18.57°القدس
18.31°رام الله
17.19°الخليل
23.04°غزة
18.57° القدس
رام الله18.31°
الخليل17.19°
غزة23.04°
السبت 12 أكتوبر 2024
4.91جنيه إسترليني
5.3دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.11يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.91
دينار أردني5.3
جنيه مصري0.08
يورو4.11
دولار أمريكي3.76

خبر: أخي ابن فتح (4)

شقيقان أعرفهما تربّيا معاً في بيت واحد. عندما شبّا انتمى أحدهما إلى حركة حماس فأصبح مواظباً على صلاة الفجر، يجتهد في صيام النوافل، يواظب على وِردٍ من القرآن الكريم يقرؤه يومياً، ويلتزم بالأذكار والتسابيح المسنونة عن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ يتواضع في حديثه ومشيته، أصبح مثقفاً ثقافةً إسلامية، فلديه إلمام بالسيرة والأحاديث النبوية، وشيء من الفقه، واطلاع على بعض تفاسير القرآن الكريم، وحب وانتماء للمسلمين، ولم يغفل عن دراسة تاريخ فلسطين وقضيتها ويتفاعل مع أحداثها. وأما شقيقه فقد انتمى إلى حركة فتح فأصبح مقلاً من الصلاة في المسجد عدا الجمعة، ولا يفقه من علوم الدين إلا ما تعلمه في المدارس، ليس حريصاً على صيام أو قيام أو ذكر وتسبيح أو ثقافة إسلامية يهتم بالأحداث السياسية وهو قليل القراءة في المجمل، وشيء من اللامبالاة بأحوال المسلمين. إن سبب الاختلاف بين الشقيقين ليس ذاتياً، وإنما بسبب توجهات واهتمامات كل من الفصيلين اللذين انتمى إليهما الشقيقان. ومع أنه ظهر رجال في حركة فتح متدينون وذوو خلفية دينية _حتى إن بعضهم؛ مثل علي الحسن، كان له دور في إسباغ بعض اللمسات الدينية عند صياغة بعض النشرات الداخلية مبكراً_ ولن تعدَم أن ترى شخصاً منهم هنا أو هناك يلتزم بالفرائض والسنن ويحرص على صلاة الجماعة والصيام والقيام وقراءة كتب الدين، إلا أنه تديُّن فردي ولا علاقة للحركة به، والعبرة هنا بنهج الحركة لا بتصرفاتٍ فردية. لقد همشت فتح (أكثر من 95% من أعضائها مسلمون)، الدين كمؤثر في النفس البشرية، ومحرِّض على التضحية والفداء، واستعارت أمثلة وتجارب وأفكاراً من الفكر الماركسي واللينيني والماوي والتروستي، ومن دروس جيفارا، وهوشي منه، وفانون، ودرَّست ذلك في دوراتها السياسية وفي مخيمات الأشبال، وحفظوه عن ظهر قلب. وهو لا ينسجم وطبيعة الأرض المقدسة التي تضم في جنباتها المسجد الأقصى المبارك، مأوى أفئدة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، فقد خلت أدبيات الحركة وندواتها ومهرجاناتها ودوراتها ومخيماتها الصيفية ودروسها للأشبال والفتيان من هذا الحس النابع من أرض الإسراء والمعراج والمتجانس معها، وعوضت ذلك بالفكر الاشتراكي والشيوعي، والعلماني حتى اختلت الموازين. وفي مدرسة الكادر الفتحاوي التي تأسست في عام 1968م لم تتطرق بالكلية إلى أي موضوع ديني، واستمر هذا الحال إلى اليوم، فلا تكاد تجد نشرة داخلية واحدة تتحدث عن قدسية فلسطين وأهمية المسجد الأقصى مثلاً، ولا عن سيرة الرسول _صلى الله عليه وسلم_ والعبر المستفادة منها، ولا عن معركة بدر وفتح مكة أو غيرها، ولا شيء من هذا القبيل يمكن أن يُحسب ضمن الثقافة الإسلامية. وهنا يقفز سؤال عريض: أليست فلسطين قضية إسلامية؟ أليست أرضاً قدّسها الله سبحانه وتعالى؟ أليس أهم ما فيها هو المسجد الأقصى الذي باركه الله وبارك حوله؟ أليست فلسطين هي أول أرض فتحها المسلمون بعد جزيرة العرب؟ أليس المسجد الأقصى هو قبلة المسلمين الأولى ومسرى الرسول صلى الله عليه وسلم ومعراجه؟ ألم يستشهد على أرض فلسطين مئات الصحابة الكرام؟ ألا تستحق أحوال فلسطين هذه وخصوصياتها وفضائلها أن تُدَرَّس لأبناء كل تنظيم فلسطيني وعربي ومسلم؟ وإلا فكيف يرفع كل فصيل من مستوى الدافعية لدى أبنائه إن لم يعزِّز القيم الدينية وإعلاء قدسية فلسطين وإسلاميتها؟!! إن امتناع حركة فتح عن تدريس أبنائها الثقافة الإسلامية، وتربيتهم على تعاليم الدين، يجعل منها حركة علمانية - كما وصفها بذلك عديد قياداتها - لا تقيم وزناً معتبراً للدين في نهجها ومشروعها الوطني، وهذا خطأ فاحش أدى إلى تراجع القيم الدينية لدى السواد الأعظم من أبناء الحركة. كما لا يمكن تسمية ذلك اعتدالا في الدين؛ لأن أخذ الإسلام بكليته هو الوسطية، فما زاد عنه كان تشدداً وتطرفاً وما نقص عنه كان تفريطاً وتهاوناً وانحرافاً. إن الاختلاف السياسي بين الفصائل الفلسطينية ليس مشكلة كبيرة، لكن أن يختلف أبناء فلسطين - بصفتها أرضاً مقدسة وقضية دينيةً بامتياز - في المضمون الفكري والعقائدي فينحرف بعضهم عن وسطية الدين تقصيراً أو تشدداً، فهذه مصيبة كبرى يترتب عليها زرع الشقاق والانقسام بين أبناء الشعب الواحد ممن يعلنون انتماءهم جميعاً للإسلام، فأيهم مع الإسلام؟!. لقد وازنت حركة حماس بين العمل الجهادي الذي بزّت به كل الفصائل الفلسطينية قاطبةً، وبين التمسّك بشعائر الدين الإسلامي نظريةً وسلوكاً، على مستوى الحركة، وضمن نهجها وأنظمتها، وعلى مستوى أفرادها، إلا القليل ممن ضعفت نفوسهم. وهذا التمسك من حماس بالإسلام منهجاً وسلوكاً لا تجده عند معظم الفصائل الفلسطينية ومنها حركة فتح. فهل يعتقد أبناء فتح أنهم سيحررون فلسطين وحركتهم لا تحضهم على تقوى الله وعلى الالتزام بأوامر الله ورسوله؟ فإن حضّتهم على ذلك لن يعود هناك انقسام بينها وبين حماس.