ذلك أنه حين بدأ العدوان المكثف يوم الاثنين 7/7 نشرت جريدة الأهرام في عدد الثلاثاء تصريحا للسفير بدر عبد العاطي المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية أعرب فيه عن «إدانة مصر لسلسلة الغارات التي شنها الطيران الإسرائيلي على قطاع غزة»، وبعد الإشارة إلى رفض مصر للقصف الذي يستهدف المدنيين، دعا المتحدث السفير عبد العاطي إلى وقف السياسات الاستفزازية، وفي مقدمتها النشاط الاستيطاني وسياسة فرض الأمر الواقع «من جانب إسرائيل بطبيعة الحال». هذا الموقف الذي أدان الغارات الإسرائيلية وانتقد سياسة إسرائيل الاستفزازية والاستيطانية تغير بعد 48 ساعة، حيث قرأنا كلاما مختلفا وغريبا للمتحدث باسم الخارجية المصرية، ورد نصه في موقع الوزارة يوم 9/7. وجاء في النص ما يلي: أعرب المتحدث الرسمي عن قلق مصر الشديد من استمرار تصاعد الأوضاع في الأراضي الفلسطينية خلال الساعات الأخيرة مجددا المطالبة بضبط النفس والابتعاد الكامل والفوري عن أعمال «العنف المتبادل».. لتجنيب المدنيين ويلاته.. مما يؤدي إلى صعوبة العودة إلى المفاوضات التي تقود إلى تطلعات الشعب الفلسطيني وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية في إطار تنفيذ قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.. «ودعا» المتحدث إلى ضرورة البدء الفوري في اتصالات مباشرة بين الجانبين للعمل على إنفاذ العدالة، مؤكدا أن مصر تبذل جهودا مكثفة بالتعاون والتنسيق مع جميع الأطراف الإقليمية والدولية للحيلولة دون إراقة مزيد من دماء المدنيين... إلخ. المتابع للشأن الفلسطيني يصدمه البيان، الذي بدا متراجعا. حتى أزعم أنه أضعف وأسوأ ما صدر عن الخارجية المصرية بخصوص القضية. فليست فيه كلمة إدانة لخمسمائة غارة إسرائيلية ألقت حوالي 400 طن متفجرات وقتلت نحو مئة فلسطيني وأصابت أكثر من 500. في حين أن صواريخ المقاومة الفلسطينية أزعجتهم حقا، لكنها لم تقتل إسرائيليا واحدا. وقد وصف الاشتباك بأنه «عنف متبادل»، تساوى في ظله القتيل مع القاتل ــ ثم إن الكلام عن ضبط النفس والدعوة إلى العودة للمفاوضات «لإنفاذ العدالة» كلام يرد في أي بيان يصدر عن أي مسؤول في الكرة الأرضية لا علاقة له بالموضوع ــ بل إن هذه المعاني وردت كلها في مقالة للرئيس الأمريكي باراك أوباما. نشرتها إحدى الصحف الألمانية كما ذكرت جريدة الأهرام في عدد 10/7. هذا الموقف المحايد يلحظه أي متابع للحدث. وقد سجلته صحيفة «نيويورك تايمز» في تقرير نشرته في 9/7 ، ذكرت فيه أن مصر بدت وكأنها «رفعت يدها» عن دور الوساطة الذي اعتادت أن تقوم به في مثل هذه الحالات. وأن ذلك يعكس «تحولا في سياستها الخارجية في عهد رئيسها الجديد عبد الفتاح السيسي». وقد أشارت صحيفة «المصري اليوم» أمس إلى المعنى ذاته حين نشرت تقريرا كان عنوانه «صحف أمريكية تنتقد الصمت المصري على قصف غزة». لا يستطيع أحد أن يتجاهل حقيقة أن الحياد المصري الظاهر إزاء حملة التدمير والإبادة الإسرائيلية الموجهة ضد القطاع متأثر بمشكلة السلطة مع الإخوان، ورذاذها الذي طال حماس والمقاومة الفلسطينية، وإذا صح ذلك فإنه يعد من قبيل التضحية بما هو إستراتيجي جراء التأثر بعوامل تكتيكية عارضة. الصدمة في حياد مصر الرسمية وفي صمت الكثيرين من عناصر النخبة المصرية لا تكاد تصدق. كما يصدمنا أيضا أن بين الأخيرين من بشرنا قبل عدة أشهر بعودة عبد الناصر وزمانه. وإذ ينعقد لسان المرء من الذهول والدهشة إزاء هذا الموقف، فإنني لا أملك سوى أن أصيح بأعلى صوت: ليس باسمنا صدر بيان الخارجية، لأنه لا يعبر إلا عن الذين أوصوا به وصاغوه.