18.57°القدس
18.31°رام الله
17.19°الخليل
23.04°غزة
18.57° القدس
رام الله18.31°
الخليل17.19°
غزة23.04°
السبت 12 أكتوبر 2024
4.91جنيه إسترليني
5.3دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.11يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.91
دينار أردني5.3
جنيه مصري0.08
يورو4.11
دولار أمريكي3.76

خبر: وعي الواقع

شدة القرب حجاب كما يقول الصوفية، ولأننا نعيش الواقع فإننا نظن أننا نفقهه ونفهمه ونعلمه حق العلم. والمفارقة أنّ الواقع بعكس ما ندّعي من فهم الواقع. إنّ الواقع أعقد وأخفى وأشد التباساً واشتباكاً واشتباهاً من أن ندركه بهذه البساطة؛ فالخطوط متداخلة، والخيوط مشتجرة ومتشابكة، وجبل الجليد الطافي إنما هو أقل من سُبع حجمه فحسب، والباقي غائص مخفي لا تدركه الأبصار. والبعض يعي الواقع كما يزعم من خلال فهم ظواهر بسيطة وسطحية، أو من خلال معاييره ومقاييسه البدائية الأولية، وأدواته المتخلفة في الفهم والتحليل. وأسوأ ما في الأمر أن العديد من الفرقاء والمحللين يستخدمون معايير جزئية مختصرة ومبتسرة لا تلم بأطراف هذا الواقع المترامي الأطراف المتباعد الجزيئات والمتناثر المكونات؛ فالذي يتبنّى فكراً تغريبياً يبصر الواقع بمنظاره، وبعض المتدينين المتمسكين بأجزاء من الدين ينظرون إلى الواقع من خلال توفر أو انعدام هذه الأجزاء، وفاتهم أن الدين أشمل كثيراً مما يتصورون، والواقع أوسع وأعقد مما يتوهمون. وحتى المشتغلون بالسياسة من رجالها أو من منظِّريها ودارسيها، حتى هؤلاء الذين يُفترض أنهم أقرب إلى إدراك الواقع بتفاصيله ومكوناته تفوتهم أشياء؛ فكم يُفاجأ حتى الرؤساء بما يدور حولهم، وما أمر صنعاء والمنصور الهادي عنكم ببعيد. ولعل الدكتور مرسي من أذكى عقول العالم، لكنه لم يكن يدرك شدة تعقيد الواقع حوله، والباطنية التي فيه، والمكر والدس في الخفاء، والأمور التي تُحاك بليل أليل بهيم، والمؤامرات التي تُطبخ في مطابخ التآمر.. حتى فُوجئ بما يفوق كل حساباته وحسبانه وتوقعاته. مَن كان يتوقّع أن يُفاجئوك بهذه الحركات المتطرفة، ثم يحشدوا لها العالم، وكأنهم فُوجئوا بها؟ مَن كان يتخيل ولو في أسوأ كوابيسه أنّ العالم العربي ينحط إلى هذا الدرك الأسفل من التآمر على الذات؟ والله إني لا أظنّ إلا أنّ الشيطان نفسه متفاجئ مندهش من انحطاط أوضاع العالم العربي، بحيث يقهقه جذلان نشوان، ويقول: فُقتم توقعاتي أيها الفقمات.. ما كنت أظنّ أنّ عندكم هذه الطاقات والإبداعات، ألا فلتخلفوني على عرش الأبلسة والشيطنة، فما عاد لي معكم شغل ولا عندكم دور.. والسياسة على كل حال يصنعها بشر، والبشر أعقد مما نتخيل، وتقلباتهم أكثر وأسرع مما نظن وأشد مما نتوقع، والإغراءات من حولهم تفوق الحسبان. ثم إنّ القوى الدولية تملك من الخبرات والدهاء ما لا نحيط به خُبراً ولا علماً، وعندهم فنون السينما وحيلها. ألم يستعينوا على حرب العراق بكتّاب السيناريو في هوليود؟ إنّ عقدة القصة وحبكة الفيلم الذي نشاهده مثل عُقد مارك توين الذي كان يقول في بعض قصصه: تعقّدت القصة بأعقد مما أستطيع حلها، فحاول أنت أن تحلّها. وبعد؛ فإنّ الذي بداخل الغابة لا يرى إلا مساحة ضيقة ولمسافة قريبة، وذلك لشدة تشابكها، فإذا أراد أن يرى أوضح يخرج من الغابة، أو ينظر إليها من علٍ. وقديماً قالوا: إذا أردتَ أن تعرف ما يدور في العالم العربي، فاخرج منه لترى ما يجري فيه، وما يجري عليه.. ولعل الحديث يتصل.